بورما تستقبل أوباما «الأسطورة».. لكن التوتر يخيم على زيارته لكمبوديا

خلافات بين دول «آسيان» تحول دون اتفاق حول التعامل مع بكين

الرئيس الأميركي باراك أوباما يتوسط قادة قمة دول «آسيان» في العاصمة الكمبودية بنوم بنه أمس (أ.ف.ب)
TT

بعد اختتام زيارته إلى تايلاند توجه الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس إلى بورما وكمبوديا ضمن جولته الآسيوية التي بدأها أول من أمس. ووجه أوباما نداء لإحلال ديمقراطية متكاملة في بورما وذلك خلال زيارته التاريخية لها والتي استغرقت بضع ساعات فقط وأتاحت للحشود الفرحة في رانغون الترحيب بشخصية يعتبرونها «أسطورة». إلا أن الحال لم يكن كذلك في كمبوديا حيث خيم التوتر على لقائه برئيس الوزراء الكمبودي بعد أن اعتبر انتهاكات حقوق الإنسان هناك «عقبة» تحول دون تعميق العلاقات بين واشنطن وبنوم بنه.

وغادر أوباما تايلاند متوجها أولا إلى بورما ليصبح بذلك أول رئيس أميركي في السلطة يزور تلك البلاد التي كانت حتى وقت قصير عدوا لدودا. وزار الرئيس الأميركي رانغون، العاصمة السابقة للبلاد التي ازدانت بالإعلام الأميركية واحتشد عشرات آلاف الأشخاص وطلاب ارتدوا الزي التقليدي البورمي على جانبي الطريق وحملوا الإعلام وردد بعضهم بفرح «أميركا».

وحمل البعض أيضا يافطات كتب عليها «أهلا أوباما» أو حتى «الأسطورة، بطل عالمنا».

وقال الرئيس الأميركي في خطاب طويل ألقاه في جامعة رانغون، أحد أبرز مراكز النضال من أجل الديمقراطية والتي أغلقها المجلس العسكري الذي حكم البلاد سابقا بعد مظاهرات عنيفة في 1988. إن «الولايات المتحدة معكم».

وأضاف أن «هذه الزيارة المميزة تبدأ للتو وستكون طويلة أكثر». وقال: «يجب ألا تنطفئ شعلة التقدم الهشة (...) يجب أن تتحول إلى نجم يرشد شعب الأمة».

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية فإن واشنطن تريد من وراء هذه الزيارة مكافأة نظام نايبيداو على جهوده الإصلاحية منذ حل المجلس العسكري قبل عام ونصف العام، لا سيما انتخاب المعارضة أونغ سان سو تشي في البرلمان والإفراج عن مئات السجناء السياسيين وإجراء مفاوضات مع مجموعات متمردة من الأقليات الإثنية.

وأجرى أوباما محادثات في رانغون مع الرئيس البورمي الجنرال السابق ثان سين الذي كان وراء إطلاق سلسلة إصلاحات في البلاد منذ وصوله إلى السلطة قبل سنة ونصف السنة. واجتمع الرئيسان في مبنى البرلمان المحلي في رانغون، العاصمة السابقة للبلاد.

وبعد ذلك التقى أوباما المعارضة التي أصبحت نائبة أونغ سان سو تشي في منزلها. وصرحت سو تشي أن «اللحظة الأكثر صعوبة في المرحلة الانتقالية هي عندما يكون النجاح في المتناول، يجب علينا حينها أن ننتبه جدا كي لا يخدعنا سراب النجاح».

وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية على المجلس العسكري الحاكم سابقا اعتبارا من نهاية التسعينات من القرن الماضي. لكن تم رفعها بالكامل تقريبا في الأشهر الماضية بينها الحظر على واردات المنتجات البورمية الذي أعلن الجمعة.

وفي الغرب أسفرت أعمال العنف الإثنية عن سقوط 180 قتيلا بين بوذيين من اتنية الراخين ومسلمي اتنية الروهينغيا المضطهدين في عهد النظام العسكري السابق والذين ما زالوا يثيرون عدائية وعنصرية الشعب البورمي.

وأعلن باراك أوباما «لقد واجه شعب هذا البلد بما فيها اتنية الراخين، لفترة طويلة فقرا مدقعا واضطهادا». ودعا إلى إنهاء العنف الديني في غرب بورما معتبرا أنه «ليس هناك عذر» للعنف ضد المدنيين.

وأضاف أن «الروهينغيا يتمتعون بالكرامة نفسها مثلكم ومثلي. المصالحة الوطنية ستأخذ وقتا لكن حان الوقت لوقف الاستفزازات والعنف من أجل إنسانيتنا المشتركة ومستقبل هذا البلد».

واعتبر ثان سين نهاية الأسبوع أن على بلاده أن تسوي ذلك الملف وإلا فإنها «ستفقد سمعتها على الصعيد العالمي».

أما بشأن ملف المعتقلين السياسيين الشائك، فقد وعد الرئيس البورمي بوضع آلية قبل نهاية السنة لدراسة كل الحالات، بينما أعلن ناشطون من المعارضة صباح أمس الإفراج عن 44 من رفاقهم، لكي تكتمل الفرحة.

وبعد اختتام زيارته إلى بورما توجه أوباما إلى كمبوديا، وفي العاصمة بنوم بنه شدد خلال لقاء «متوتر» مع رئيس الوزراء الكمبودي هون سين على أن انتهاكات حقوق الإنسان «عقبة» تحول دون تعميق العلاقات بين الولايات المتحدة وكمبوديا. وقال بن روديس مساعد مستشار الأمن القومي الأميركي إن أوباما، هو أول رئيس أميركي في السلطة يزور كمبوديا: «بدأ بالقول: إن زيارته إلى بورما كانت الدليل» على أن «بلدانا تحرز تقدما على طريق الإصلاحات السياسية وتحسن وضع حقوق الإنسان» يمكن أن تستفيد من ذلك.

وشدد الرئيس خصوصا على ضرورة إجراء انتخابات نزيهة وحرة والإفراج عن السجناء السياسيين. وأوضح روديس «قال: إن هذا النوع من المشاكل يشكل عقبة تحول دون تعميق العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وكمبوديا».

لكن الكمبوديين سارعوا إلى رد الاتهامات الأميركية مؤكدين أنهم ضحايا «حملة للتلاعب بالحقيقة».

وقال براك سوخون الوزير المساعد الملحق بهون سين إن «حملة التلاعب هذه تحمل على الاعتقاد أن كمبوديا أصبحت تلميذا أسوأ من بورما»، وأضاف أن رئيس الوزراء شدد خلال اللقاء «على عدم وجود سجناء سياسيين في كمبوديا، لكن ثمة رجال سياسة مدانون».

وقبل وصول أوباما إلى بنوم بنه، نظم كمبوديون عددا من المظاهرات لدعوته إلى تقديم المساعدة، وقد حملوا لافتات كتبوا عليها «النجدة» وإلى جانبها صورته. وقد أرادوا لفت انتباهه إلى عمليات الطرد المتصلة بنزاعات على صعيد الملكية العقارية، وهي من أبرز المشاكل في كمبوديا.

ويزور أوباما كمبوديا لحضور قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) غير أن قادة (آسيان) اختلفوا أمس حول كيفية التعاطي مع الخلافات الحادة حول الأراضي مع الصين، في ملف هيمن على محادثات القمة.

وأراد قادة الدول العشر الأعضاء في رابطة (آسيان)، تشكيل جبهة موحدة وسط الخلاف حول بحر الصين الجنوبي عند استقبالهم رئيس الوزراء الصيني وين جياباو وأوباما في محادثاتهم السنوية، لكن هذا المسعى تعطل قبيل لقاء قادة جنوب شرقي آسيا مع وين وسط انقسامات بين كمبوديا حليفة الصين والفلبين.

وأفادت كمبوديا التي ترأس القمة هذا العام أن قادة المنطقة اتفقوا سابقا على عدم «تدويل» الخلافات وسيحصرون المفاوضات بمحادثات بين الكتلة والصين.

وهذا الاتفاق كان ليشكل نصرا للصين التي طالما شددت على أنها لن تتفاوض مباشرة إلا مع دول خصومة وعلى ضرورة ألا تسعى الفلبين إلى الحصول على دعم الولايات المتحدة.