أجراس الخوف تقض مضاجع المصريين

مصرع أطفال أسيوط يحاصر أحلامهم.. وإحباطات الواقع لا تنتهي

TT

دمعة حبيسة لمعت في عيني الأم العشرينية «هبة» وهي تودع طفلها ذا الـ6 سنوات إلى حافلة المدرسة قائلة له: «خلي بالك من نفسك». وعلى الرغم من أن ذلك المشهد الصباحي تدور أحداثه في العاصمة القاهرة، إلا أن دمعتها نبعت من صعيد البلاد، وهي تستدعي حادثة قطار أسيوط التي أودت بحياة 50 طفلا كانوا في طريقهم للمدرسة.

وعلى الرغم من اعتياد شفاه الأم على التلفظ بوصيتها اليومية؛ إلا أن هذه الوصية اختلطت بها هذه الأيام مشاعر من القلق والخوف تصل أحيانا إلى حد الهلع في حالة تأخر صغيرها لخمس دقائق عن موعد وصوله إلى المنزل.

ومع حالة الحداد التي تكتسي بها مصر بعد كارثة قطار أسيوط، ووسط حلول مرتبكة من جانب الحكومة تجاه المشكلات المزمنة، ومع انسحابات متتالية من اللجنة التأسيسية للدستور التي لا تلقى توافقا من القوى والتيارات السياسية؛ وقع الشارع المصري في حالة من الخوف على مستقبله، وضربت أجراس القلق في جنباته، بسبب ما يجري فيه من أحداث وحوادث متتالية.

وبينما يجري مكتب النائب العام تحقيقاته مع المسؤولين لكشف ملابسات حادث القطار؛ وما تشهده ساحات القضاء من نظر قضايا فساد وقتل؛ دبت مشاعر من خيبة الأمل والإحباط في نفوس الكثيرين بسبب الحوادث المتتالية لأسباب مختلفة وسقوط الموتى على إثرها، والبطء في تحقيق العدالة والقصاص من الفاسدين والمجرمين.

وطالبت قوى وأحزاب سياسية الرئيس محمد مرسي بعد حادث القطار بتحمل مسؤوليته ومحاسبة المسؤولين، والعمل على وقف نزيف الدم المصري نتيجة الإهمال ونتيجة غياب خطة عمل واضحة المعالم، يكون على رأسها الحفاظ على حياة المواطن المصري.

وشهدت الأسابيع الماضية وقوع الكثير من الحوادث في أنحاء مختلفة من البلاد، منها تصادم قطارين بمدينة الفيوم قبل أيام أدى إلى مصرع 4 وإصابة أكثر من 45 من الركاب، إلى جانب حوادث السير وانقلاب الحافلات وذلك بشكل شبه يومي. ويشير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر إلى أن عدد المتوفين في حوادث الطرق وصل إلى 7115 شخصا خلال العام الماضي.

بمشاعر متوترة، قالت ربة المنزل ليلى عبد الغفار: «كيف يمكن أن يطمئن الآباء والأمهات على أولادهم حاليا، أو كيف يمكن للشاب أن يخططوا لمستقبلهم وهم يرون الموت يحوطهم في كل مكان، للأسف لم نعد نأمن على أنفسنا، أشعر أني في بلد آخر غير مصر، التي عرفتها كتب التاريخ بأنها بلد الأمن والأمان».

بينما تلتقط ابنتها العشرينية علا صلاح الدين، أطراف الحديث قائلة: «بالفعل نحن الآن كشباب نشعر بالخوف يحاصر أحلامنا، وبداخلنا عجز يلاحقه حزن من أحوال البلاد، فمن يموت اليوم ليس له دية، والكل يخاف الآن من ضياع الحق المستمر وسط حلقات الصراع الدائرة بين المتآمرين والمنتفعين والكائدين والفاسدين». وتكمل وهي تتابع صورا متلفزة لضحايا قطار أسيوط: «الشعب هو من يدفع الثمن، هل هناك أغلى من الأرواح لكي تكون ثمنا؟ ولكن للأسف لا ثمن للشهداء والضحايا».

ويعلق استشاري الطب النفسي أحمد البحيري، على المشاعر السابقة بقوله: «هناك شعور جماعي ينتاب المصريين في الوقت الحالي يتمثل في الخوف على المستقبل، وخيبة أمل من الواقع المعاش، والأسباب هنا سياسية في المقام الأول».

وصب كثيرون جام غضبهم خلال الأيام الفائتة على سياسات النظام الحاكم والحكومة في التعامل مع الأزمات، وطالبت منظمات حقوقية - منها منظمة «العدل والتنمية لحقوق الإنسان» - عدم إتباع وسائل نظام الرئيس السابق مبارك في التعامل مع الأزمات، مؤكدة أنها نفس الوسائل التي يتبعها نظام الرئيس مرسي، لافتة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين هي الوجه الآخر لنظام مبارك.

وعلى خلفية الأزمات المتلاحقة، يلفت البحيري إلى لجوء كثيرين إلى الفضاء الإلكتروني خلال الأيام الفائتة لـ«الفضفضة» مع غيرهم عن قلقهم ومشاعر الخوف التي تؤرق مضاجعهم.

وهو بالفعل ما يمكن ملاحظته في محادثات المنتديات وتعليقات مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب الشاب رامي أحمد، تعليقا إلكترونيا يقول فيه: «مصر تنهار رويدا رويدا.. أما آن للمسؤولين عن كل هذه المهازل أن يعوا أنهم محاسبون عن كل ما تسببوا فيه من إهمال أدى لكل تلك الحوادث». بينما كتب أحد أعضاء موقع «فيس بوك» أمس تعليقا على الحوادث المتكررة قائلا: «من الآن فصاعدا ودع كل من حولك في سلامك؛ لأنك لا تدري ماذا يحدث لك بعد دقائق».

وهي الكلمات التي يعلق عليها استشاري الطب النفسي بقوله إن مشاعر الخوف والقلق من المستقبل توجد منذ اندلاع ثورة 25 يناير «ولكن وتيرتها تزداد هذه الأيام، والتي وصلت مع البعض إلى تمني الموت، فكثير من المصريين خائفون من الفقر والضياع والتفكك وقلة الموارد مع عدم وجود أمل في الغد».