الحزب الجمهوري الأميركي يلملم جراحه وأفكاره بعد خسائره الانتخابية

صدام بين معسكري المحافظين والتحديثيين.. ودعوات لتحسين التواصل مع الشباب والنساء واللاتينيين

حاكم ويسكونسن سكوت ووكر (ا.ب)
TT

بدأ الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، مساعي لتحسين صورته وتحقيق مكتسبات في المفاوضات التي يعقدها مع الرئيس باراك أوباما والحزب الديمقراطي، حول تجنب «الهاوية المالية». وقد قام الديمقراطيون في مجلس الشيوخ بتمرير مشروع قانون لتمديد تخفيضات الضرائب للطبقة الوسطى، بينما ينتهي أمدها للأغنياء في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2012. ويحقق القانون لإدارة أوباما إيرادات تصل إلى 1.6 تريليون دولار، لكنه لا يعالج عجز الميزانية، وإذا استطاع الديمقراطيون تمرير القانون في مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، في الفترة الضيقة ما بين انتهاء إجازة عيد الشكر وبدء إجازة أعياد الميلاد، فإن ذلك سيعني تحقيق هدف سياسي مهم لأوباما.

وبعد هزيمة المرشح الجمهوري ميت رومني في انتخابات الرئاسة، فإن الحزب الجمهوري سيسعى على الأرجح للتوصل إلى اتفاق حول تلك التخفيضات الضريبية، مقابل التمسك بطلباته في عدم رفع سقف الديون. وبسبب خسارة مرشحهم الرئاسي رومني أمام أوباما، أصيب الجمهوريون بخيبة أمل كبيرة.

وزادت جراح الجمهوريين، بفقدانهم السيطرة على ولايات مهمة في انتخابات الكونغرس، مثل كاليفورنيا التي تعد أكبر ولاية من حيث عدد السكان، وعدد الممثلين في الكونغرس. وتشهد هذه الولاية تحولات ديموغرافية كبيرة، حيث فاق عدد ذوي الأصول اللاتينية والسود والآسيويين أعداد البيض منذ عام 1998. وبحلول 2020 ستتفوق أعداد ذوي الأصول اللاتينية وحدها على أعداد البيض، وهم بصفة عامة يفضلون المرشحين الديمقراطيين للرئاسة منذ عقود، ويؤيدون ممثلي الحزب الديمقراطي في الكونغرس. ويقول محللون إن قنبلة التغييرات الديموغرافية انفجرت في وجه الحزب الجمهوري في انتخابات 2012، وعليهم القيام بحسابات دقيقة لهذه التغييرات في الانتخابات المقبلة عام 2016.

وتبحث اللجنة الوطنية الجمهورية كل تفاصيل الانتخابات لتحديد الأخطاء وإعادة بناء الحزب. وقد عقد الحزب الجمهوري السبت الماضي اجتماعا في لاس فيغاس، ضم عددا من حكام الولايات لمناقشة نتائج الانتخابات. وبدا المشاركون متفقين على أن فوز أوباما لا يرجع إلى موافقة الناخبين على مواقفه من رفع الضرائب على الأغنياء، أو برنامج الرعاية الصحية، وإنما لأن الجمهوريين لم ينجحوا في تنظيم رسالتهم بشكل جيد مع المجتمع، واتفقوا على أن رومني لم يكن المرشح الجيد، حيث فقد كتلا تصويتية كبيرة بسبب زلات لسانه. كما شددوا على الحاجة لتعريف السكان ذوي الأصول اللاتينية بأن الحزب مهتم بأصواتهم.

وانتقد كل من حاكم ولاية لويزيانا بوبي جندال، وحاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي، تصريحات رومني بعد هزيمته بأن فوز أوباما يرجع إلى قيامه بإعطاء هدايا لذوي الأصول اللاتينية والسود والشباب، مثل توقيع قانون الرعاية الصحية وتخفيف قواعد الترحيل للمهاجرين غير الشرعيين. ورفض حاكما لويزيانا ونيوجيرسي تقسيم الناخبين، داعين إلى القتال من أجل الفوز بـ100 في المائة من الأصوات. وقال جندال: «إذا كنا نريد من الناس أن يحبونا فعلينا أن نحبهم أولا، ولا نبدأ بإهانتهم ونقول إنه تم شراء أصواتهم».

وقال حاكم ولاية ويسكونسن الجمهوري سكوت ووكر: «لقد وصلتنا الرسالة وهي أننا يجب أن نعمل لصالح الشباب، ولصالح من يأتون إلى بلدنا من دول أخرى ويريدون أن يعيشوا الحلم الأميركي، وعلينا أن نثبت أننا جادون في الوصول إليهم ومساعدة الجميع». وحول تصويت النساء غير المتزوجات لأوباما قال الحاكم جندال الذي يعارض الإجهاض: «أنا أتبع تعاليم كنيستي وإيماني، لكن يجب على الجمهوريين احترام الناس الذين يختلفون حول الإجهاض».

وبعد انتهاء الانتخابات، دخل الحزب الجمهوري في مرحلة التقييم الذاتي والبحث عن أدوات وسياسات لجذب الفئات التي صوتت بقوة لأوباما، مثل النساء والسود واللاتينيين. وقد تناولت شخصيات رئيسية في الحزب تلك المواضيع منذ الانتخابات، وأعرب رئيس مجلس النواب جون بوينر عن ثقته في قدرة الحزبين الجمهوري والديمقراطي على القيام بإصلاحات شاملة في نظام الهجرة.

ويعكف المشرعون الجمهوريون الآن على صياغة نسختهم النهائية من «القانون الحلم»، وهو القانون الذي يسمح للمهاجرين غير الشرعيين بالحصول على الجنسية الأميركية. وقد شارك السيناتور ماركو روبيو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا (صاحب الشعبية الكبيرة في أوساط اللاتينيين) في صياغة مشروع القانون في محاولة لجذب أصوات اللاتينيين الذين صوتوا بأغلبية ساحقة لصالح الديمقراطيين والرئيس أوباما. كان الجمهوريون في السنوات الأخيرة قد اتخذوا موقفا متشددا من المهاجرين غير الشرعيين الذين يقدر عددهم بنحو 12 مليون مهاجر داخل الولايات المتحدة، ومعظمهم من أصل لاتيني. أما النساء غير المتزوجات والشباب فإنهم أكثر ميلا لليبرالية فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والإجهاض وزواج المثليين. ويرى جمهوريون أن هذا يتطلب إحداث تغيير في لهجة الحزب، وليس تغييرا في المبادئ مثل معارضة الإجهاض. وقال رون كوفمان الاستراتيجي في حملة ميت رومني الانتخابية: «نحن بحاجة لتغيير نظرة (الناس) إلينا بأننا غير متسامحين مع القضايا التي تهم النساء».

ويتجاذب الحزب الجمهوري معسكران، أحدهما يتبناه دعاة التغيير والتحديث ممن يرون أن الهزيمة التي حلت بالحزب ومرشحه الرئاسي تتطلب إصلاحا سريعا وشاملا للأفكار والسياسات، وثانيهما يتبناه المحافظون الذين يحذرون من المبادئ الراسخة للحزب. ويشدد معسكر التغيير على أنه يتعين على الحزب أن يظهر أن سياساته ليست بالصورة السلبية التي يصورها الديمقراطيون، مشيرين إلى أن المعسكر الديمقراطي استطاع إلحاق ضرر حقيقي بالحزب الجمهوري عبر إظهاره للناخبين أنه يعادي حقوق المرأة ويدافع عن الأغنياء بدلا من الطبقة الوسطى. ويقول مات باريتو أستاذ العلوم السياسية في جامعة واشنطن: «إن الجمهوريين بحاجة إلى وضع رسالة تتوافق بشكل أفضل مع التغييرات الديموغرافية التي تجري في أميركا، ووضع ذلك نصب أعينهم في التحضير لانتخابات 2016».

ويرى البعض ضرورة التغيير في الطريقة التي يوصل بها الحزب رسالته، حيث ركز الحزب الجمهوري على مدى فترة طويلة من الزمن بالاتصال من أعلى إلى أسفل، وركز على كبار السن والمحافظين والإنجيليين البيض، بينما ركز الديمقراطيون وأوباما على الحديث مباشرة إلى الناخبين، وخصوصا الأصغر سنا والليبراليين والأقليات، والتوجه لهم بالإعلانات التلفزيونية والبريد المباشر في عصر تحركه وسائل التواصل الاجتماعي. وقال كيفين ماكلولين الخبير الجمهوري باللجنة الوطنية لمجلس الشيوخ: «نحن بحاجة إلى مرشحين قادرين على التعبير عن المواقف السياسية دون تنفير الكتل التصويتية الضخمة، وفي هذا المجال علينا إما أن نتعلم ونتطور أو أن نموت».

ويدعو معسكر التحديث والتغيير إلى استخدام أفضل للتكنولوجيا لتحديد المؤيدين المحتملين، وفي الوقت نفسه تكثيف عمليات التواصل المباشر لدفع الناخبين إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخابات. ومن الشخصيات المنادية بالتغيير الشامل، بيل كريستول الذي طالب الحزب الجمهوري بأن يكون مفتوحا لفكرة زيادة الضرائب. وقال لقناة «فوكس نيوز»: «لن تموت البلاد إذا وافق الجمهوريون على رفع الضرائب قليلا على المليونيرات». ويقول مات ماكورويك الخبير الاستراتيجي بالحزب الجمهوري: «علينا أن نقول إننا حزب الطبقة الوسطى، ولا أعرف لماذا تنازلنا عن تلك الأرضية لصالح الديمقراطيين. نحن لا نعتقد أن سياستنا تساعد فقط الأغنياء، نعتقد أن سياستنا تساعد الناس لكي تصبح غنية». ويشدد ماكورويك على ضرورة تواصل الحزب الجمهوري مع الناخبين من الأصول اللاتينية وغير البيض، وإعادة صياغة أفكار الحزب بشكل أعمق، مشيرا إلى استعداد أغلبية كبيرة من الجمهوريين في واشنطن على القيام بتحول كبير في سياسات الهجرة، وقال: «خسارة الانتخابات الرئاسية مرتين تجبرنا على النظر في عواقب السياسة التي يسير بها الحزب».