مصر تعلن عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني

البيت الأبيض يرحب بالاتفاق.. وكلينتون: من حق شعوب المنطقة العيش في أمن وسلام > نتنياهو: إسرائيل والولايات المتحدة ستحاربان تهريب الأسلحة من إيران

وزير الخارجية المصري ونظيرته الأميركية بعد المؤتمر الصحافي الذي أعلنا خلاله عن اتفاق الهدنة في القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

في أعقاب اجتماع مطول للقادة الإسرائيليين استمر حتى ساعات الفجر الأولى، مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وعلى الرغم من العملية التفجيرية في تل أبيب، قرر المنتدى الوزاري الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، مساء أمس، وقف الحرب على قطاع غزة حتى ولو من طرف واحد، بلا اتفاق مع حركة حماس. لكن الإسرائيليين أعلنوا في وقت لاحق أن حماس وافقت على التهدئة. وحولوا الأنظار إلى القاهرة، حيث أعلنت مصر أمس التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة يبدأ في الساعة التاسعة من الليلة الماضية. وقال وزير الخارجية محمد كامل عمرو، في مؤتمر صحافي مشترك بالقاهرة مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، مساء أمس «تحددت ساعة وقف إطلاق النار بالساعة التاسعة مساء اليوم (الأربعاء) بتوقيت القاهرة».

ومن جانبها، أعربت كلينتون عن شكرها للرئيس المصري محمد مرسي لـ«جهوده الحثيثة لتهدئة الأوضاع في غزة وإنهاء العنف»، مشيرة إلى أن هذه فترة حاسمة لمصر التي تبذل جهودا حثيثة لدعم السلام في المنطقة، وواشنطن ترحب بالتوصل إلى وقف إطلاق النار ووقف العنف. وأضافت أن «شعوب هذه المنطقة من حقها العيش في أمن وسلام، وما تحقق اليوم خطوة على هذا الطريق، ويجب علينا التوصل إلى حل يضمن كرامة وسلامة وأمن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي».

وأشارت إلى أنها ناقشت مع مرسي التوصل إلى كيفية إيقاف هذا العنف والتوصل إلى السلام، مشيرة إلى أنه في الأيام القليلة القادمة سيتم العمل على تحسين الظروف المعيشية في غزة وتحسين ظروف الأمن بالنسبة لإسرائيل. وقالت إنه «في نهاية الأمر نسعى إلى التوصل لسلام شامل لشعوب المنطقة، ولا يوجد أي بديل عن التوصل إلى سلام عادل في المنطقة، وهذا ما ناقشناه مع مرسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو».

واستبق الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار تصريح مصدر مسؤول بالمخابرات العامة المصرية بأنه سيتم الإعلان عن التفاصيل بعد قليل من مقر رئاسة الجمهورية، وهو ما أعلنه بعد ذلك الوزير كامل عمرو في المؤتمر الصحافي مع كلينتون، حيث قال إن مصر تؤكد على التزامها التاريخي بالقضية الفلسطينية وضرورة إيجاد حل عادل وشامل لها.

وأشار عمرو إلى أن مصر ستواصل جهودها لتحقيق هذا الهدف الأسمى من خلال تحركها لرأب الصدع الفلسطيني والتوصل لإنهاء حالة الانقسام الراهنة وتحقيق المصالحة بين أبناء الشعب الفلسطيني حفاظا على ثوابته ومقدراته، لافتا إلى أن مصر تثمن جهود جامعة الدول العربية والتحركات التي قامت بها وجهود كل من تركيا وقطر والسكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون.

وأضاف وزير الخارجية أن مصر تدعو الجميع لمتابعة تنفيذ ما تم التوصل إليه برعاية مصرية، ولضمان التزام جميع الأطراف بما تم التوافق عليه، بينما أكد المتحدث باسم الرئاسة الدكتور ياسر علي أن مصر تثمن الوصول إلى اتفاق بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي، وقال في أعقاب المؤتمر الصحافي الذي جمع بين عمرو وكلينتون، إن مصر ستعمل مع كل الأطراف من أجل مراقبة وقف إطلاق النار ومحاولة الوصول إلى اتفاق سلام شامل وعادل في المنطقة.

وجاء الإعلان عن وقف إطلاق النار بعد لقاءين أجراهما الرئيس مرسي بعد ظهر أمس بمقر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة مع كل كلينتون، ثم، في وقت لاحق، مع بان كي مون، بحضور مستشاري سكرتير عام الأمم المتحدة جيفري ميت هيتمان وروبرت ايتش وآصف خان.

ونقلت وكالة أنباء «الشرق الأوسط» المصرية الرسمية عن بان كي مون، عقب مباحثاته مع الرئيس مرسي، قوله إنه يدعم جهود الرئيس المصري من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار بين غزة وإسرائيل، وإنه ناقش مع مرسي أيضا الانفجار الذي وقع أمس في تل أبيب، والحاجة إلى سرعة التوصل إلى وقف إطلاق النار، معربا عن إدانته بأشد العبارات لهذا الحادث، مشيرا إلى أنه ليس هناك ما يبرر قتل واستهداف المدنيين.

وأعرب سكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه إزاء استمرار دائرة العنف، وأكد أهمية تواصل الجهود من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. وأكد كي مون أن الوسائل العسكرية لن تؤدي إلا لمزيد من المعاناة، وقال «لهذا فإننا في حاجة للتوصل إلى وقف إطلاق النار حالا»، مشيرا إلى أن «مصر لها قيادة طويلة في المنطقة، والرئيس مرسي له كل الشرعية منذ انتخابه وله القدرة على التواصل مع كل الأطراف المعنية». وأضاف أنه استمع من كل الأطراف خلال اليومين الماضيين، والتي تثق في قدرة مصر على تحقيق الاستقرار في المنطقة، و«للرئيس مرسي منا كل الدعم في ما يبذله من جهود في هذا الصدد». وشدد بان كي مون على ضرورة العمل على ضمان أمن وحياة المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين في غزة، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة ستحشد كل إمكاناتها لمساعدة هؤلاء المحتاجين في غزة. ودعا أيضا إلى ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية من خلال حل إقامة دولتين عبر المفاوضات وتجاوز الأزمة الحالية، وقال «نعتمد على مصر لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف». وقال بان كي مون إنه سيترك في القاهرة المنسق الخاص لسكرتير عام الأمم المتحدة، روبرت سيري، ليظل على اتصال وثيق مع السلطات المصرية ولدعم جهودها، مؤكدا أنه سيبلغ نتائج جولته في المنطقة إلى مجلس الأمن الدولي من خلال الـ«تلي كونفرنس».

وكان بان كي مون قد عاد إلى القاهرة أمس بعد أن غادرها لزيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية، حيث بحث مع المسؤولين هناك سبل تجنب تصاعد العنف في قطاع غزة والتوصل إلى وقف إطلاق النار، وفتح الطريق أمام المفاوضات للتوصل إلى حل إقامة دولتين.

وكانت كلينتون وصلت أمس إلى القاهرة قادمة من رام الله حيث التقت بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتقت قبلها بعدد من القادة الإسرائيليين.

ومن ناحية أخرى، التقى اللواء جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، خلال زيارة سريعة للقاهرة استغرقت عدة ساعات، عصام الحداد مساعد الرئيس مرسي لشؤون العلاقات الخارجية والتعاون الدولي وعددا من المسؤولين في مصر. ونقل اللواء الرجوب خلال اللقاءات مع المسؤولين المصريين صورة المخاطر المحدقة بتوجهات القيادة الفلسطينية للأمم المتحدة ومحاولات إسرائيل إحباطها بالعدوان الذي تشنه على قطاع غزة.

وقالت مصادر فلسطينية مطلعة إن اللواء الرجوب التقى على هامش زيارته للقاهرة برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، رمضان شلح.

وعلم من مصادر مطلعة أن مصر تحاول حاليا الترتيب لعقد لقاء لقادة الفصائل الفلسطينية بحضور الرئيس محمود عباس خلال اليومين القادمين من أجل مناقشة تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة وقضية التوجه للأمم المتحدة والمصالحة.

وقال مصدر إسرائيلي رفيع مفسرا هذه الخطوة، إن «إسرائيل حققت ما تريد من هذه عملية عمود السحاب (هكذا يسمون العملية الحربية الأخيرة)، وسط دعم دولي كبير. فقد اختفى من الساحة كبير الإرهابيين (يقصد أحمد الجعبري، القائد الفعلي لكتائب عز الدين القسام، الذي اغتالته إسرائيل في بداية الحرب)، ودمر مخزون كبير من الأسلحة الثقيلة والصواريخ بعيدة المدى. والآن، واحتراما لجهود الولايات المتحدة ومصر والأمم المتحدة وأوروبا، نبادر إلى وقف إطلاق النار، حتى لو كان ذلك من طرف واحد. فإذا احترمت حماس هذا الموقف الإسرائيلي وأوقفت النيران وتمكنت من السيطرة على بقية التنظيمات الفلسطينية بأن توقف هي الأخرى النيران، فإننا سنواصل مع مصر والولايات المتحدة الجهود للترتيبات الأمنية والسياسية اللاحقة. وإذا لم تفعل، فسوف تتحمل نتائج موقفها أو عجزها، وسيكون واضحا للعالم من هو الطرف الذي يبادر للحرب».

وأضاف هذا المسؤول، وفقا لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أنه «كان من المفترض أن تعلن مصر عن تفاهمات حول التهدئة، حققتها في الاتصالات مع جميع الأطراف. لكن حركة حماس تعرقل هذه التهدئة وتطرح مطالب غير مقبولة علينا. فقررنا أن نقبل من جانبنا هذه التفاهمات ونواصل الحوار مع مصر والولايات المتحدة على مزيد منها».

وقالت مصادر سياسية إن هذا الموقف تبلور خلال اجتماع طويل جدا عقدته وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، مع كل من نتنياهو ونائبيه، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، والدفاع إيهود باراك. وبدأ في العاشرة ليلا واستمر حتى الساعة الثالثة من فجر أمس. وكان يفترض إقراره في اجتماع لمنتدى الوزراء ظهر أمس، لكن عملية التفجير في تل أبيب عرقلت البرنامج، فتم تأجيل الاجتماع. وراحت كلينتون، التي كانت في طريقها إلى القاهرة، تطلب بإصرار أن تمضي إسرائيل في تنفيذ ما اتفق عليه في الفجر. وقد تجاوبت إسرائيل مع الطلب. ثم قالت إن معلوماتها تفيد بأن حماس وافقت عليه أيضا، وأن هذا التغيير أدى إلى نجاح الجهود المصرية.

لكن سلطات الأمن الإسرائيلية حرصت على تنبيه المواطنين ألا يتصرفوا باطمئنان حتى لو توقف إطلاق النار والبقاء متيقظين لخطر مفاجآت. ومن جهته، أعلن البيت الأبيض ترحيب الولايات المتحدة بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في مصر بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لوقف إطلاق النار. وقال بيان صادر عن البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي باراك أوباما تحدث تليفونيا مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وكرر له التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل. وقال أوباما إنه لا توجد دولة يمكن أن تتسامح مع هجمات صاروخية ضد سكانها المدنيين.

وأعرب أوباما عن تقديره للجهود التي قام بها نتنياهو مع الحكومة المصرية للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وحل المشكلة. وأشار أوباما إلى ترحيبه بموافقة نتنياهو على المقترحات المصرية لوقف إطلاق النار. وأشار إلى أن أوباما نصح نتنياهو بالموافقة على تلك المقترحات مع التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وقال أوباما إن الولايات المتحدة ستنتهز هذه الفرصة التي وفرها اتفاق وقف إطلاق النار لتكثيف الجهود لمساعدة إسرائيل على مناقشة احتياجاتها الأمنية خاصة ما يتعلق بتهريب الأسلحة والمتفجرات إلى غزة.

كما أبدى أوباما التزامه بتوفير التمويل لأنظمة القبة الحديدية والتعاون الأميركي الإسرائيلي في برامج الدفاع ضد الصواريخ. واتصل أوباما بالرئيس المصري محمد مرسي وشكره على المساعي المصرية التي أسهمت في التوصل لهذه الاتفاقية.

إلى ذلك، اتفقت إسرائيل والولايات المتحدة على العمل معا لمحاربة تهريب الأسلحة من إيران إلى المجموعات المسلحة في قطاع غزة، بحسب ما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس، الذي قال في خطاب متلفز بينما دخل اتفاق التهدئة في غزة حيز التنفيذ: «لا تستطيع إسرائيل أن تجلس مكتوفة الأيدي بينما يقوم أعداؤها بتقوية أنفسهم بأسلحة الإرهاب، ولهذا اتفقت مع الرئيس أوباما على أننا سنعمل معا ضد تهريب الأسلحة إلى المنظمات الإرهابية التي يأتي معظمها من إيران».