مشافي ريف دمشق الساخن متوقفة عن العمل

إعلام النظام يعتبر الإسعاف الميداني ونقل الأدوية أخطر من حمل السلاح

TT

قال ناشطون في دمشق إن أكثر من 34 مشفى متوقفة عن العمل في محافظة ريف دمشق، فيما نصحوا سكان العاصمة وريفها باقتناء حقيبة إسعافية تحسبا لحالات الطوارئ، كما نصحوا بتخزين الأدوية الأساسية من مسكنات ومضاد التهاب وأدوية السكري والقلب بكمية تكفي لفترات طويلة، وذلك في وقت تتصاعد فيه الاشتباكات في الأحياء الجنوبية في العاصمة وغالبية بلدات ومدن ريف دمشق، ما رفع التوقعات بقرب امتداداتها باتجاه قلب العاصمة.

ومنذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد شكل الواقع الصحي تحديا كبيرا أمام الثوار، حيث استخدم النظام المشافي الحكومية مصيدة لاعتقال الجرحى أو حولها إلى مراكز اعتقال، وفي بعض الأماكن تحولت إلى مقرات لقوات الجيش. أما المشافي الخاصة فكانت أحد أهم الأهداف لقوات النظام، ووضعتها تحت رقابة صارمة تمنع استقبالها لجرحى الاشتباكات.

وتعرضت عشرات المشافي الخاصة للقصف والتدمير من قبل قوات النظام لقيامها بإسعاف جرحى من الثوار أو الجيش الحر، أغلبها كان في مدينة حمص كمشفى باب السباع، وجمعية البر والأمل في يبرود، ومشفى النور في دير الزور، ومشفى الفاتح في كفربطنا، وغيرها. وبحسب قائمة نشرها ناشطون فإن أغلب المشافي الخاصة في المناطق الساخنة في ريف دمشق قد تعطلت وخرجت من الخدمة، ومنذ أيام قليلة اقتحمت قوات النظام مشفى السلام التخصصي الذي يعد من أكبر وأحدث المشافي، وتمركزت في محيطه أثناء خوضها اشتباكات مع مقاتلي الجيش الحر لدى محاولة قوات النظام اقتحام داريا من جهة البساتين.

واستعاض السوريون عن المشافي العامة بمشاف ميدانية بدائية سرية تقام في المنازل وسط ظروف صعبة للغاية، حيث يمنع النظام إقامة تلك المشافي، كما يمنع وصول الأدوية إليها، حيث كان الأطباء والمسعفون والعاملون في تهريب الأدوية في مقدمة المستهدفين بنيران قوات النظام.. حتى مسعفو منظمة الهلال الأحمر العربي السوري الذي يعمل بإشراف الحكومة وبالتعاون مع منظمة الصليب الأحمر الدولي لم يسلم المتطوعون فيه من الاعتقال والقتل؛ لشبهة المساعدة في إسعاف المسلحين أو إيصال مساعدات طبية إلى المشافي الميدانية.

ونشرت إحدى الصفحات الموالية للنظام على موقع «فيس بوك» تحذيرا للسلطات من بعض العاملين في منظمة الهلال الأحمر، واتهمتهم «بعدم التزام الحياد في تقديم خدماتهم، وقيامهم بإسعاف الجرحى من المسلحين دون تسليمهم لمشافي الحكومة أو للجهات الأمنية». كما تم اتهامهم بإرسال «سيارات إسعاف إلى مناطق الاشتباكات رغم اختطاف بعضها من قبل مقاتلي الجيش الحر»، أما أغرب اتهام ورد في تلك الصفحة فهو «نصب مسؤولين في منظمة الهلال الأحمر لكاميرات مراقبة على باب مقرها في حي الزاهرة ترصد الشارع، ما دفع للشك بأنهم يهدفون من وراء ذلك لتصوير الأحداث الجارية هناك».

تلك الاتهامات أثارت استياء الناشطين، لا سيما أن واحدا من المسعفين تم اعتقاله قبل نحو أسبوعين. ويقول الناشط أحمد الدمشقي لـ«الشرق الأوسط» إن «قوات الأمن قامت باعتقال المتطوع محمد رائد الطويل يوم الخميس 8-11-2012 ظهرا من مقر فرع دمشق للهلال الأحمر السوري، دون أن تبين سبب الاعتقال». ورائد الطويل، البالغ من العمر 36 عاما، متزوج ولديه طفل واحد، وهو متطوع في منظمة الهلال الأحمر السوري منذ أكثر من 18 عاما. ويضيف الدمشقي أن «الأهالي في المناطق الساخنة يشكون من عدم قدرة منظمة الهلال الأحمر على مساعدتهم بسبب وضعها تحت رقابة أمنية مشددة تحول دون أداء المسعفين دورهم الإنساني».

ويشار إلى أن وزارة الصحة السورية أعلنت بداية الشهر الجاري عن «وجود نحو 103 مشاف عامة، و368 مشفى خاصا، و70 مركزا صحيا بكل المناطق والمحافظات السورية تستقبل مختلف الحالات»، كما سبق وأعلنت أن سوريا «لديها مخزون كاف وواف من الدواء المحلي، والمشكلة تكمن فقط في الأدوية النوعية والسرطانية بشكل خاص»، وأن «النقص في هذه الأدوية النوعية ستتم معالجته من خلال إنتاجها بمعمل محلي، إضافة إلى الأدوية التي تصل من الدول الصديقة كروسيا وإيران»، مشيرة إلى أن «المشكلة تكمن في توزيع هذه الأدوية، ونقلها بين المحافظات».

إلا أن الناشط أحمد الدمشقي أكد أن غالبية تلك المشافي محرمة على الناشطين والثوار من الجرحى، لأن قوات الأمن تقوم باعتقالهم من المشافي العامة.. والمشافي الخاصة التي لا تتعاون مع قوات الأمن تتحول إلى هدف للقصف والتدمير. ويشير إلى أن مشفى الفاتح في كفربطنا في الغوطة الشرقية بريف دمشق تعرض بداية الشهر الجاري للقصف العنيف، وقتل فيه أكثر من خمسة مرضى.

وحول توفر الأدوية يقول الناشط: «هناك صعوبة كبيرة في توفيرها ونقلها إلى المشافي الميدانية التي ما تزال في دمشق وريفها تعتمد على المصادر المحلية من أطباء متعاطفين مع الثورة، ويعملون بشكل سري. وهناك دائما نقص حاد بالأدوية والكوادر الطبية»، لافتا إلى أن في «بعض المشافي يقوم ممرضون بعمليات جراحية معقدة»، مشيرا إلى أن المناطق القريبة من الحدود، مثل حلب وإدلب، الوضع فيها أفضل مع «إدخال عربات متنقلة مجهزة كمشاف ميدانية إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، في حين ما زال الجرحى في حمص ودرعا يسعفون إلى دول الجوار عبر طرق التهريب الخطرة».. إلا أنها تبقى أفضل حالا من العاصمة وريفها، حيث يمكن في تلك المناطق توفير الأدوية من دول الجوار عبر التهريب، لكن «هذا صعب - إن لم يكن مستحيلا - في دمشق».

وبحسب الناشط فإن قوات النظام تعتبر الطبيب والمسعف ومهرب المساعدات الطبية «إرهابيا أكثر من المسلحين»، لافتا إلى أنه في إحدى المداهمات في حرستا بريف دمشق الأسبوع الماضي قتلت قوات جيش النظام «شخصا عمره ستون عاما لأنهم عثروا في منزله على صيدلية منزلية فيها كمية من المسكنات وأدوية التخدير».. كما تصف وسائل إعلام النظام المشافي الميدانية التي يعثرون عليها خلال الاقتحامات بأنها «أوكار إرهابيين»، وتقوم بتصوير «أكوام الأدوية والأجهزة الطبية إلى جانب السلاح الذي تقول إنها عثرت عليه في منطقة الاقتحام».