السفير كروكر: إيران كانت ستسعى للسلاح النووي حتى لو لم يسقط الشاه

صاحب مذكرة «العاصفة المثالية» في حوار تنشره «الشرق الأوسط»: أنا قلق من أن واشنطن لم تتعلم من الأحداث.. فهي ما زالت تتعامل معها بشكل آني

TT

أنهى السفير الأميركي رايان كروكر مسيرته العملية في يوليو (تموز) الماضي، كمبعوث لدى أفغانستان، مختتما أربعة عقود من الحياة المهنية الدبلوماسية. عمل كروكر سفيرا للولايات المتحدة لدى لبنان والكويت وباكستان وسوريا، وأخيرا لدى العراق وأفغانستان. وقد منح الرئيس الأميركي باراك أوباما كروكر أعلى وسام مدني (ميدالية الحرية) في عام 2009، وبعد عامين استدعاه من التقاعد كعميد لكلية بوش للحكم والخدمة العامة في جامعة تكساس ليرسله إلى كابلز. وكانت أبرز مهام كروكر في مناطق الحرب في العراق وأفغانستان. وهو قد شارك في مذكرة أرسلت عام 2002 إلى وزير الخارجية في ذلك الوقت كولن باول بعنوان العاصفة المثالية، يحذر فيها من أن غزو العراق يمكن أن يشعل سلسلة أزمات داخلية وإقليمية في الشرق الأوسط، وذلك في تقييم مضاد للمناخ العام الذي كان يروج للحرب. ولدى كروكر فهم عميق لمناطق النزاع من خال خبرته كملحق دبلوماسي في بيروت عام 1983، حيث نجا من تفجير السفارة الأميركية هناك والذي قتل فيه 63 شخصا ودمر محطة الاستخبارات الأميركية. وفي العراق وأفغانستان كانت مهمته الإسهام في سياسة خروج مشرف للقوات الأميركية مع المحافظة على الاستقرار في البلدين. وفي 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شارك في اجتماعات اسطنبول بشأن سوريا.

أجرى سكوت ماكلويد، مدير تحرير كايرو ريفيو، مقابلة مع كروكر في نيو هافن بولاية كونيتيكت، حيث يعمل كروكر في معهد جاكسون للشؤون الدولية في جامعة ييل.. وفي ما يلي مقتطفات من الأسئلة والأجوبة.

* هل تحول العراق وأفغانستان إلى حروب عاقلة.. وهل العالم أكثر استقرارا الآن؟

- لا نعلم على سبيل اليقين، فحرب أفغانستان ومعناها سوف يعتمد على قدرتها في تعزيز الاستقرار كدولة ومجتمع يحمي الحقوق التي حصل عليها مواطنوه وضمان عدم عودة طالبان و«القاعدة» أو الفصائل التابعة لها. وهذا لا يمكننا توقعه. على الجانب الآخر، أعتقد أن العراق يسير على الطريق الصحيح، ولا أتوقع أن ينزلق مرة أخرى إلى حرب أهلية، أو أن يشهد اضطرابات داخلية. فتاريخ العراق في العنف الطائفي ليس كبيرا، وكما تعلم فإنهم لا رغبة لديهم في الرجوع إلى ذلك مرة أخرى.

ما فعلناه في العراق وأفغانستان، كما تعلم، كان عقد اتفاقات استراتيجية ملزمة وضرورية لشراكة طويل الأمد لدعم التنمية والنمو السياسي والمؤسسي. لكن هل سنتمكن من جعل هذه المؤسسات تواصل أداء عملها؟ أعتقد أن البنية موجودة، وإطار العمل موجود أيضا في أفغانستان والعراق، وأننا سنشهد بعض النتائج الإيجابية. لكن ذلك يتطلب رغبة سياسية، وسوف يتطلب صبرا دبلوماسيا. لكن الصبر وأميركا كلمتان لا تسيران معا بسهولة في الجملة نفسها.

* هل غيّر هذا العقد من الحرب في العراق وأفغانستان الطريقة التي ينظر بها صناع السياسة الأميركية إلى الدور الأميركي في العالم وهذه المنطقة.. ذكرت أن هناك بعض الدروس التي يمكن تعلمها؟

- أنا قلق من أننا لم نتعلمها بالشكل الملائم هذه المرة. فواشنطن تتعامل مع الأحداث بشكل آني، وهو ما تنتهجه في الوقت الراهن. وكما تعرفون أكثر من غيركم فإن الأخبار تحمل جديدا في كل لحظة. لقد كانت مشاهدة اغتيال السفير كريس ستيفنز (في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، في بنغازي 2012) مخيبا للآمال، لكنه كان يحمل الكثير من الدروس. وإذا كان هناك من درس يجب تعلمه فينبغي أن يكون في قدرتنا على التعامل مع الحدث واستباقه.

ربما لا يكون ذلك بالأمر السيئ، لكن هناك الكثير من التساؤلات في المنطقة. فقد ألقى أوباما خطابا في القاهرة، وماذا بعد؟ لم يكن هناك في حينها «وماذا بعد؟». ما الذي سنفعله؟ تغلبت الثورات على الخطاب، والمنطقة تعتقد أننا لا نعلم ما سنفعله، لكن من المهم للغاية أن نتبين ذلك، لأنهم يرون فينا لاعبا رئيسيا لا غنى عنه في المنطقة في السراء والضراء.

* تساؤل تاريخي كبير: كيف تفسر الاضطراب الكبير، والحروب الكثيرة، من واقع خبرة السنوات العديدة التي قضيتها في هذه المنطقة التي تمتد من المغرب إلى أفغانستان؟

- إنها متسعة بسعة إمبراطورية، كانت هناك بالأساس إمبراطورية عثمانية في الشرق الأوسط. ولم يتغلب الشرق أوسطيون على فشل إمبراطوريتهم في الوقوف ضد الغرب. كان محور الصراع بين العثمانيين والغرب الفشل عام 1683 في احتلال فيينا. هذا الصراع، وتلك المنافسة، لم يتوقفا عند أبناء الشرق الأوسط. إنها لعبة كبيرة تلعب مرارا وتكرارا، بقواعد جديدة، وخطط جديدة، ولاعبين جدد. وأنا أقول لطلابي إنكم بحاجة إلى دراسة الجغرافيا الواسعة السياسية للمنطقة من المغرب إلى باكستان، بتعدد لغاتها وثقافاتها، فجميعهم لديهم قاسم مشترك، وهو أنهم جميعا تعرضوا للاحتلال من قبل قوة غربية أو أكثر منذ عام 1798 عندما نزل نابليون للمرة الأولى إلى مصر. ولذا فإن شعور الشرق الأوسط هو «نعم، نحن مجتمعات في صراع لأنكم تواصلون جلب الصراعات إلى مجتمعاتنا. لن تتركونا بمفردنا، لا تكترثوا لذلك كثيرا فنحن لا نريدكم أن تتركونا وحدنا. هذا شأن آخر». لكني أؤكد مرة أخرى على التاريخ، ثم التاريخ.. فهذه العلاقة المعقدة على نحو مدهش بين الغرب والشرق الأوسط لا يمكن أن تتكرر في أي مكان آخر في العالم سواء في طولها أو عنفها أو تعقيداتها. أنت تعلم أن البعض قد يتعجب من أن حل قضية فلسطين محير، عندما أصبحت الأرض الموعودة للإسرائيليين، وتأكد ذلك ثلاث مرات لا مرتين. عندما أقرته بريطانيا وفرنسا، ووعد بلفور، واتفاقية سايكس بيكو، ومراسلات الحسين مكماهون، والتي جرت كلها خلال عامين، وقد حاول الجميع تقديم تعهدات مختلفة للعرب. لذلك فإن القول «حسنا، تخطئ ذلك إنه قرن جديد»، أقول له: حسنا قرن جديد، لكنه صراع قديم. ولا أعتقد أنه قد يكون هناك في المنطقة من يعتقد أنه سيكون هناك اختلاف كبير هذه المرة حيث يسير الربيع العربي وفق الدول الغربية الساعية إلى تحقيق المصالح الغربية.

* هل هذا صراع حضارات؟

- يمكنك أن تصفه بذلك، الحجة التي أقولها هي أنه في عيون الشرق أوسطيين من جانب واحد.

* هل هذا منصف؟

- حسنا، أعتقد أن كل الخطط يبدو أنها تحاك في فنائهم، باستثناء «القاعدة»، كان الغرب فيها دائما الفريق الضيف (على أرض غيره). ومرة أخرى، فإن الأمر يعود إلى السؤال السابق، نحن قررنا الارتباط والتدخل في هذه البلاد دون جهود جادة لفهم قواعد الأرض.

* لماذا تدخلت الولايات المتحدة بهذا الشكل في الشرق الأوسط.. ما هي المصالح الأميركية وهل هي في سبيلها إلى التغير؟

- لقد تغيرت بالفعل. فقد تدخلنا بالفعل في الشرق كما تعلم لوقف التوسع السوفياتي.. وبناء على طلب بريطانيا التي لم يعد بمقدورها القيام بذلك. الآن ذهب الاتحاد السوفياتي لكننا تعلمنا في الحال مع اضمحلاله أننا سنظل نواجه تحديات في الشرق الأوسط. إن الغزو العراقي للكويت ما كان ليحدث على الإطلاق لو كان الاتحاد السوفياتي لا يزال في نفس موقعه ليمارس نفوذه. ولذا فإن عالم القطب الواحد في الشرق الأوسط بعد الاتحاد السوفياتي يشكل تحديا أكبر. ولذا فإن ذلك يعيدنا إلى السؤال الأساسي: ما هي مصالحنا؟ الحقيقة أنها تركز على الاستقرار: استقرار المنطقة التي لا تصدر الاضطرابات والعنف والإرهاب ويمكن الاعتماد عليها كمصدر للنفط.

* كيف أثر قتل أسامة بن لادن على «القاعدة».. ما مدى حجم التهديد الذي تمثله الآن؟

- مر أتباع «القاعدة» ببعض الأوقات الصعبة، لكنهم لم يستسلموا، ولم يفقدوا رؤيتهم. ونحن ننظر الآن في مجموعة من الأوضاع التي تشكل توليفة من الربيع العربي ذاته وتساؤلات بشأن قوتنا القائمة التي يمكن أن تمتزج لجعل «القاعدة» هدفا واضحا لنا وللغرب لأسباب لا ترتبط كثيرا بأسامة بن لادن.

وقد حققت السعودية نجاحا واضحا ضد منسوبي «القاعدة» بواسطة التنسيق الأمني، واعتقلت وقتلت عددا كبيرا منهم. لكنها تمكنت من دحرهم إلى اليمن، الذي يمتلك قدرات أضعف للسيطرة عليهم. وأعتقد أن «القاعدة في شمال أفريقيا» و«القاعدة» الأم تمتلكان بالفعل بعض الفرص. وفي أفغانستان وباكستان، المنطقة الحدودية، كانت المكاسب كبيرة من منظورنا ولا تزال هذه المكاسب تتواصل لأن هذه المنطقة هي التي نتعاون فيها مع باكستان. لكني سأكون جريئا في القول بأن هذه لم تعد الجبهة الرئيسية.

* أعتقد أنكم تتحلون بتفاؤل حذر، لكننا نرى توجهات ديكتاتورية في حكومة نوري المالكي، وتعزيز النفوذ الإيراني والهيمنة الشيعية، ما مدى جدية ذلك بالنسبة للولايات المتحدة؟

- في ما يتعلق بإيران، ما من شك في أن الإيرانيين يتمتعون بنفوذ هناك وسوف يبذلون قصارى جهدهم لزيادة حجم هذا النفوذ. ولعل العلاج الأمثل لذلك هو ألا نصدر بيانات صحافية تشجب ذلك. فنحن بذلك نضرب شيئا بشيء آخر. يمكننا أن نظهر بشكل أفضل في العراق عن الإيرانيين. نحن لسنا فرسا ولم نكن طرفا في الحرب العراقية - الإيرانية التي امتدت لثماني سنوات. أنت تعلم هذا، لكن آخرين لا يعلمونه: هناك اعتقاد بأنهم كشيعة معا، سوف تتفق وجهات نظرهم معا. هذا يتجاهل اختلافات تاريخية أساسية بين العرب والفرس على مدار التاريخ. وهي تتجاهل بالفعل التأثير البالغ للحرب العراقية الإيرانية.

* كيف تقرأ النوايا النووية الإيرانية.. الهوس لامتلاك السلاح النووي، والموافقة على المفاوضات؟

- إنهم إيرانيون، وسيواصلون الاحتفاظ بالكثير من الخيارات مفتوحة قدر الإمكان. وخلال هذه العملية، سيواصلون القيام بالخطوات الضرورية لإنتاج سلاح نووي جاهز للاستخدام. أعتقد أنه كي تثنيهم عن ذلك يجب أن يتم إقناعهم بأن التكلفة ستكون كبيرة للغاية. لست على يقين من أن هذا هو ما يعتقدونه. أنا لست على يقين من أنهم يعتقدون أنهم سيدفعون ثمنا غاليا، فقد كانت لديهم ثلاثة عقود للتفكير (الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي عام 1981) على مفاعل «أوزيراك» المجاور. نحن نعلم بالفعل أنهم أنشأوا منشآت محصنة وكثيرة. وهم يعرفون أيضا أننا والإسرائيليون لن نغزوهم. أنت تتحدث بشأن اعتداء جوي أو اعتداء جوي متحرك. والهدف الكامل لبرنامجهم هو استمرار العمل. ثم حصلوا على تعاطف العالم. إنهم يمتلكون برنامجا نوويا وسوف نبذل قصارى جهدنا لتعطيله كليا. وهم في مكان جيد. ولذا إن لم نقنعهم بخلاف ذلك فلست على يقين من أنهم سيوقفون هذا البرنامج.

* هل تعتقد أنهم يسعون للحصول على سلاح نووي؟

- نعم، إيران كانت ستواصل مساعيها للحصول على سلاح نووي حتى وإن لم يسقط الشاه. فهي تتفق ورؤيتهم لأنفسهم في المنطقة كقوة عظمى. باكستان تمتلك أسلحة نووية، والهند تمتلك أسلحة نووية. ومن ثم فهم يختارون القوة. فمهما كان الحاكم في طهران سوف يسعون إلى امتلاك أسلحة نووية.

* هل هذا خطر مروع على العالم؟

- بعض الخطابات قد تجعله أكثر ترويعا. لقد خضنا ذلك من قبل. وإذا امتلك الإيرانيون السلاح النووي فلن يستخدموه للهجوم على جيرانهم أو تهديدهم. لكني لست على يقين كامل من ذلك.

* ألن يفعلوا ذلك؟

- لا أظن. إن امتلاك الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لإمكانات نووية تاريخيا لم يسر مطلقا بتلك الصورة. إنهم يملكون تلك الإمكانات بالفعل. الجميع سيعلم أنهم يملكونها. وسوف يسلط ذلك الضوء على قوتهم التقليدية. لكنني لا أعتقد أنك ستسمع همهمة عن استخدام أسلحة نووية، فما بالك باستخدامها فعليا؟ إنني لا أحاول التقليل من قدر الخطر. أعتقد أنها حقيقة ومدعومة بالتاريخ الحديث. الأمر يتعلق بزيادة ردود الأفعال. لقد لاحظت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تراجع عن موقفه مؤخرا، وهو أمر جيد. وهذا لا يعني أننا يجب أن نكون سلبيين وأن نقف مكتوفي الأيدي. إذا كان بمقدورنا تصميم فيروسات كومبيوتر، وابتكار وسائل أخرى لتعقبهم، فإن علينا القيام بذلك بتوظيف السبل المتاحة كافة.

* هل أنت قلق من احتمال شن إسرائيل هجوما على إيران؟

- من الصعب بالنسبة لي أن أقرأ الموقف. آمل أن يكون هذا سلاحا يلوحون به، دون أن تكون لديهم نوايا حقيقية لاستخدامه بشكل فعلي، لأنني لا أعتقد أنه سيجدي نفعا، كما أنني أعتقد أيضا أنهم لا يرون أنه سيجدي نفعا. ربما يشير تخفيف حدة الخطاب إلى إعادة التفكير في ذلك. حدثني مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى منذ فترة قائلا «حينما تتطلع إلى خيارات التعامل مع برنامج إيران النووي، ستجد أن هناك خيارين لا يبدوان مناسبين: الهجوم والترضية. لذلك، أبق خيار الهجوم مطروحا على الطاولة واجعلهم يظلون في حالة من العصبية والقلق. استمر في التلويح بهذا الخيار، وأشركهم في تسوية يتم التفاوض عليها، مع تصعيب إمكانية امتلاكهم الإمكانات النووية قدر استطاعتك. استخدم أقوى فيروسات الكومبيوتر المتاحة».

* في نهاية المطاف، يجب أن تندلع حرب من أجل تحقيق ذلك الثمن الغالي الذي تحدثت عنه..

- لا أظن أن الحرب نهاية حتمية، وبالطبع ليست نهاية مرغوبا فيها. ليست الطرق الفوضوية طويلة الأمد في التعامل مع التحديات الإقليمية جديدة. أحيانا ما يتمثل استثمارك الأمثل في شراء وقت.

* هل بإمكان الولايات المتحدة أن تصد هجوما من جانب إسرائيل؟

- لا أعرف الكثير عن القوة المحركة في العلاقة الآن. إذا ما كانوا يعتقدون أنهم يواجهون خطرا وطنيا يهدد وجودهم، فسوف يفعلون ما يشاءون. لا أعلم رؤيتهم المتعمقة للوضع.

* كيف ترى التأثير على المنطقة في حالة شن هجوم على إيران؟

- إنني لست على يقين من أنه سيحدث سيناريو مشؤوم. أستشرف سيناريو نتكبد فيه خسارة. إننا نستخدم القوة العسكرية. نحن لم ننجح في القضاء على برنامجهم. لذلك، سنبدو ضعفاء عاجزين. لقد بذلنا قصارى جهدنا. سوف يكسبون تعاطفا معينا في المنطقة والعالم بأسره، ولن يكون لدينا رادع يحول دون تطويرهم سلاحا نوويا. هل هذا نذير شؤم؟ لا أظن في واقع الأمر، نظرا لأنني لا أعتقد أنهم سيستخدمونه.

* هل ترى أن الربيع العربي تطور إيجابي، أم أن عقد المنطقة يمكن أن ينفرط بصورة أكبر؟

- ما زال الوقت مبكرا جدا من أجل تحديد ذلك. هذا هو المشهد الأول من الفصل الأول من المسرحية، بعد مضي قرابة عامين على بدء ثورات الربيع العربي. غير أن بناء مجتمعات سياسية جديدة يعد بمثابة عملية معقدة ومطولة. تحدوني مخاوف بالنسبة لدول الربيع العربي حيال المسائل نفسها التي أقلق منها في مناطق أخرى. إن القاعدة المؤسسية للديمقراطية القادرة على البقاء واهنة إلى حد بعيد. إنك لا تحصل على أنظمة ديمقراطية قادرة على البقاء لأن هذا بمثابة مطمح نبيل بحق. يجب أن تتوافر لديك الهياكل اللازمة لدعم تلك الأنظمة وتعزيزها وحمايتها. وهناك افتقار لتلك الهياكل. سيكون الأمر صعبا وسوف يستغرق وقتا طويلا، والنتيجة غير مؤكدة على الإطلاق. لا أدري ما إذا كان هذا أمرا إيجابيا أم سلبيا. بشكل عام، يمكنك القول إن المجتمعات التي تتحول من النظام الاستبدادي إلى أي نظام آخر تسير في الاتجاه الصحيح. غير أن هذا ليس واضحا تماما. أتتذكر لماذا قام بائع الفاكهة في تونس بإشعال النار في نفسه؟ كان أحد أسباب ذلك هو الانعدام التام لأي فرصة اقتصادية. إن الأوضاع الاقتصادية بتلك الدول قد ازدادت سوءا.

* ما الذي ستؤول إليه الأوضاع في سوريا؟

- أعتقد أن الطريق للمضي قدما يتمثل في عملية تحليل واستشارات متعمقة. من هؤلاء الرفاق؟ من المقاومة؟ ما مقاصدهم؟ ما أجنداتهم؟ من يدعمهم ولماذا؟ أعتقد أننا نبذل قصارى جهدنا في سبيل التوصل لإجابات عن تلك التساؤلات. لست واثقا من أنني أملك الإجابات، لكن هذا هو الموضع الذي يجب أن تبدأ منه. حينها فقط يمكنك أن تجري مناقشة حول خيارات ما بعد الأسد، استنادا إلى الواقع. لا أظن أننا وصلنا إلى هذه النقطة بعد، ولا يرجع هذا جزئيا إلى أوجه إخفاقنا، لكن إلى أن هذه الجماعات مجهولة الهوية. ليس من المفاجئ عدم ظهور شخص على شاكلة نيلسون مانديلا في سوريا. علينا أن نتبين هوية من نتعامل معهم، وبعدها يمكننا عرض القضية على المستويين الإقليمي والدولي. هذا أمر محوري.

* البعض يعتقد أن باب «حل الدولتين» مغلق، فما رأيك؟

- من الصعب أن نجزم بصحة ذلك. إذا كان هذا الباب مغلقا، إذن ما هي الأبواب المفتوحة؟ إذا قلت إنه لا توجد أي أبواب مفتوحة، فربما تفرض نوعا من المواجهة.

* بالإتفاق مع كايرو ريفيو