غليان في السنغال بعد جريمة قتل يحاكم فيها زعيم ديني نافذ

محاكمة «الشيخ» في قضية مقتل 2 من الأتباع تسببت في أعمال شغب وإطاحة بوزير الداخلية

أحد أتباع الشيخ بيثيو ثيون يحمل صورة له أمام السجن الذي يقبع فيه بتهم تتعلق بجريمة قتل في دكار (أ.ف.ب)
TT

كان الغناء الجماعي يتردد طيلة الليل في هذه المنطقة التي تقع على شاطئ البحر، بينما كان الفقراء يتوافدون أثناء النهار على أطراف المجمع الخاص بالزعيم الديني الشيخ بيثيو ثيون للمشاركة في المآدب الفاخرة التي كان يقيمها في الهواء الطلق والتي كانت تحتوي على أوعية الأرز العملاقة وخمسة ثيران مشوية وبعض الجمال وأطباق الكسكس، وغيرها الكثير من الأطباق الشهية. كان القادة السياسيون يحاولون التودد لهذا الزعيم الديني، الذي يملك الآلاف من الأتباع.

كان هذا قبل وقوع فضيحة جريمة القتل التي هزت هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا؛ حيث يقبع الآن الشيخ ثيون في زنزانة قاسية في سجن دكار المركزي، محاطا بصناديق الزبادي والمشروبات الغازية التي يرسلها إليه أنصاره، بعدما قامت الشرطة باكتشاف جثة اثنين من الشباب، هما من الأتباع المنشقين عن الشيخ، مدفونين في قبر سطحي في أعماق الريف السنغالي في أواخر أبريل (نيسان) الماضي. ويقول وكلاء النيابة إن الشابين قد تعرضا للضرب المبرح، وإن أحدهما كان لا يزال على قيد الحياة عندما ووري الثرى.

تم اتهام الشيخ بالمشاركة في ارتكاب جريمة القتل؛ حيث يقول وكلاء النيابة إن ثيون شعر بالغضب من تسلل هذين المرتدين إلى داخل منزله الواقع خارج العاصمة دكار وقام بتوجيه بعض أتباعه بالتعدي بالضرب على الشابين، أباباكار دياغني وبارا سو، حتى فارقا الحياة.

أدت هذه القضية إلى قيام أتباع ثيون بإثارة أعمال الشغب في شوارع دكار في الآونة الأخيرة، مما ترتب عليه إجراء بعض التغييرات على تشكيلة الحكومة السنغالية والإطاحة بوزير الداخلية؛ حيث أفادت وسائل الإعلام السنغالية أن ابنه كان أحد أتباع ثيون.

تقوم الصحف المحلية في السنغال بعرض التطورات الجديدة التي تحدث في هذه القضية بصورة شبه يومية؛ حيث تبرز الصحف بعض العناوين مثل: خضوع ثيون قوي البنية ذو الـ76 عاما لفحوصات القلب؛ أصغر زوجات ثيون، أدجا ديثي بيني، تزوره سرا في السجن متنكرة في زي ممرضة؛ ثيون يغادر السجن للخضوع لتحقيقات الشرطة. ولكن المعنى الضمني لهذه الأخبار دائما ما يكون واحدا: التعبير عن الاستغراب من احتمال إدانة هذا الزعيم الديني صاحب الشخصية الكاريزمية، والذي كان يتمتع بنفوذ واسع للغاية وثروة ضخمة جمعها من تبرعات تلامذته.

يقول محمدو مصطفى سيا، القاضي الذي يترأس مكتب حقوق الإنسان بوزارة العدل: «هناك بعض الحقائق في هذه القضية التي لم نقم باختلاقها، فمن المؤكد أنه لولا التعديل الوزاري الذي حدث في الحكومة لما كانت هناك محاكمة من الأساس».

خسر الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد، وهو أحد حلفاء الشيخ الرئيسيين، الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل الماضي بعد حملة صاخبة. لكن المحللين ينظرون إلى قرار الحكومة السنغالية الجديدة، بقيادة الرئيس الحالي ماكي سال، بتقديم ثيون للمحاكمة على أنه إشارة صحية على إمكانية متابعة الحكومة في هذه الإجراءات مع الأشخاص الذين لم يكن أحد يستطيع المساس بهم في الماضي.

يقول مامادو ضيوف، مدير قسم الدراسات الأفريقية في جامعة كولومبيا: «إنه الاختبار الأهم لنظام الرئيس ماكي سال. إذا استطاعوا التعامل معه على أساس سيادة القانون، سيكون ذلك نصرا استثنائيا، ليس فقط بالنسبة لسال وإنما للديمقراطية السنغالية أيضا».

كان الذهول واضحا للغاية داخل قاعة محكمة دكار الخرسانية مرتفعة الحرارة في الأسبوع الماضي؛ حيث اكتظت القاعة بتلامذة وأفراد عائلات العشرات من الأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم عقب أحداث الشعب التي وقعت يوم 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما تم تحطيم السيارات والمحال التجارية والحافلات وإلقاء الحجارة على المشاة من قبل أتباع الشيخ.

في قاعة المحكمة، قام القاضي باستدعاء التلاميذ الغاضبين من قفص الاتهام في مجموعات تتكون من 8 أشخاص، بينما كان المناصرون يتجمهرون في الخارج حول الباب مغدقين بالمديح على الكرم والإيمان الذي يتحلى به الشيخ، متهمين الحكومة الجديدة باضطهاد ثيون. وصرح بايا جايا، الذي يقول إنه كان صديقا لثيون: «إنه مرشدنا ومستشارنا الديني، وهو الشخص الذي أسهم بصورة كبيرة في إعادة تأهيل شبابنا».

تمكن ثيون من اجتذاب أعداد غفيرة من الشباب السنغاليين من خلال رقصاته التي كانت تستمر طيلة الليل - وهو ما كان يمثل صدمة كبيرة بالنسبة للزعماء الدينيين المحافظين في هذا البلد الذي يدين غالبية سكانه بالإسلام، والذين أبدوا تشككا كبيرا في معرفة ثيون بالقرآن الكريم. يقول إبراهيما باديان، الذي جاء إلى قاعة المحكمة لمؤازرة الشيخ: «لقد تحمل مصاريف دراستي، بعد أن فقدت والداي في صغري. الأمر كله يتعلق بالسياسة. لقد وصل خصومه السياسيون للحكم، لذا فهم يجعلونه يدفع ثمن دعمه لعبد الله واد».

يسخر المدعون العامون ومسؤولو وزارة العدل من الاعتقاد بأن الدوافع السياسية هي التي تحركهم في هذه القضية؛ حيث يصرون على أن ثيون متورط بصورة مباشرة في جريمة قتل اثنين من الشباب يوم 22 أبريل الماضي. تم منع المجني عليهما من دخول منزل ثيون الريفي الذي يقع بالقرب من بلدة تييس - حيث كان الأتباع المقربون يجتمعون في فناء كبير - وهو ما يرجع في الغالب لزيادة حمية المؤيدين له، حسبما يؤكد محمدو سيا. ويقول سيا: «لقد كانوا من أتباعه»، مشيرا إلى أنهم كانوا متعصبين للغاية في إتباعهم له.

في مساء ذلك اليوم من شهر أبريل الماضي، وعندما كان اهتمام أتباع الشيخ والكثير من المواطنين السنغاليين منصبا على إحدى مباريات المصارعة، قرر سو وصديقه دياغني تجاهل هذا الأمر القضائي. يقول سيا: «لقد كانا يعبدان الشيخ بيثيو ثيون»، مضيفا أنه عندما دخل الشابين إلى الساحة، وعلم ثيون بذلك: «أصدر أوامره بضربهما».

أشار وكلاء النيابة أن الأتباع قاموا باصطحاب الشابين بعيدا عن الساحة وتعدوا عليهما بالضرب بلا رحمة. ويؤكد سيا أنه بعد قيام الأتباع بإخبار الشيخ عما حدث للشابين وأنهما لقيا حتفهما، قال ثيون: «تعاملوا مع الجثتين بطريقتكم». اكتشفت الشرطة في وقت لاحق وجود دماء خاصة بأحد الضحيتين في إحدى الشاحنات الخاصة بالشيخ، ولكن ثيون أخبر الشرطة أن هذه الدماء هي دماء ماعز. ويقول وكلاء النيابة إن الشيخ كان يقود سيارته الـ«هامر» بنفسه في تلك الليلة لمرافقة السيارات الثلاثة التي كانت تحمل الجثتين. ويقول سيا إنه جرى دفن الشابين بصورة سريعة في تلك الليلة في أحد الحقول، مضيفا: «لقد شعرنا بالصدمة حقا كمسلمين جراء هذه الفعلة، فنحن لا نقوم بدفن الموتى في قبور جماعية».

ويؤكد سيا أن السياسة لا دخل لها على الإطلاق بمحاكمة الشيخ و10 من أتباعه، مضيفا: «نحن دولة يحكمها القانون، وفي ظل هذه الحقائق، كيف يمكن لنا ألا نضع ثيون في السجن؟».

* أسهم في كتابة هذا التقرير فاتو ديوب

* خدمة «نيويورك تايمز»