انقلابيو 1980 في تركيا يؤكدون أنهم تحركوا بدافع حب الوطن

آخر جنرالين تبقيا من المجموعة بينهما رئيس تركيا السابق لم يبديا ندمهما أمام المحكمة

TT

بدأ اثنان من قدامى جنرالات الجيش التركي، لا يزالان على قيد الحياة وممن كانوا يقفون وراء الانقلاب العسكري الدامي في تركيا في 1980، بتبرئة أنفسهما الأربعاء أمام القضاء، مؤكدين من المستشفى الذي يرقدان فيه أنهما تحركا بدافع «الواجب» وحب الوطن.

ومن على سريره في المستشفى العسكري في إسطنبول حيث يتلقى العلاج، كان القائد السابق لسلاح الجو تحسين شاهينكايا، (86 عاما)، الأول في التحدث أمام محكمة الجنايات في أنقرة عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة.

وبدا الثمانيني، الذي وقف إلى جانبه أحد محاميه وكاتب عدل وطاقم طبي، ضعيفا ومتعبا، وتلا مذكرة أعلن فيها مسؤوليته في المشاركة في انقلاب 1980 من دون التعبير عن أي ندم. وقال الرجل المسن للقضاة، بحسب ما نشرته وكالة أنباء «الأناضول» التركية ونقلته وكالة الصحافة الفرنسية، إن «القوات المسلحة التركية قامت في الثاني عشر من سبتمبر (أيلول) 1980 بواجبها حيال الشعب. لقد فعلنا أفضل شيء ممكن في ذلك العهد».

وفي تصريح مقتضب، أكد الجنرال السابق أيضا أنه تصرف انطلاقا من «الواجب الدستوري» لوضع حد لعدم الاستقرار السياسي الذي كان سائدا في ذلك الوقت في تركيا.

ولاحقا، رفض شاهينكايا قطعيا الإجابة عن أسئلة محامي الطرف المدني، معللا ذلك بأن «المحكمة ليست مؤهلة لمحاكمتنا». وأضاف أن «تدخل 12 سبتمبر حدث مهم، احتل مكانته في تاريخ تركيا والعالم. إن الأحداث التاريخية لا يمكن أن يحكم عليها إلا التاريخ، هذه المحكمة لا يمكنها محاكمتنا».

ومن المفترض أن يكون الجنرال السابق كنعان أفرين، (94 عاما)، قائد المجموعة العسكرية والرئيس السابق للجمهورية، والملاحق أيضا بتهمة تنظيم انقلاب 1980، قد أدلى بشهادته أمس حول الظروف ذاتها.

وتم تعيين أفرين، الذي كان في تلك الفترة رئيسا لهيئة أركان القوات المسلحة التركية، رئيسا للجمهورية ولم يغادر مهامه على رأس الدولة التركية إلا سنة 1989.

وبدأت المحاكمة التاريخية للجنرالين السابقين، والأولى في تاريخ تركيا التي تستهدف منفذي انقلاب عسكري، في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، وتم حتى اليوم إعفاء الجنرالين السابقين بسبب وضعهما الصحي من المشاركة في جلسات المحاكمة.

وظهر الجنرالان السابقان للمرة الأولى، أول من أمس، عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، أمام قضاتهما، للرد باقتضاب على استجواب يتعلق بهويتيهما، وأجراه رئيس محكمة الجنايات قبل الاستماع إلى تلاوة قرار الاتهام المؤلف من 80 صفحة.

ومثول هذين المسنين المريضين، الذي يذكر بمثول الرئيس المصري السابق حسني مبارك وهو على سريره وإنما داخل قاعة المحكمة، يشكل سابقة كبيرة في تاريخ تركيا.

ومارس الجيش التركي منذ أمد بعيد سيطرة فعلية على الحياة السياسية في تركيا، بدءا من ستينات القرن الماضي. وعلاوة على ثلاثة انقلابات عسكرية، تسبب الجيش في استقالة الحكومة الإسلامية سنة 1997، وحظي منفذو انقلاب 1980 بحماية لفترة طويلة، وفرتها الحصانة التي كانوا يتمتعون بها والتي لم ترفع إلا في عام 2010 أثناء تعديل دستوري أجرته الحكومة الإسلامية المحافظة برئاسة حزب العدالة والتنمية.

ومنذ وصوله إلى السلطة في 2002، بدأ حزب العدالة والتنمية سياسة شد حبال مع الجيش الذي أعلن نفسه حامي الإرث العلماني لمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. وتمكنت حكومة رجب طيب أردوغان، على أثر ملاحقات قضائية وعقوبات بسبب مؤامرات مفترضة، في الحد من النفوذ السياسي للعسكر بشكل كبير.

وانقلاب عام 1980 الذي نفذه الجيش التركي كان الأكثر دموية. وفي الأسابيع والأشهر التي تلت، تمت تصفية نحو خمسين شخصا واعتقل 600 ألف آخرون، وقضى العشرات تحت التعذيب، واعتبر عدد كبير آخر في عداد المفقودين.

ورغم هذه الحصيلة، فإن العمل الذي قام به منفذو الانقلاب لقي موافقة السكان الذين، بعد أن أنهكهم عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي لسنوات عدة، وافقوا بكثافة في 1982 على الدستور الجديد ذي الطابع التسلطي الذي لا يزال معمولا به اليوم رغم بعض التعديلات.