إيران تحقق مكاسب دبلوماسية بعد استخدام حماس لصواريخها في هجماتها على إسرائيل

قيادي في حركة الجهاد الإسلامي: الأسلحة المستخدمة في المقاومة إيرانية.. من الرصاص حتى الصواريخ

TT

على طريق نيايش السريع الذي يعج بالنشاط والحركة بالجزء الغربي من العاصمة الإيرانية، توجد لوحة إعلانات ضخمة معلقة على جسر مرتفع لتذكير السائقين بقدرات إيران الصاروخية. وتندفع السيارات أسفل صورة صاروخ أخضر على قاذفة صواريخ ونص باللغة الفارسية ترجمته «الاتجاه تل أبيب».

ولم يلاحظ كثيرون العلامة، إذ إن الإيرانيين العاديين منشغلون جدا بمحاولة التكيف مع مشكلات ارتفاع الأسعار وأوجه العجز والنقص الدورية التي نجمت عن اقتصاد متقلب. غير أن تكنولوجيا الصواريخ والأسلحة الإيرانية تجذب انتباه المئات على بعد أميال في غزة، مما يمنح رجال الدين الذين يتولون زمام الحكم في الدولة قسطا نادرا من الأخبار الجيدة في عام كان طويلا كئيبا.

وقد قلب الهجوم الإسرائيلي على الشريط الساحلي الفلسطيني، والانتقام من قبل حركة حماس باستخدام صواريخ إيرانية تقترب من حدود مدن رئيسية في إسرائيل للمرة الأولى، الموازين رأسا على عقب بالنسبة للجمهورية الإٍسلامية. ومع إعلان وقف إطلاق النار في غزة، وكسب الرئيس المصري محمد مرسي تأييدا حماسيا للعب دور الوساطة في اتفاق وقف إطلاق النار، خفتت حدة بعض مشاعر الابتهاج الجنونية التي اجتاحت طهران. غير أن المكاسب الدبلوماسية العائدة على إيران من القتال ما زالت مستمرة.

قبل غزة، كانت إيران ترزح تحت نير عدد من المعوقات، وليس مجرد تشديد العقوبات الغربية هذا الصيف، التي قللت صادراتها النفطية وأدت لهبوط قيمة عملتها الوطنية.

وتعين على رجال الدين الإيرانيين تحمل إهانة مرسي، أثناء حديثه في مؤتمر في طهران، حينما أطاح بأحلامهم التي يصبون إليها منذ فترة طويلة بشراكة استراتيجية بعد انتقاده دعم إيران لسوريا، حليفها الإقليمي الوحيد، في تأجيج حرب أهلية وحشية.

حتى أن حماس، الشريك الآيديولوجي لإيران منذ أمد بعيد، أدارت ظهرها بشكل صريح لطهران ودمشق وتحالفت مع ائتلاف الممالك الإسلامية السنية ضد النظام السوري.

ظهرت دول أكثر نشاطا، مثل قطر ومصر، لتتولى زمام المبادرة في قضايا سوريا وغزة، مما جعل رسالة المقاومة المتعنتة من جانب إيران تبدو بالية.

وقبل أسبوع، حينما شنت إسرائيل هجوما مضادا للصواريخ والقذائف القادمة من غزة، تراجع كل اللاعبين الإقليميين إلى أدوارهم التقليدية، بداية بمرسي، الذي قاد الجهود الرامية للتوسط من أجل وقف إطلاق النار، وهو الأسلوب نفسه الذي انتهجته مصر وقتما كان حسني مبارك رئيسا للبلاد. أما أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي قام في أكتوبر (تشرين الأول) بزيارة غير مسبوقة لقطاع غزة، مقدما نفسه بوصفه المتبرع الجديد لحركة حماس، فقد انتظر أربعة أيام قبل أن يصدر بيانا حول القتال الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين.

على مدار المعركة، أدت الصواريخ المصممة في إيران: «فجر 3» و«فجر 5» التي سمحت لحماس وحركة أخرى في غزة، هي الجهاد الإسلامي، بقصف قلب إسرائيل، إلى لجوء الإسرائيليين لقصف المخيمات. وفيما يمد كل من الدعم السياسي والمال بالعون، على حد قول قادة فلسطينيين، فإن تكنولوجيا الأسلحة الإيرانية تعتبر ذات نفع أكبر.

«الأسلحة المستخدمة في المقاومة، من بينها تلك الخاصة بحركة حماس، إيرانية، بداية من الرصاص وحتى الصواريخ»، هكذا تحدث زياد النخلة، نائب قائد حركة الجهاد الإسلامي، إلى قناة «المنار» التلفزيونية اللبنانية في القاهرة يوم الثلاثاء. وأضاف، مثنيا على «التضحيات العظيمة» التي قدمتها إيران من خلال «شحن» تلك الأسلحة إلى غزة: «من دون تلك الأسلحة، لكانت أسلحة الجيش الإسرائيلي قد سارت فوق أجساد أطفالنا».

لم يخجل المسؤولون الإيرانيون من الاعتراف بمسؤوليتهم عن التغيرات التي طرأت على ساحة المعركة، رغم أن محللين قد أشاروا إلى أن الاعتراف بنقل أسلحة إلى غزة ربما يفضي إلى الانتقام.

تحدث رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، علي لاريجاني، إلى مراسلين محليين هذا الأسبوع قائلا: «نعترف بفخر أننا ندعم الفلسطينيين، على المستويين العسكري والمالي». وأضاف: «يجب أن يدرك النظام الصهيوني أن قوة الجيش الفلسطيني تأتي من القوة العسكرية الإيرانية».

وقد لمح لاريجاني إلى المشكلات الأخرى التي تواجه إيران، والتي على نحو مفاجئ لم تعد تبدو شديدة الضخامة.

وقال: «ربما نواجه مشكلة التضخم والبطالة وغيرها من المشكلات الاقتصادية الأخرى في بلدنا. لكننا نغير شكل المنطقة، وهذا سيمثل إنجازا هائلا».

أما القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري الإسلامي، محمد علي جعفري، فكان أكثر صراحة. فقد قال: إن تكنولوجيا الصواريخ «قد نقلت إلى المعارضة، وإنه يجري تصنيع عدد غير محدود من هذه الصواريخ».

قد لا يستمر الاحتفال في طهران طويلا، على حد قول محللين. فقد أغدق قادة حركة حماس الثناء على مرسي لدوره في لعب دور الوساطة في وقف إطلاق النار، قائلين إنه عبر عن مصالح الحركة. وبوسع مصر أن تغلق الأنفاق المستخدمة في تهريب الصواريخ إلى غزة.

ورغم ذلك، فإنهم يقولون: إن القتال قد أفاد كثيرا في إصلاح الصورة الإقليمية السيئة التي لحقت بإيران بسبب النزاع السوري.

«لقد جمعت الحرب إيران وحماس معا مجددا، وانتهى الجدال المثار حول القضية السورية»، هذا ما قاله حميد رضا تاراغي، المدير السياسي لحزب الائتلاف الإسلامي المحافظ المتشدد.

في النهاية، يرى القادة الإيرانيون أن القوة العسكرية هي المقياس الوحيد للنجاح، ولا يحدوهم قدر كبير من الثقة في أن اتفاقات وقف إطلاق النار والسبل الدبلوماسية يمكن أن تأتي بأي نتيجة. ورغم ذلك، فإنه بالنسبة للإيرانيين العاديين، يمثل برنامج إيران الصاروخي والأحداث الجارية في غزة مشكلات بعيدة المدى، حيث يرى كثيرون أن الانتصار ربما يكون قصير الأمد.

قال ألاهغولي أباصبور، 53 عاما، وهو صاحب متجر: «ربما توسع إيران نطاق تأثيرها على المدى القصير بين الفلسطينيين، غير أن السياسات تتسم بالسرعة اليوم». وأضاف: «الفلسطينيون يرغبون في الحصول على الاستقلال، لكنني أشك في أنهم سيتمكنون من تحقيق هذا المراد».

* ساهم رامتين راستين في كتابة التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»