مصر في قبضة مرسي بعد إصداره إعلانا دستوريا بسلطات مطلقة

البرادعي: «الثورة أجهضت إلى حين آخر » .. و ناشطون يعلنون اليوم «جمعة غضب»

المستشار طلعت عبد الله نائبا عاما، ويؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس المصري محمد مرسي أمس (أ.ف.ب)
TT

في خطوة مباغتة وصفها مراقبون وساسة في مصر بأنها «قفزة إلى المجهول»، أصدر الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا جديدا يقضي بإعادة محاكمة رموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك وكل من عمل في منصب سياسي أو تنفيذي في عهده، والإطاحة بالنائب العام محمود عبد المجيد، وحصن فيه الجمعية التأسيسية للدستور المطعون في قانونيتها، كما منح مرسي نفسه حق اتخاذ أي إجراءات وتدابير تجاه أي خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، وأن ما يصدر عنه من قرارات غير قابل للطعن. يأتي هذا في وقت تستعد فيه قوى سياسية مناوئة لجماعة الإخوان المسلمين والرئيس مرسي لـ«جمعة غضب» اليوم، يخشى مراقبون أن تكون دامية.

وعقب ساعات من ترقب قرارات مهمة أعلنت عنها مؤسسة الرئاسة صباح أمس، ظهر المتحدث الرسمي باسم المؤسسة الرئاسية الدكتور ياسر علي وألقى نص الإعلان الدستور الجديد، الذي جاء فيه قرار إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى منصبا سياسيا أو تنفيذيا في ظل النظام السابق، وذلك وفقا لقانون حماية الثورة وغيره من القوانين.

وبموجب الإعلان الجديد، تكون القرارات السابقة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو (حزيران) الماضي، وحتى نفاذ الدستور وانتخاب برلمان جديد «نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أي جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أي جهة قضائية».

وأطاح مرسي، عبر الإعلان الذي صدر أمس، بالنائب العام المستشار محمود عبد المجيد، حيث نص الإعلان على تعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، ويشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء، وألا يقل سنه عن 40 سنة ميلادية، ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري.

وبحسب الإعلان الدستور الجديد، يكون المستشار عبد المجيد قد أنهى مدته القانونية. وأصدر الرئيس قرارا بتعيين المستشار طلعت عبد الله نائبا عاما، وأدى عبد الله اليمين الدستورية فور إصدار الإعلان الدستوري.

وحصن الرئيس الجمعية التأسيسية للدستور، التي شهدت انسحاب القوى السياسية المدنية وممثلي طوائف المسيحية الثلاث وممثلي نقابات الصحافيين والفلاحين والعمال، وشخصيات عامة. ونص الإعلان على أنه لا يجوز لأي جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور. كما منح الرئيس الجمعية الحالية شهرين إضافيين لاستكمال أعمالها، بعد أن كان من المقرر أن تنتهي المدة الممنوحة لها بموجب الإعلان الدستور الصادر في مارس (آذار) من العام الماضي، منتصف الشهر المقبل.

وبينما اعتبره مراقبون بمثابة عودة إلى قانون الطوارئ، نص الإعلان الجديد على أنه يحق لرئيس الجمهورية «إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذي ينظمه القانون».

وفي تصعيد للمشهد، وتعقيبا على قرارات مرسي، دعت قوى ثورية إلى حرق مقار الإخوان المسلمين وحزبها «الحرية والعدالة»، لكن محمود غزلان، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، لـ«الشرق الأوسط»: «سنعمل على ضبط النفس رغم الاستفزاز الذي سنتعرض له، من دعوات لحرق مقار (الإخوان)»، مؤكدا حرص الجماعة على عدم «توليع البلد».

واستدرك غزلان قائلا: «بالتأكيد، فإن (الإخوان) في كل مكان قادرون على حماية أنفسهم وتأمين الوضع وتجهيز أنفسهم على الأقل لحماية مقارهم»، مضيفا: «لا يعجبني تصرف الداخلية الحالي، صحيح هم حريصون على عدم وقوع جرحى وإصابات وقتلى، لكن إلى أي مدى سيظل التخريب ذلك»، في إشارة إلى المتظاهرين الحاليين بشارع محمد محمود، الذين وصفهم بـ«البلطجية المأجورين الذين يتناولون المخدرات ويحوزون الأسلحة البيضاء».

وأثار الإعلان الدستوري عاصفة من ردود الفعل الغاضبة لدى القوى المدنية، ودعا المستشار أحمد الزند، رئيس نادي قضاة مصر، إلى اجتماع طارئ لدراسة الأمر، لبحث تداعيات الموقف بعد قرارات الدكتور مرسي، مشيرا إلى أنه سيتم اتخاذ عدد من القرارات التي تحفظ هيبة القضاء.

ومن جانبها، قالت المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، لـ«الشرق الأوسط»: «السلطة القضائية أصبحت الآن كلها في مواجهة رئيس مارق على الشرعية»، مضيفة: «مرسي يظن أنه قائد ثورة، في حين أنه رئيس قادم بانتخابات وشرعية قانونية ودستورية»، وكشفت الجبالي عن «اتصالات عاجلة جارية الآن مع شيوخ القضاء في مصر لبحث الأمر واتخاذ موقف حاسم».

بينما أكد المعارض البارز الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور، أن «الدكتور مرسي نسف اليوم مفهوم الدولة والشرعية ونصب نفسه حاكما بأمر الله»، مضيفا: «الثورة أجهضت لحين إشعار آخر».

وقال عمرو موسى، زعيم حزب المؤتمر، والمرشح الرئاسي السابق، إنه «يخشى حدوث اضطرابات جديدة عقب قرارات الرئيس مرسي بإقالة النائب العام»، مؤكدا أن «مصر لا تحتاج في الوقت الحالي إلى أي اهتزاز، وإنما تحتاج إلى استقرار».

وأضاف موسى، خلال تدشين حزب المؤتمر مساء أمس: «لا عودة للديكتاتورية وكررها ثانية، لن يقبل المصريون بفرض الديكتاتورية»، مؤكدا أن «الديمقراطية هي الحل، وأنها هي مستقبل مصر، ولن يكون غيرها في هذا المستقبل».

وقال خالد علي، المرشح الرئاسي السابق، إن «مصر في مفترق الطرق»، معتبرا إعلان مرسي «عبثا دستوريا أدخل الوطن في نفق مظلم»، وأن «الثورة هي الطريق الوحيد لمواجهته».

وقال الحقوقي حافظ أبو سعدة، رئيس مركز القاهرة لحقوق الإنسان: «صلاحيات الرئيس التي تم انتخابه على أساسها ليس من بينها إصدار إعلانات دستورية، وهو سلطة منتخبة وليست مؤقتة»، مشددا على أنه «لا يجوز تحصين أي عمل أو آراء أو قانون من رقابة القضاء»، مرجعا هذه القرارات إلى مستشاري الرئيس مرسي، وأضاف قائلا: «بئس المستشارين يا ريس».

من جانبه، قال جورج إسحاق، وكيل مؤسسي حزب الدستور، إن القرارات التي اتخذها الرئيس المصري محمد مرسي تمثل قفزة إلى المجهول، مضيفا: «دولة بلا قانون ليست دولة».

وأضاف إسحاق لـ«الشرق الأوسط»: «ما حدث هو انقلاب على الشرعية والقانون، والرئيس مرسي تحول إلى الحاكم بأمر الله، والقرارات التي اتخذها اليوم (أمس) تمثل تغولا على السلطة القضائية».

وقال إسحاق: «جمع مرسي لكل السلطات التنفيذية التشريعية في يده يمثل خطرا داهما على الدولة المصرية التي عادت سنوات إلى الوراء بذلك القرار»، مضيفا: «سنعقد مؤتمرا صحافيا في حزب الدستور لإعلان موقفنا رسميا، وسنشارك في مليونية (اليوم) الجمعة للاحتجاج على تلك القرارات».

في المقابل، قال الدكتور عصام دربالة، رئيس مجلس شورى «الجماعة الإسلامية» في مصر، إن «(الجماعة الإسلامية) تدعم قرارات الرئيس محمد مرسي، وتثمنها»، وتابع: «نرى أنها جاءت متأخرة، وكان يجب أن تأتي قبل ذلك»، مؤكدا أن القرارات صادرة ممن يملك الحق في إصدارها، لأن الرئيس مرسي رئيس منتخب من الشعب، ومن حقه إصدار إعلانات دستورية.

وأضاف دربالة لـ«الشرق الأوسط» أن «قرارات الرئيس مرسي حماية للثورة من عبث النائب العام المصري السابق وعبث بعض أعضاء المحكمة الدستورية العليا الذين كانوا يمثلون النظام السابق ويسعون إلى القضاء على كل مؤسسات الدولة التي يتم بناؤها»، قائلا إن «القرارات تخصم من الرئيس في استحواذه على السلطة، ونرى فيها حفاظا على حقوق الشهداء والمصابين، وإتاحة لمزيد من التواصل بشأن الدستور الجديد».

وكشف دربالة عن أن قرارات مرسي فيها تلويح بأنه سيتجه إلى الحزم في ما يتعلق بالإخلال المتعمد بأمن البلاد وأمن المواطن، وعاد ليقول: «ننتظر قرارات أخرى قوية في مواجهة الفساد وفي استرداد الأموال المهربة والعدالة الاجتماعية، وإنصاف الإسلاميين الذين ظلموا طوال 30 عاما في حكم الرئيس السابق حسني مبارك».

وطالب دربالة القوى الوطنية المعارضة لمرسي بإعادة مواقفها من جديد، مؤكدا أن هناك قوى تتآمر على الثورة، ومن الطبيعي أن تنزعج، معلنا دعم «الجماعة الإسلامية» لمظاهرات «الإخوان» المؤيدة لمرسي.

وتزايدت أعداد المتظاهرين بشارع محمد محمود وميدان التحرير، بعد قرارات الرئيس محمد مرسي الأخيرة والخاصة بإقالة النائب العام، وإعادة محاكمة المتهمين بقتلة الثوار وغيرها، وعبر المتظاهرين عن عدم رضاهم بقرارات مرسي الأخيرة، وهتفوا ضد الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين «يسقط يسقط حكم المرشد».

وأكد حسام مؤنس، المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، أنه «لا تراجع عن مسيرات اليوم الجمعة إلى ميدان التحرير»، ملمحا إلى اعتصام للقوى السياسية بميدان التحرير، وقال: «مسألة الاعتصام بالميدان يتم التشاور فيها الآن».

وتأتي هذه القرارات في أعقاب اشتباكات متواصلة لليوم الرابع على التوالي، أمس، شهدتها منطقة وسط العاصمة المصرية القاهرة، بالقرب من مبنى وزارة الداخلية وميدان التحرير، رمز ثورة 25 يناير، بين قوات الشرطة ومئات المتظاهرين، أسفرت عن عشرات الإصابات.

وتمركزت الاشتباكات أمس بين داخل مدرسة «الليسه» الفرنسية بشارع محمد محمود ومحيط مجلس الشعب بشارع قصر العيني، حيث قام المتظاهرون بمحاولة تحطيم باب المدرسة واقتحامها، وقد أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لإجبار المتظاهرين على التراجع.

ودعا حزب «الدستور»، الذي يرأسه الدكتور محمد البرادعي، جموع المصريين للمشاركة في مظاهرات اليوم الجمعة، للمطالبة بتطهير وإعادة هيكلة الداخلية والأمن الوطني، والعدالة الناجزة مما سماه «قاذفي الرصاص وفاقعي العيون»، التي تسبب تأخرها في استمرار حالة الغليان وعدم الاستقرار، وإقالة الحكومة الحالية، وتشكيل أخرى بسياسة جديدة تراعى الكفاءة ومصلحة الوطن.

وأعلنت حركة «شباب 6 أبريل» انسحابها من دعم الرئيس مرسي، ومشاركتها في مليونية اليوم، وأصدرت الحركة بيانا لفتت فيه إلى أن مبرراتها لدعمه لم تتحقق بعد.

وذكر البيان الذي حمل عنوان «لقد خابت فيك آمالنا»، موجها تلك الرسالة للرئيس، أن «هدف حركة شباب 6 أبريل من دعم الرئيس مرسي في مرحلة الإعادة في انتخابات الرئاسة كان إسقاط مرشح النظام السابق لما كان يمثله من تهديد مباشر لأهداف الثورة، وتصريحاته العلنية بأنه ينتوي قمع حرية التعبير السلمي التي انتزعها الشعب من النظام السابق، وإجهاض الثورة التي لم يؤمن بها يوما ما».