جنوب لبنان: لا حرج في إشهار النازحين السوريين معارضة النظام.. وسط مؤيدي حزب الله والأسد

17 ألفا سجلوا في القوائم.. والإغاثة يتولاها السكان والبلديات والمنظمات الإنسانية

TT

أربع عائلات، يتخطى عدد أفرادها العشرين شخصا، استقبلها مروان دالاتي، السوري الجنسية، في منزله بجنوب لبنان. هؤلاء نزحوا من الزبداني في ريف دمشق هربا من العنف، ولجأوا إلى شقيقهم الذي يعمل في الجنوب منذ عشر سنوات، وأقاموا بمنزله. لكن هؤلاء النازحين، لم يتم تسجيلهم في أي من قوائم مؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بالنازحين السوريين، أو في قوائم «المفوضية العليا لحقوق اللاجئين» في الأمم المتحدة، شأنهم شأن سوريين كثيرين قصدوا أقرباء لهم في الجنوب من غير اللجوء إلى المؤسسات المعنية بوضعهم الإنساني.

غير أن مؤسسات المجتمع المدني التي نشطت في جنوب لبنان مؤخرا لإغاثة اللاجئين، استطاعت أن تسجل في قوائمها ما يزيد على 17 ألف نازح سوري، يمثلون نحو 15% من مجموع النازحين السوريين في لبنان. ويشير مدير المشاريع في مؤسسة «شيلد»، سامر حيدر، إلى أن هذا العدد «ليس نهائيا»، لافتا في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عدد النازحين في ازدياد دائم، ويقيم معظمهم بمدينة صور والقرى المحيطة بها».

والمؤكد أن عددا كبيرا من النازحين لم يشملهم الإحصاء.. بعض النازحين قصدوا أقرباء لهم يقيمون بجنوب لبنان ويعملون هنا، لذلك لم يسجلوا أسماءهم في قوائم المؤسسات، ولم يسألوا أيا من الجهات إغاثتهم، سواء في تأمين منازل لهم أم في توفير الغذاء والدواء. وفي هذا الصدد، يؤكد حيدر أن «هذا الواقع، لا يمكن أن يستمر في ظل ازدياد عدد النازحين بشكل كبير»، مشيرا إلى «إننا نبذل ما بوسعنا لإحصاء أكبر عدد من النازحين وإغاثتهم، عبر الناشطين والعاملين والمتطوعين في مؤسسة (شيلد)، وبالتعاون مع البلديات».

انطلق مشروع «شيلد» - وهي إحدى المؤسسات العاملة على إغاثة النازحين السوريين في الجنوب - قبل ثلاثة أشهر، لكن الإعلان عن إطلاقه جاء أول من أمس، حيث أطلقت «المفوضية العليا لحقوق اللاجئين» في الأمم المتحدة بلبنان و«المجلس الدنماركي للاجئين»، بالتعاون مع «جمعية شيلد» الإنسانية و«اتحاد بلديات قضاء صور»، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، «مشروع دعم النازحين السوريين» في جنوب لبنان، خلال مؤتمر صحافي عقد في مقر الاتحاد بصور.

المشروع، بحسب حيدر، سيقدم المساعدات العينية والطبية والغذائية والمأوى، «لكن المرحلة الأولى التي ستنجز خلال الشهرين المقبلين ستشمل ألفي عائلة من النازحين السوريين، في حين ستشمل المراحل اللاحقة 500 عائلة».

ويوضح حيدر لـ«الشرق الأوسط» أن النازحين السوريين «يحتاجون إلى كل شيء، بدءا من الغذاء والطبابة (العلاج)، وصولا إلى مقرات الإقامة»، مشيرا إلى أن «السكان ساعدوا في إغاثتهم، إلى جانب البلديات والجمعيات الخيرية، بالإضافة إلى العمال السوريين الذين استضافوا أقرباء لهم». ويلفت إلى أن بعض بلديات الجنوب «منحت النازحين بدل سكن، حيث إن معظمهم فر من بلاده بملابسه فقط، ولا يتمكن من دفع أي بدل من الإيجارات».

في المشهد المقابل، لم تتمكن بعض البلديات من توفير مساكن للنازحين، فاضطرت بعض العائلات إلى السكن في بيوت مهجورة، بعضها متضرر من حرب يوليو (تموز) 2006. بينما يعتبر بدل العلاج من أكثر التحديات التي تواجه النازحين السوريين، نظرا لتكلفتها الباهظة، وخصوصا العمليات الجراحية التي يحتاجها بعض المرضى. ويشير حيدر إلى أن «الطبابة ما زالت عائقا في المستشفيات الخاصة، كون معظم النازحين لم يحصلوا على بطاقة الأمم المتحدة بعد، وهي أكثر الجهات القادرة على دفع تكاليف الطبابة الباهظة؛ مثل العمليات الجراحية أو الأمراض المستعصية، بينما تتكفل الجمعيات الإنسانية والخيرية والبلديات عبر المستوصفات الحكومية بتأمين الدواء والكشوفات الطبية الروتينية للنازحين».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن نسبة كبيرة جدا من النازحين السوريين في الجنوب، لم يحصلوا بعد على طاقة الأمم المتحدة، إذ بدأت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بتسجيل النازحين في الجنوب على قوائمها منذ أشهر قليلة، ولم يتسن لها تسجيل جميع النازحين بعد.

وتؤكد هذه المعلومات الإحصاءات التي أعلنتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مطلع الأسبوع الحالي، إذ أشارت إلى أن عدد النازحين في الجنوب المسجلين على قوائمها بلغ 5 آلاف و503 نازحين. ويأتي هذا الرقم ضمن التقرير الأسبوعي الذي نشرته المفوضية، وذكرت فيه أن عدد النازحين في لبنان بلغ 122 ألف نازح.

ووفق التقرير، فإن معدل عدد النازحين الذين يصلون لبنان كل أسبوع يفوق الـ6 آلاف نازح، علما بأن هناك 88 ألفا و740 نازحا قد سجلوا أسماءهم لدى المفوضية، وهناك 33 ألفا و500 نازح على اتصال بالمفوضية لتسجيل أسمائهم.

وفي هذا الصدد، يلفت رئيس بلدية صور، حسن دبوق، إلى «وجود أعداد كبيرة من العائلات السورية التي تتوافد بشكل يومي إلى مدينة صور ومنطقته»، مشيرا إلى «أهمية المشروع بالنظر إلى الظروف الصعبة التي تعيشها».

وبينما تعتبر منطقتا صور والنبطية من أكثر المناطق التي استضافت نازحين، إلا أن أقضية أخرى استقبلت أعدادا كبيرة، منها منطقة الزهراني. وفي قرية البابلية وحدها في هذا القضاء، يقيم نحو 700 مواطن سوري، يتنوعون بين نازحين وعمال استضافوا أقرباء لهم، بينما سجل نحو 120 طالبا سوريا في مدرستها الرسمية هذا العام.

ورغم الحاجة الملحة لإغاثة اللاجئين في الجنوب، يبدي جنوب لبنان تضامنا مع النازحين السوريين. وهذا ما عبرت عنه المنسقة الميدانية لـ«مشروع إغاثة النازحين السوريين» في «المفوضية العليا لحقوق اللاجئين» التابعة للأمم المتحدة، يولاند ديتوينغ، التي ثمنت جهود اتحاد بلديات منطقة صور وسكانها «لما يبدونه من تضامن مع النازحين ويبادرون إلى مساعدتهم بحسب إمكاناتهم»، وأبدت «الاستعداد لتقديم المساعدات على اختلافها للبلديات بهذا الشأن».

وينتشر النازحون السوريون في معظم بلدات جنوب لبنان، بدءا من صيدا إلى صور، إلى النبطية وبنت جبيل، رغم أن هذه المنطقة معروفة بتأييدها لحزب الله والنظام السوري. لكن السوريين هنا لا يجدون ما يعكر صفو عيشهم. ويشير أشرف، (26 عاما)، الذي نزح من حلب ويقيم بإحدى قرى قضاء صور، إلى أن السكان «لم يزعجونا، ولم نجد ما يعيق علينا الحياة الطبيعية هنا».

ويتحدر النازحون في الجنوب من كافة المناطق والمحافظات السورية التي شهدت موجات عنف، ويتنوعون بين مؤيدين ومعارضين للنظام السوري.. لكنهم لا يجدون حرجا في التعبير عن ذلك أمام السكان. «قضيتنا معروفة، والعنف الذي نواجهه لا يخفى على أحد»، بحسب ما يقول أحد النازحين المعارضين لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «السكان يقدرون أن شخصا فقد منزله أو أحد أقربائه، سيتحول إلى معارض للنظام، لذلك لا نجد حرجا في التعبير عن رأينا».