السودان: اعتقال 13 ضابطا في محاولة انقلابية.. بينهم رئيس المخابرات السابق

الخرطوم قالت إن لواء بالاستخبارات العسكرية وقائدا سابقا في الحرس الجمهوري ومدنيين متورطون.. والمعارضة تنفي مشاركتها

الرئيس السوداني عمر البشير عند عودته الى الخرطوم يوم 14 نوفمبر الجاري بعد زيارة علاج في السعودية.. وفي الاطار وزير الإعلام السوداني أحمد بلال عثمان في مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
TT

اتهمت الحكومة السودانية مدير جهاز الأمن السابق صلاح عبد الله قوش ومعه 12 عسكريا ومدنيا، من بينهم قائد الحرس الجمهوري الأسبق، ولواء بالاستخبارات العسكرية، بتدبير «محاولة تخريبية» في الساعات الأولى من صبيحة أمس، ووضعتهم رهن الاعتقال، وشرعت في التحقيق معهم.

وقال المتحدث باسم الحكومة وزير الإعلام أحمد بلال، في بيان صحافي تلاه على الصحافيين أمس، إن أبرز المعتقلين في هذه المحاولة؛ هم: مدير جهاز الأمن السابق الفريق صلاح قوش، واللواء بالاستخبارات العسكرية عادل الطيب، وقائد الحرس الجمهوري الأسبق العميد محمد إبراهيم عبد الجليل الشهير بـ«ود إبراهيم»، لكنه لم يذكر أسماء المدنيين المشاركين في العملية.

بينما ذكرت مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن عدد المعتقلين يتجاوز العشرين.

وينتمي القادة الذين ألقي القبض عليهم إلى تنظيم الإسلاميين، ويدور جدل واسع حول ضلوعهم في صراعاتهم التي بلغت ذروتها في مؤتمر «الحركة الإسلامية» الأخير، وأدت إلى بروز تيارات مناوئة للسلطة داخل الطاقم الذي يحكم البلاد منذ يونيو (حزيران) 1989م. ودرجت الحكومات العسكرية في السودان على إطلاق اسم «عملية تخريبية» على المحاولات التي يبذلها عسكريون ومدنيون للانقلاب على الحكم.

وأضاف الوزير أن المجموعة حددت «ساعة الصفر» لعمليتها «التخريبية» الخميس الماضي، بيد أنهم أرجأوها لصبيحة أمس الخميس دون أن يقدم تفسيرا للإرجاء.

وأوضح أن السلطات الأمنية رصدت «اتصالات داخلية وخارجية» ذات علاقة بالمحاولة التخريبية، وأن الحكومة كانت أمام خيارين: إما ضبط المجموعة بعد شروعها في تنفيذ عمليتها، أو إجهاضها قبل ساعة الصفر، فاختارت الثاني كإجراء احترازي لتجنيب البلاد الفوضى.

وربط الوزير بين المحاولة وما أطلق عليه «شائعات صاحبت مرض الرئيس»، وقال إنها تهدف إلى تهيئة الرأي العام وإثارة البلبلة وتهيئة المسرح للعملية التخريبية، إضافة إلى بعض الأحزاب وجهات خارجية وداخلية - لم يسمها - سعت هي الأخرى لتهيئة المسرح لـ«حراك» يؤدي إلى سقوط الحكومة، ووصف تلك الخطط بأنها «أحلام بلا سيقان».

وتوافرت للسلطات الأمنية - حسب الوزير - دلائل وحيثيات عن مخططات، مقصود منها إحداث فوضى تمكن من النيل من «بعض» القيادات السياسية ومن ضرب استقرار البلاد، وأن السلطات تحقق مع المعتقلين والمشتبه فيهم.

وقال الوزير: «ما يحدث لا يمثل أي تهديد لاستقرار البلاد، ولا توجد له امتدادات داخل الجيش أو الأمن أو الدفاع الشعبي، أو بين القيادات السياسية، وأن الحكومة منسجمة».

وقال المركز السوداني للخدمات الصحافية، القريب من الأجهزة الأمنية، في خبر مقتضب، إن «هذه المؤامرة هي بقيادة مسؤولين في أحزاب المعارضة». وأوضح مصدر للمركز أن السلطات تحقق في ضلوع الطاقم العسكري والمدني على السواء. لكن ناطقا باسم ائتلاف أحزاب المعارضة فاروق أبو عيسى رفض أي علاقة بهذه القضية. وقال أبو عيسى: «لقد سمعنا عن هذا الأمر، وهذا أمر خاطئ. نحن نؤيد تغييرا ديمقراطيا وسلميا للسلطة» عبر الإضرابات والمظاهرات لإسقاط النظام الإسلامي بقيادة الرئيس عمر البشير الذي يتولى رئاسة البلاد منذ 23 عاما. وأضاف هذا المعارض: «الحكومة تعرف هذا الأمر جيدا».

وتولى عمر البشير السلطة في انقلاب عسكري في 1989 وأطاح بالحكومة المنتخبة.

وشوهدت دبابات وناقلات جند تجوب العاصمة أمس. وتناقلت الخرطوم في وقت متأخر من ليلة الأربعاء وصبيحة الخميس أنباء عن «انقلاب» عسكري، وانتشرت المعلومة بسرعة كبيرة، ونقلتها رسائل الهواتف الجوالة، وانتقلت للناس في بيوتهم.

ولا تعرف الخرطوم الإشاعات «المرسلة»، إذ سرعان ما يتحول همسها وحديثها الخافت إلى جهر، وتتكشف خيوط ما يتداوله الناس، إذ أكد المركز السوداني للخدمات الصحافية - وهو قريب من الدوائر الأمنية في البلاد - وفي وقت باكر من الصباح أكد حدوث محاولة تخريبية.

ووجدت المعلومة في الخلافات التي دارت في وبعد مؤتمر «الحركة الإسلامية»، الذي انعقد في الخرطوم مؤخرا، «ظهرا تستند عليه»، إذ حدث انقسام كبير بين دعاة التغيير والشباب والمحافظين في «الحركة الشعبية»، أدى إلى عزوف قيادي بارز تسانده مجموعات التغيير عن المشاركة في انتخاب أمين عام الحركة الإسلامية، وهو القيادي الإسلامي اللامع الدكتور غازي صلاح الدين العتباني.

وبعيد نهاية المؤتمر، تحدثت مصادر من الإسلاميين عن (6) مجموعات شبابية تقود تحركات ضد قيادات رأسية في الحزب والدولة، وأنها بصدد إعداد مذكرة احتجاج على غرار مذكرة «الألف أخ» الشهيرة، وأن هناك صراعات في الحزب والحركة والحكومة، تتراوح بين المطالبة بالتغيير والإصلاح الكلي، والتغيير الجزئي، وبين مجموعة «متطرفة» تعتقد أن الطاقم الحاكم فرط في تطبيق الشريعة الإسلامية.

وراج أن شخصيات بارزة في الحكم والدولة تقف وراء المحاولة، بيد أن البيان الرسمي تجاهل إعلان أسماء «المدنيين» المشاركين في المحاولة، وغمز مصدر أمني الصحافيين بقوله: «المتابعون يمكن أن يخمنوا الشخصيات المدنية»! وعد مراقبون هذا التمليح إشارة إلى الوضع المضطرب الذي تشهده الحكومة، ويشير بلا مواربة إلى تيارات المحتجين بين الإسلاميين، وأشهرها مجموعة المقاتلين السابقين التي نظمت نفسها في تنظيم أطلقت عليه مبادرة «سائحون»، وتدعو لتغيير الطاقم الحاكم كليا.

وتناقلت مواقع صحافية أسماء ضباط كبار في القوات المسلحة، من بينهم قائد عملية «هجليج» اللواء كمال عبد المعروف، بيد أن الجيش نفى اشتراكه في بيان بثته وكالة الأنباء السودانية، وقال المتحدث باسم الجيش العقيد الصوارمي خالد سعد: «إنه يؤدي مهامه العسكرية بولاية جنوب كردفان». ونشطت مؤخرا أنباء عن صراع على خلافة الرئيس البشير بين الإسلاميين، وظهر للعلن بعد أن كان يدور في الخفاء، وشجع إعلان مرضه على ذلك، مما جعل الخرطوم تتساءل بـ«قلق» عن «مكان اختفائه» بعد عودته من رحلة العلاج إلى المملكة العربية السعودية وإجراء جراحة هناك.

وقال مصدر مقرب منه لـ«الشرق الأوسط» إنه بخير وشوهد في مناسبة اجتماعية «عزاء» بحي الصحافة جنوب الخرطوم قبل يومين، وأنه قضى فترة طويلة هناك، وعزا غيابه إلى التزامه بالتعليمات الطبية بعدم الكلام وأخذ أكبر قدر من الراحة، بعد أن خالف تعليماتهم كثيرا.

وقال محلل سياسي إسلامي - طلب حجب اسمه - إن المحاولة مجرد إجراء «استباقي» ضد كل من يحتمل تحركه ضد النظام، وتكمن خطورته في أنه دخل «بيت الكلاوي» وحماه الإنقاذ، مما خلق بلبلة تشبه «دربكة» الكرة أمام المرمى يمكن أن تصيب الهدف في أي وقت.

وأضاف أن توتر العلاقات بين بعض قادة الجيش ووزير الدفاع بلغت حد المواجهة العلنية، ورجح أن يكون توتر العلاقة هو السبب، وراء حملة الاعتقالات، باعتبار أن كل من يعارض الفريق عبد الرحيم محمد حسين هدف محتمل لمثل هذه العمليات.

بيد أنه قال إن «المحاولة» نقلت الصراع داخل الطاقم الحاكم، من صراع من وراء الستار إلى صراعات علنية، تستفيد من الصراعات حول مؤتمر «الحركة الإسلامية»، وعلى خلافة الرئيس.

وتوقع المحلل السياسي أن تكون هذه المحاولة «بروفة» لعمل حقيقي يأتي بعدها، وأنها مجرد تمهيد للأجواء لحدوث هذا العمل.

ونفى القيادي في حزب المؤتمر الشعبي، أبو بكر عبد الرازق، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، وجود محاولة انقلابية أو تخريبية حقيقية، وقال: «إنها مجرد تصفية حسابات وعمليات إقصاء متعمدة لبعض المتململين بين صفوف الإسلاميين، وعملية تخويف للباقين».

وأرجع ما يحدث الآن إلى أنه تجلى لخلافات وتململ قديمين بين إسلاميين غير راضين عن سياسات الحكومة، ويدعون لتغيير الطاقم الحاكم.

إلى ذلك، نفى تجمع المعارضة ضلوعه في الأحداث وقال في بيان إن المعارضة تسعى لإسقاط النظام عبر الوسائل السلمية، وندد بالزج بها في صراعات النظام.

وقال البيان إن ما يحدث نتيجة لتنامي الصراع داخل دوائر الحكم، وإن محاولاتها لإخفائه فشلت، وجدد دعوته إلى إسقاط النظام عبر العمل السلمي.

ويعد المتهم الرئيس في المحاولة، مدير جهاز الأمن السابق الفريق صلاح عبد الله قوش، واحدا من رجالات الحكم الأقوياء، بيد أنه أقيل بطريقة دراماتيكية من منصبة في جهاز الأمن، ثم أقيل لاحقا من مستشارية الأمن برئاسة الجمهورية بذات الطريقة بسبب صراعات بينه وبين أطراف في الحكم، أشهرهم مساعد الرئيس د. نافع علي نافع.

وتشير أصابع كثيرة إلى أنه أخرج من جهاز الأمن، لكنه ما زال يحتفظ بعلاقات وثيقة ومتشابكة داخله، وتكمن خطورته هنا.

ومثلما احتفظ بعلاقات وثيقة داخل الجهاز، فقد احتفظ أيضا بعلاقات بدوائر وأجهزة استخبارات إقليمية ودولية وثيقة، وبعلاقة وثيقة مع الاستخبارات الغربية، ولا سيما جهاز المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، التي تعاون معها جهاز الأمن السوداني في مجالات مكافحة الإرهاب بكرم حاتمي إبان إدارته له.