نتنياهو يواجه بداية حملة انتقادات واسعة للحرب على غزة

يواصل تهديداته بعملية اجتياح بري

TT

في الوقت الذي أقامت فيه حركة حماس مهرجانات «الاحتفالات بالنصر» في قطاع غزة، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعدة نشاطات وتصريحات يتحدث فيها عن «نصر إسرائيلي»، في الحرب نفسها التي دامت ثمانية أيام. فقال أمس، خلال زيارته لمقر قيادة الشرطة الإسرائيلية القائم في القدس الشرقية المحتلة: «حققنا إنجازات كبيرة جدا في عملية (عمود السحاب)، وسدد جيش الدفاع ضربات قوية جدا لحماس ولباقي المنظمات الإرهابية. وتم قتل الكثير من قادة هذه المنظمات، ودمرنا آلاف الصواريخ التي كانت موجهة ضد جنوب البلاد وتقريبا جميع الصواريخ التي كانت موجهة ضد وسطه. عملنا ضد البنية التحتية للمنظمات الإرهابية، وما تم بناؤه خلال سنوات كثيرة دمر. إننا مستعدون لشن عملية أخرى إذا خرق الهدوء».

ولكن نتنياهو يتكلم، وفي مضمون كلامه رد على منتقديه الكثيرين في الساحة الإسرائيلية، الذين اعتبروا الحرب «انتخابية» ويشيرون إلى «مكاسب سياسية وعسكرية لحماس». وقال إنه يعلم أنه «يوجد مواطنون يتوقعون ردا أكثر تصعيدا، ونحن مستعدون لذلك أيضا». وأضاف: «نحن نختار، كما عملنا في هذه العملية، التوقيت للقيام بعملية، ونختار ضد من سنعمل، وكيف سنقوم بذلك». وتابع: «الآن، نعطي فرصة لوقف إطلاق النار. هذه هي الخطوة الصحيحة لدولة إسرائيل في هذا الحين، ولكننا مستعدون أيضا لإمكانية خرقه، وسنرد حينئذ وفق الحاجة».

وفي محاولة لمواجهة تذمرات رؤساء البلديات في الجنوب الإسرائيلي، الذين يجمعون على أن الحرب لم تحل بشكل جذري مشكلة صواريخ غزة وكانوا يطالبون بعملية برية تسقط حكم حماس، أعلن نتنياهو عن تعيينه مدير عام مكتبه، هرئيل لوكير، رئيس طاقم لمعالجة البلدات والسكان، الذين تضرروا خلال الحرب والاهتمام بإعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي. ويشمل هذا الطاقم المديرين العامين لوزارات المالية والجبهة الداخلية والصناعة والتجارة والسياحة والداخلية والرفاهية والزراعة والوزارة المهتمة بشؤون النقب والجليل. ويعمل هذا الطاقم بموازاة العمل الذي يقوم به كل من مكتب رئيس الوزراء ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع عن الجبهة الداخلية، من أجل تحضير الجبهة الداخلية لمثل هذه الأحداث الأمنية.

وقال نتنياهو في هذا الصدد: «الصمود الذي أبداه المواطنون الإسرائيليون والسلطات المحلية كان عنصرا مهما في تحقيق أهداف العملية. يجب أن يتم الاهتمام بالسكان بشكل فعال وسريع. إنني أعي المحن والاحتياجات ونحن نعالجها. أتابع التعامل مع الجبهة الداخلية، وأوعزت لجميع الدوائر الحكومية والوزارات بالعمل السريع، ومن دون عوائق بيروقراطية، من أجل بدء العمل على الترميم الجسدي والنفسي وتقديم تعويضات مالية للمتضررين».

وكانت الصحافة الإسرائيلية قد خرجت، أمس، بمواقف بدت في غالبيتها ضد نتنياهو. فتساءلت صحيفة «معاريف» على صدر صفحتها الأولى «ماذا حققت إسرائيل بعد ثمانية أيام ونصف اليوم من الحملة، ولم تحققه في أول 12 ساعة من الحرب؟». وأجابت الصحيفة: «الجواب العلني هو أن رئيس الوزراء، ووزير الدفاع (إيهود باراك) ووزير الخارجية (أفيغدور ليبرمان)، إلى جانب مصر البناءة، جديرون بجائزة نوبل على التعاون في ما بينهم. والجواب بسيط هو تصفية أحمد الجعبري ومنصات (فجر 5) الذي هو أمر جيد، ولكنه كان صحيحا أيضا بعد 12 ساعة. النتيجة غير المقصودة هي تعزيز حماس وفصائل المقاومة الأخرى، ورفع مستواها إلى مستوى الجهة التي لا يمكن للساحة الدولية بعد اليوم أن تتجاهلها، والأخطر من ذلك، إضعاف السلطة الفلسطينية. الحكومة ضحت على المدى البعيد بسلام فياض لصالح إسماعيل هنية».

وأشارت الصحيفة إلى أن «الكثير من الأمور ستقال في الأيام المقبلة عن (ترميم الردع)، و(ضربة قاضية لحماس)، و(قواعد لعب جديدة)، و(حرب ضد الإرهاب)، و(العلاقة المحتمة مع إيران)، وتفاصيل جديدة تعرف على نحو أفضل ثمن إطلاق الصواريخ وما شابه. أما عمليا، فهذه ثرثرات متبجحة». وبينت الصحيفة أنه «في السنوات الست الأخيرة، كانت إسرائيل تقف أمام معضلة سياسية - أمنية في غزة، في أساسها معادلة بسيطة: انهيار حكم حماس وتصفيتها العسكرية يتطلبان اجتياحا لغزة والبقاء فيها لعدة سنوات. المعاني والآثار العسكرية، السياسية، الاقتصادية، الديموغرافية والإقليمية أكبر من المنفعة المشكوك فيها، وعليه فإن إسرائيل، وعن حق، لا تفكر في خطوة بعيدة الأثر كهذه. من الجهة الأخرى من المعادلة، يمكن الشروع في حوار سياسي متواصل مع حماس حول نظام أمني وربما تسويات سياسية بالنسبة لغزة. وإذا أخذنا بالحسبان الطابع الآيديولوجي لحماس، وميزاتها والتأثير الذي سيكون لذلك على استمرار وجود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فهذه ليست إمكانية معقولة أو مرغوبا فيها. وعليه، فإن إسرائيل تقف أمام وضع ليس لها فيه خيار بين بديلين سيئين، بل رفض مطلق لكليهما. من هنا، لم تكن لإسرائيل إمكانية غير تحديد أهداف ضيقة ومتواضعة».

وأنشأت «هآرتس» مقالا افتتاحيا، أمس، قالت فيه: «السياسة الإسرائيلية، التي تعتمد على العزل بين غزة والضفة، وبموجبها (الحياة الطيبة) في الضفة، يفترض أن تغري سكان غزة بإسقاط حكم حماس، ثبتت منذ زمن بعيد بأنها غير واقعية. ومثلها أيضا، الفهم الذي يعتقد أن الإرهاب في غزة مشكلة موضعية يمكن حلها بوسائل عسكرية تردع أيضا نشطاء الإرهاب في الضفة. سياسة (فرق تسد) التي تنتهجها إسرائيل في شطري السلطة الفلسطينية لم يعد يمكنها أن تضمن الهدوء والاستقرار، أو الخضوع والطاعة السياسية من جانب الفلسطينيين. وهكذا، حتى بعد أن يتحقق اتفاق وقف النار في غزة، ويعثر على المخربين الذين زرعوا العبوة في الباص في تل أبيب، لن يكون مفر من الصحوة المريرة: المفتاح لإحباط الإرهاب يوجد أساسا في القناة السياسية، وليس في استخدام القوة. طالما تنصب إسرائيل (القبة الحديدية) كبديل عن المبادرة السياسية، طالما تهدد بتصفية القيادة الفلسطينية، جسديا أو سياسيا، فإنها توجه الاحتجاج الفلسطيني نحو المظاهرات، والاضطرابات والعمليات الإرهابية».

وتحت العنوان «حامض حلو» كتب المحرر السياسي في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع: «بخلاف الانطباع الذي نشأ أمس، لا يوجد اتفاق وقف إطلاق نار ويبدو أنه لن يكون أيضا، بل يوجد التزام متبادل لوقف إطلاق النار ستجري بعده مباحثات بين مصر وإسرائيل حول احتياجات حماس ومطالبها واحتياجات إسرائيل ومطالبها. إذا ثبت وقف إطلاق النار، فقد تأذن إسرائيل باستيراد عدد من المنتجات إلى القطاع، التي لا يجوز استيرادها اليوم أو تبطل بعض عناصر الحصار، وما يفتح قد يغلق، ولا يتوقع أي شيء حاد في هذا المجال. إن احتمال أن تنضج هذه المباحثات لتصبح تفاهمات بين إسرائيل وحماس غير كبير، ففي حكومة إسرائيل يفترضون أنها لن تنضج. ويتعلق طول ثبات وقف إطلاق النار بطول ذاكرة الطرفين. فما بقيت حماس تتذكر وتستوعب قتلى مستواها القيادي، وما بقيت تحصي الصواريخ التي تم القضاء عليها والبيوت التي هدمت والمعاناة التي جلبتها على السكان، فهناك احتمال أن تحجم عن تجديد إطلاق الصواريخ وتكف جماح المنظمات الأخرى، وما بقوا في حكومة إسرائيل يتذكرون الخسائر والدمار المادي والثمن المالي الباهظ لأسبوع العملية، فهناك احتمال ألا تغرى الحكومة بإجراءات تتحرش بالطرف الثاني».

ورفض الكاتب ادعاءات الحكومة الإسرائيلية في الكثير من القضايا، فكتب: «مع كل الثناء على القبة الحديدية، كان يوجد شيء جديد جدا غير إسرائيلي في إدمان وسائل الدفاع. فقد نجحت حماس في جعل محاربتها باهظة التكلفة جدا، من جهة مالية ربما أبهظ من أن تحتمل. خصصت القبة الحديدية لتكون الوسيلة الأخيرة بعد فشل الجيش في إبطال مجرد إطلاق الصواريخ، وأصبحت هي الوسيلة الأولى في حالات كثيرة جدا. وأثبتت حماس قدرة على الصمود وقدرة على إطلاق أكبر مما توقعوه في الجيش الإسرائيلي. إن العملية لم تنته بتعادل من جهة عسكرية فقط، بل خلفت وراءها تركة حربية تستطيع المنظمات في غزة أن تفاخر بها».

ويضيف أن «نتنياهو تباهى قبل فترة بأنه يتولى رئاسة الوزراء منذ سبع سنوات لولايتين منفصلتين، من دون أن يدير حربا ولا عملية عسكرية. وكانت (عمود السحاب) هي العملية الأولى التي أدارها، فهل أدارها؟ نشك في هذا كثيرا. فالتلخيص الأولي للعملية يشير إلى عدة نقاط: ترك نتنياهو لباراك والجيش الإسرائيلي أن يديرا العملية كما يشاءان. وكانت الأهداف التي تم تحديدها متواضعة قابلة للتنفيذ وكان التنفيذ حذرا. وكانت مراوحة أخرت نهاية القتال بلا فائدة، لكن استقرار الرأي على الامتناع عن عمل بري وقبول وقف إطلاق النار كان صحيحا. إن الشيء الصارخ هو الفرق بين خطاب نتنياهو حينما كان رئيس معارضة وسياسته بالفعل. يسمي نتنياهو هذا (مسؤولية)، فرئيس الوزراء المسؤول يتنكر لكل ما وعد به حينما كان رئيس معارضة غير مسؤول. وهذا تفكير فاسد غير جدي. وقال ليبرمان إن الحكومة لم تأمر الجيش بإسقاط حماس بسبب قرب الانتخابات. وهذا الزعم أيضا كاذب ويحقر المسيرة الديمقراطية أيضا».