مصر تستعيد زمن فتوات نجيب محفوظ

ميدان التحرير يجمع فرقاء الأمس.. وأمام قصر الاتحادية الغلبة لـ«النبوت»

متظاهرون يرشقون قوات الأمن في التحرير بالحجارة أمس (رويترز)
TT

فيما بدت مصر، أمس، وكأنها تستعيد زمن فتوات نجيب محفوظ، حيث الغلبة للقوة و«النبوت»، وفي الوقت الذي انقسمت فيه الميادين والشوارع على نفسها ما بين مؤيد ومعارض للقرارات التي اتخذها الرئيس مرسي أول من أمس دشن بها سلطة مطلقة له في الحكم، فتح ميدان التحرير، أيقونة الثورة المصرية بالعاصمة القاهرة أبوابه مجددا، محتضنا الآلاف من المتظاهرين من مختلف التيارات السياسية، جمعهم هدف واحد وهو رفض القرارات الأخيرة التي اتخذها مرسي، مؤكدين أنها تكرس لدولة الديكتاتورية، وتقضي على مشروع دولة الديمقراطية والقانون.

وفي الوقت الذي احتضن فيه الميدان الصنديد برحابة صدر فرقاء وألداء سياسيين من قادة أحزاب وحركات ثورية، ممن اختلفوا ما بين التأييد والنقد لسياسات المجلس العسكري السابق، كان المشهد أمام قصر «الاتحادية» الرئاسي بضاحية مصر الجديدة أشبه بزمن فتوات نجيب محفوظ، بعد أن استبدلوا بنبوت الفتونة عباءة الدين وعصا الشريعة، موقنين بأنها سلاحهم الحاسم في الانتصار على خصومهم المناوئين في ميدان التحرير.

كان لافتا في المشهد التحريري ظهور شخصيات لأحزاب محسوبة على النظام السابق ومؤيدين للمرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق، وكأنهم في سباق مع الزمن لإنقاذ مصر، من مرمى خطر محدق. وتحت رنين الشعارات المدوية عبر الجميع عن توافقهم، ورغبتهم في عدم تكرار أخطاء الماضي.

لكن هذه الرغبة رغم عدم قصديتها وانفتاحها على الواقع بحيوية، تلاشى صداها في محيط قصر الاتحادية الرئاسي أمام يقين واحد لا بديل عنه، اختزل الدين في غلبة القوة والفتونة تحت عباءة الإسلام، وفي حرب شعارات تناثرت شظاياها بين الطرفين، تحت أقنعة الثورة ومصلحة الوطن. كان الإيجابي فيها روح المراجعة والاعتراف بالخطأ والتي تبدت في أقوال كثير من المتظاهرين في التحرير.

أحمد خيري، طالب جامعي يقول: «أعطيت صوتي لمحمد مرسي، وأشعر الآن بالندم الشديد.. مرسي لا يصلح رئيسا لمصر».. وفي المقابل تقول إحسان محمد (34 عاما): «اليوم كل هؤلاء الذين كانوا يلومونني على اختيار الفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية السابقة يتمنون الآن لو أنهم فعلوا مثل ما فعلت»، وتتابع إحسان وهي تعمل بإحدى المصالح الحكومية بالقاهرة: «نحن الآن بصدد ديكتاتور جديد ولكن بعكس النظام السابق فالديكتاتور الذي يريد أن يخلقه الإخوان سيكون بجانب تحكمه في القوانين والدولة ستكون وراءه جماعة دينية تكفر كل من ينتقده أو يقف ضده».

وبينما يستمر شباب صغار السن في إلقاء الحجارة على جنود الأمن قرب وزارة الداخلية تواصل إحسان بنبرة أسى: «مرسي وعدنا بالحرية والديمقراطية والناس صدقت ولكن ما يحدث الآن هو أنه يتحكم في السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية كلها في يده».

وعلى بعد خطوات قليلة من المكان الذي تقف فيه إحسان، راح أسامة حسين (23 عاما) يهتف: «احلق دقنك بيّن عارك هتلاقي وشك وش مبارك». وتابع قائلا: «نحن وقفنا في وجه مبارك والمجلس العسكري والآن سنقف في وجه مرسي ولن نترك أي أحد مهما كان يتفرد بحكم البلاد».

وبينما يدافع سعد فرج عن مرسي بصوت خفي بين المتظاهرين ويقول: «الناس كانت عاوزة الرئيس يقيل النائب العام ولما أقاله تقوله بيسيطر على القضاء يعني نعمل ايه معاكو مفيش حاجة بتعجبكوا»، تقول أماني أشرف، وهي منتقبة، : «إحنا عاوزين نشيل مرسي.. الفقر زي ما هو والجو زي ما هو ومفيش حاجة تغيرت». لكن أحمد محمد، صاحب أحد المحلات بميدان التحرير يتابع: «يريدون أن يرحل مرسي وعندما يأتي جديد سيطالبون برحيله أيضا لا بد أن يبقى الرئيس حتى يكمل مدته وتستقر البلاد»، لكن أماني تقول في المقابل: «أنا هاعتصم هنا مش رايحة الشغل مش لازم العيال تاكل ما هو لو مامتوش من الجوع هيموتوا تحت عجلات القطر».