لأول مرة في عاشوراء.. معاناة العراقيين موضوعا في أناشيد زوار كربلاء

ينتقدون الفساد والخلافات السياسية ونقص الخدمات

جنود عراقيون يفتشون زوارا شيعة في كربلاء أمس (أ.ب)
TT

من العتبة العباسية، إلى العتبة الحسينية، يسير زوار كربلاء الشيعة في مجموعات تردد أناشيد اختاروا أن يمزجوا فيها هذا العام بين مأساة الإمام الحسين قبل نحو 1330 عاما، ومعاناة العراقيين اليوم.

وبصوت واحد، تهتف مجموعة مؤلفة من مئات الرجال الذين ارتدوا ثيابا سوداء حدادا على الإمام الحسين، ثالث الأئمة المعصومين لدى الشيعة، شعرا شعبيا موزونا على وقع الضرب بحركة إيقاعية على الصدور. ويقول هؤلاء: «ألف ليلة وليلة خلصت، وما خلص هم العراق، والرئاسات الثلاث ما حصل عندهم وفاق، كلها تركض على المناصب، والشعب حصته المتاعب، يا حسين وياك (معك) للموت، للموت وياك».

وتغص كربلاء الواقعة إلى جنوب بغداد منذ أيام بمئات آلاف الزوار الشيعة الذين يسيرون في شوارعها ضمن مواكب يطلق عليها اسم «المواكب الحسينية»، في مراسم سنوية بلغت ذروتها الليلة الماضية. وعادة ما تحمل الأناشيد بعض الإسقاطات السياسية، إلا إنها المرة الأولى التي يمزج فيها الزوار بهذا الشكل تفاصيل معاناتهم اليومية بذكرى العاشر من محرم.

ويقول حامد ميري الذي يقود أحد المواكب الحسينية في منطقة العباسية في كربلاء لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد أخذنا على عاتقنا تجسيد ثورة الإصلاح التي نهض بها الإمام الحسين قبل أكثر من 1330 عاما، من أجل تحقيق الإصلاح هنا»، ويضيف: «علينا اليوم أن لا نكتفي بإحياء وقفته باللطم والعزاء وتوزيع الأطعمة فقط؛ وإنما بإطلاق صرخات عالية لإصلاح الأنظمة الحاكمة»، مشيرا إلى أن «تزايد الفساد والتدهور في البلاد دفعنا إلى زيادة الأناشيد لانتقاد الأوضاع».

وتأتي ذكرى عاشوراء هذا العام في وقت يعيش فيه العراق منذ أشهر على وقع أزمات سياسية متلاحقة، عنوانها الصراع على السلطة بين مكوناته والمحاصصة المذهبية والطائفية التي باتت تطبع نظام الحكم فيه. ويولد هذا الصراع سخطا لدى عامة الشعب الذي يواجه نقصا كبيرا في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة في بلاد غنية بالنفط تبلغ موازنتها السنوية نحو 100 مليار دولار.

ويعلو خلف ميري صوت المشاركين في الموكب وهم يهتفون بصوت واحد: «نبني البنى التحتية بجدارة، ندري الدفع بالأجل خسارة، فلوس النفط جاوين (أين)، وتغرقونه بالدين». ويضيف هؤلاء: «الفساد المالي فد عمله ويه (عمله يوازي) الإرهاب، على من تعتب ومن يسوه العتاب (من نعاتب)، وحك اجفوف (بحق يدي) العباس، سمجنا (اسماكنا) فاسد الراس». ويقولون في هتاف آخر: «بكت كلشي (أخذت كل شيء) وتريد تبوك (تأخذ) صوتي، ما خليك لو حتى على موتي، تخالف الدستور يلي اصعدت بالزور، يا بو اليمة يا بو اليمة (أيها الإمام) هاك اسمع حجينا (اسمع حكينا)».

وإلى جانب النقص في الخدمات، يشهد العراق منذ اجتياحه على أيدي قوات تحالف دولي قادته الولايات المتحدة عام 2003، أعمال عنف يومية تشمل الاغتيالات وتفجير العبوات والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، قتل فيها عشرات الآلاف. كما يعتبر العراق الذي يبلغ عدد سكانه نحو ثلاثين مليون نسمة أحد أكثر دول العالم فسادا بحسب تقارير منظمة الشفافية الدولية، حيث يستشري الفساد في المؤسسات الحكومية من أعلى إلى أدنى درجاتها.

ومؤخرا قرر العراق إعادة التفاوض مع روسيا بشأن صفقة تسليح ضخمة بسبب شبهات فساد. ولم يستثن زوار كربلاء هذه الصفقة من أناشيدهم. وقالت إحدى المجموعات: «صفقات السلاح انكول (نقول)، يا فاسد لعب بيها (تلاعب فيها)، واجب على الحكومة صار تحكي ولا تغطيها، كافي موجزه (لا يجوز)، الفاسد لا احد يرده».