إصلاحات متأخرة لطرقات كابل تؤرق حياة 5 ملايين نسمة

مشروع طموح للعاصمة الأفغانية تموله اليابان يوفر فرص عمل لجيش من العاطلين

تلميذات يمررن على جسور خشبية وضعت مؤقتا فوق خندق لتصريف المياه في كابل (واشنطن بوست)
TT

في أي يوم عادي، تعاني شوارع كابل من الاختناق المروري وتنبعث منها روائح كريهة بسبب انسداد المصارف، وتكون مكتظة بعربات تحمل البطاطس أو السترات المستعملة. يتنقل المتسوقون وأطفال المدارس وراكبو الدراجات وسط هذه المتاهة المحفوفة بالمخاطر، واضعين حياتهم على أكفهم في المعتاد.

ومع سوء هذا الوضع، فإن المحنة قد ازدادت سوءا. على مدار الشهرين الماضيين، أخذت البلدوزرات والجرافات تحفر في عشرات من شوارع المدينة المزدحمة لإنشاء أنابيب تصريف جديدة وإدخال أكوام من الحصى والقاذورات وألواح الفولاذ المتشابكة في المنتصف. اندفع العمال بأعداد كبيرة بين خطوط المواصلات، وأخذوا يقفزون داخل وخارج خنادق التصريف وهم يصيحون في جلبة.

من المنتظر أن ينتج المشروع الطموح، الذي تبلغ تكلفته 45 مليون دولار، والذي يمول معظمه من قبل حكومة اليابان ويشرف عليه مكتب عمدة كابل، 60 ميلا من الطرق الممهدة وشبكات الصرف الصحي الحديثة في عاصمة عتيقة هاجمتها الحروب وازداد فيها تعداد السكان بشكل هائل من مليوني نسمة إلى خمسة ملايين في العقد الماضي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه حتى الآن لم ينتج عنه سوى حالة من الفوضى والشكاوى.

«لا أستطيع النمو ليلا لأن صوت الماكينات عال جدا، وأشعر بالاختناق نهارا بسبب الغبار»، هكذا تحدث مير حظرت، 70 عاما، الذي يعمل في أحد المساجد بحي خليفة الله، ويمضي هو وصديقه فهيم حسيب الله، ضحية الألغام الأرضية الذي فقد ساقه ويجلس على كرسي متحرك، أيامهما على الرصيف، يتابعان سير العمل. ويقول مير بنبرة تشاؤمية: «آمل فقط أن ينتهوا قبل حلول الشتاء».

تحتدم الجلبة على طول المنطقة التجارية الممتدة لمسافة 10 بنايات بين شارعي خليفة الله وشاريناو، حيث تصطف محال متنوعة، ما بين مخابز وصالونات حلاقة وأسواق سمك وورشات سمكرة، إلى صالونات موضة يظهر بواجهات عرضها مانيكانات في ملابس مزدانة بالترتر.

يمتلك محمد إسماعيل، 65 عاما، مكتب عقارات فخما بأحد البنايات الأكثر تضررا من أعمال الإصلاحات. وفي ظل عدم قدوم عملاء، أمضى الأسبوع الماضي في مشاهدة العمال يدخلون الألواح المعدنية في خندق التصريف الموجود أسفل عتبة باب دكانه. وقال: «كان عليهم أن يقوموا بذلك قبل عام. الأجانب يغادرون البلاد الآن والعمل متوقف، ولا يمكنني أن أجد مكانا لوقف سيارتي».

على غرار جميع المشروعات التي يتم تنفيذها هنا، أوجد العمل في الشوارع هرما اقتصاديا يعكس التفاوت الطبقي الهائل في المجتمع الأفغاني اليوم. في قاعدة الهرم، نجد العمال الذين يرتدون ملابس العمل؛ بعضهم في الستينات من العمر، ممن يحصلون على 8 دولارات فقط يوميا نظير حفر الخنادق وحمل الحمولات. وقال كثير منهم إنهم كانوا عاطلين قبل بدء المشروع.

قال محمد كريم، 38 عاما، وهو يتكئ على مجرفة: «أشعر بأنني قد حالفني الحظ بحصولي على هذه الوظيفة». وأشار إلى أنه ترك المدرسة بعد الصف الثالث، وأنه يعمل بيديه منذ ذلك الحين. أمضى سنوات في العمل بالبناء في إيران، لكن تأشيرته قد انتهت صلاحيتها العام الماضي وتم ترحيله. تعيش زوجته وأبناؤه الستة في شمالي تخار، ويستقل حافلة لرؤيتهم مرة كل شهر. ويقول كريم: «أمنحهم المال الذي يحتاجونه لشراء الطعام، ثم أعود مجددا».

وفي أعلى قمة الهرم الاجتماعي، يوجد المديرون ومفتشو السلامة ومهندسو المواقع، الذين يرتدون سترات لونها أصفر زاه ويحملون أجهزة كومبيوتر محمولة. وتضم تلك الفئة أيضا الطلاب الجامعيين الأفغان الذين يعملون بنظام الدوام الكامل والباكستانيين الذين أتى بهم المقاولون بسبب العجز في عدد الأفغان المهرة المطلوبين للقيام بمهام تقنية، حتى بعد عقد من المساعدات الدولية والبرامج التعليمية.

يقوم ضباط الأمن وشرطة المرور في كل موقع عمل بمهمة شبه مستحيلة.. ففي عاصمة تعج بالرجال أصحاب النفوذ الذين يستقلون عربات «اللاند كروزر» ويحملون السلاح، يبدو التوسل إلى السائقين العدوانيين من أجل انتظار مرور بلدوزر أو تجنب الطريق الرئيسي بمثابة عمل غير ذي جدوى.

«كثيرا ما يوجه إلينا وابل من الشتائم. أدخل في مجادلات مع السائقين وحراس الأمن طوال الوقت»، هكذا تحدث موحد أنواري، وهو مهندس في الموقع الكائن في حي خليفة الله. وأضاف: «المسؤولون الحكوميون هم أكبر مصدر إزعاج لنا. فهم يصرون على المرور ولا يسمحون لنا بإتمام عملنا».

أحيانا ما يكون الرجال الذين يستقلون سيارات متعددة الأغراض، مقاولي بناء، أو أعضاء من النخبة الجديدة في كابل ممن لهم مكاتب في أحياء راقية تم رصف شوارعها منذ فترة طويلة. وهم يجوبون مواقع العمل عدة مرات يوميا يرافقهم حرسهم الخاص ويملون أوامرهم عبر الأجهزة اللاسلكية، بينما يخترقون أكوام القمامة مرتدين أحذيتهم اللامعة.

يذكر أن صاحب فكرة المشروع، أفغاني من المدرسة القديمة، وهو مهندس ذو لحية رمادية ونائب العمدة، ويدعى عبد الأحد وحيد. يؤكد وحيد، وهو يشير إلى خرائط المدينة التي تغطي جدران مكتبه، أن هناك طريقة ممكنة وسط الحالة الجنونية التي قد أحالت أجزاء من العاصمة التي لحق بها الدمار إبان الحرب الأهلية في تسعينات القرن العشرين، إلى شريط ألغام وساحة قتال.

غير أن وحيد لا يملك سوى وقت محدود لشرح أدق النقاط في خطة كابل الرئيسية، التي تتمثل في تطوير البنية التحتية للمدينة تدريجيا بدعم من اليابان والبنك الدولي.. فهو منشغل جدا بتأخيرات العمل والاختناقات المرورية ومئات المشكلات الأخرى التي تظهر حينما يغزو جيش صغير من الرجال والماكينات مدينة ذات كثافة سكانية عالية ويحاولون إغلاق عشرات الشوارع.

يقول وحيد: «لقد زاد تعداد السكان بسرعة فائقة إلى حد أن المدينة بأكملها باتت في حالة اختناق. ليست لدينا طرق بديلة يمكننا أن نحول إليها جزءا من الازدحام المروري». ونتيجة لذلك، فإن مراحل المشروع ما زالت تتأخر عن الموعد المحدد لإتمامها. وقال: «نحن بالفعل نضغط على المقاولين بشدة. أخبرتهم بأن علينا أن ننتهي من العمل قبل حلول الشتاء. إذا ما عملوا ورديتين نهارا وليلا، ربما نتمكن من إتمام العمل في الموعد المأمول».

لقد كانت الحالة المتردية لكثير من الشوارع المليئة بالقاذورات في كابل، التي تتحول إلى غبار في الصيف وطين في الشتاء، مثار انتقاد شعبي على مدى سنوات. لكن الآن، بعد بدء حدوث تحسن، على حد قول وحيد: «لا نتلقى شيئا سوى شكاوى. خلال العامين الماضيين، قمنا برصف 400 ميل من الطرق وبنينا خمسة جسور وأول جسر علوي في أفغانستان، ولكن لا يزال الجميع غير راضين».

عمل نذير محمد، 40 عاما، في صالون الحلاقة الخاص بأسرته في «خليفة الله» لنصف عمره. وقد شهد الحرب الأهلية تدمر الشوارع، وقمع حركة طالبان يجعلها خالية من المارة. وعلاوة على ذلك، فهو أيضا في حالة من الضيق بسبب الفوضى أمام محله، ويخشى من أن لا يفيد التحسن كثيرا في إنقاذ اقتصاد المدينة، في ظل هجرة القوات الأجنبية والمساعدات والاستثمارات.

لكن على غرار كثير من الأفغان، يملك محمد القدرات الواسعة للنجاة. لقد أبقى الأنوار المتلألئة مضاءة أعلى الأرفف التي يضع عليها كريم الحلاقة والكولونيا، ووضع لوحا خشبيا على الفجوة بين المدخل والشارع.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»