الشيعة يغيبون عن مراسم عاشوراء في مقام السيدة زينب بدمشق

لجان «التشبيح» الشيعية والدعم الإيراني يؤججان الحقد الطائفي في سوريا

TT

اعتبر ناشطون سوريون تداول صورة لمراسم عاشوراء في محيط الجامع الأموي وسط مدينة دمشق القديمة أقامها أبناء الطائفة الشيعية في سنوات سابقة، «نوعا من الاستفزاز وتأجيج المشاعر الطائفية» إذ تأتي بالتزامن مع مناسبة عاشوراء التي يحييها الشيعة في سوريا في مقامي السيدة رقية خلف الجامع الأموي وفي مقام السيدة زينب بريف دمشق - جنوب - مع الإشارة إلى أن مواكب عاشوراء في السيدة رقية لم تكن تسير في محيط الجامع الأموي قبل تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة، مراعاة للحساسيات الطائفية كون جامع بني أمية يقع في محيط متعدد الطوائف والأديان ويغلب عليه السنة. وكانت تجمعات العزاء الكبرى أيام الرئيس الأب حافظ الأسد تقتصر على الحسينيات وعلى مقام السيدة زينب الذي يقصده الحجاج الشيعة مختلف الأنحاء لا سيما إيران والعراق. كما دأب المسؤولون الإيرانيون لدى زيارتهم لسوريا على أن يكون ضمن جدول الزيارة الرسمية زيارة لمقام السيدة زينب، ولاحظ مراقبون أنه، وخلافا للعادة لدى زيارة أي مسؤول إيراني تتزامن مع مناسبة دينية شيعية؛ لم يقم رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني والوفد المرافق له بتقديم العزاء بمناسبة عاشوراء، ولم يأتِ الإعلام على ذكر ما إذا شارك أو لم يشارك في العزاء في مقام السيدة زينب الذي يبعد عن مطار دمشق بضعة كيلومترات، في حين ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية واللبنانية الممولة من إيران أن لاريجاني الذي زار إسطنبول يوم أمس لإجراء لقاءات ومحادثات مع كبار المسؤولين الأتراك، شارك في التجمع الكبير في مراسم العزاء الحسيني، وقالت قناة «المنار» التابعة لحزب الله إن لاريجاني لدى وصوله المطار في إسطنبول «قدم العزاء بمناسبة عاشوراء، ذكرى استشهاد الإمام الحسين، وقال إنه خلال زيارته إلى إسطنبول، التي استغرقت يوما واحدا، سيجري لقاءات ومحادثات مع كبار المسؤولين الأتراك بشأن أهم قضايا المنطقة، بعد مشاركته في مراسم العزاء الحسيني في هذه المدينة وإلقاء كلمة بهذه المناسبة».

وتدور في منطقة السيدة زينب اشتباكات عنيفة بين مقاتلي الجيش الحر الذين يتمركزون في البلدات المحيطة بمدينة السيدة زينب وقوات النظام واللجان الشعبية المشكلة من أبناء الطائفة الشيعية المتمركزة في السيدة زينب، وبينهم عناصر غير سورية، ويطلق أبناء المنطقة على تلك اللجان اسم لجان «الطائفية»، وتتألف من شبيحة الشيعية الذين يتولون القيام بالمهام القذرة بالوكالة عن الأجهزة الأمنية، وساهمت تصرفاتهم، بحسب ما يقوله الناشط حسام البويضاني، من بلدة البويضة: «هؤلاء ارتكبوا مجازر قتل طائفي بالسكين في بلدة الذيابية وفي البويضة وقاموا بأعمال إجرامية متوحشة، لقد زرعوا حقدا طائفيا على الشيعة عموما وليس على الشبيحة منهم فقط»، ويشير حسام إلى أن هذا أخطر ما تعرض له ريف دمشق والأحياء الجنوبية التي تحتضن الفقراء من كل الطوائف ومن مختلف المناطق والبلدان، مضيفا: «اليوم مقاتلو الجيش الحر في منطقة السيدة زينب ومحيطها يشعرون بالنقمة على الشيعة الموالين للنظام أكثر من نقمتهم على العلويين الداعمين للنظام»، ويضرب مثالا على أحد الحواجز للجيش الحر: «تم الأسبوع الماضي توقيف رجل مسن دل اسمه على أنه شيعي فقام المقاتلون عند الحاجز بسؤال رفاق لهم عما إذا كان مطلوبا له، فجاء الرد بأن أخلوا سبيله، كونه عراقيا ومسنا، ولكن المقاتل عند الحاجز لم يفوِّت الفرصة ليلقي على مسامعه أسئلة تحمل كثيرا من الضغينة والعتب على الشيعة الذين يساندون النظام، وقال له: لن أقتلك ولن أنتقم لأهلي، ولكن لماذا تكرهوننا؟ ماذا فعلنا لكم؟ الرجل المسن تلعثم وارتبك كثيرا قبل أن يقول له: مثلنا مثلكم نحن أيضا مظلومون»، ويتابع حسام: «ليس دائما تكون النتيجة على هذا النحو، خاصة إذا تزامن القبض على شيعي عند الحاجز عقب مجزرة أنه يمثل صيدا ثمينا».

ويشار إلى أن الانقسام الذي طرأ على كل المكونات السورية ما بين مؤيد للنظام ومعارض له، كذلك حصل بالنسبة للطائفة الشيعية التي تعتبر من الأقليات القليلة، وقد جند النظام كثيرين من أبناء القرى الشيعية في ريف حمص وريف حلب وريف دمشق في صفوف الشبيحة، وأطلق يدهم في القتل. وبالأخص منهم الموالون لإيران وحزب الله، وزاد ذلك في الحقد عليهم الذي سحب على كل الطائفة، علما بأن هناك ناشطين ضالعين بالثورة من الشيعة منهم الشاب مصطفى كرمان الذي قتل في حلب الأسبوع الماضي، وكان لمقتله وقع الفاجعة عند الناشطين السوريين، إذ يعتبر كرمان شهيد الثورة السلمي، وقضى إثر سقوط قذيفة على مظاهرة كان مشاركا فيها في حي بستان القصر وكرمان الذي يكمل شهرا على زواجه، له صفحة معارضة شهيرة «كش ملك» وكان يصر على رفض الانتماء للطائفة ويؤكد أن الانتماء لسوريا، ومثالا على ذلك يروي أحد رفاقه: «عندما خرج قائد إحدى كتائب الجيش الحر في بستان القصر ليخطب بالمتظاهرين مبررا اختطافه لإحدى الفتيات الشيعيات بحجة مبادلتها مع أسرى من الجيش الحر مع أنها، على حد قول القائد، لم ترتكب جرما أبدا ولم يتعرض لها أحد سوى أنها في زنزانتها (معززة مكرمة) لحين إتمام إجراءات تبادل الأسرى صعد الدم إلى رأسي بعد هذا الخطاب، ونكزت مصطفى من جانبي وألححت عليه أن يخرج «على المايك» ليبرز هويته الشيعية، ويخاطب قائد الكتيبة محتجا، فنظر إلي بابتسامة هادئة وقال: اخرج أنت وتكلم، أنا لست شيعيا أنا سوري.. ولن أسمح بالمتاجرة بانتمائي الطائفي مهما حييت».

وهذا العام ونتيجة للتفاقم حالة الفوضى والانفلات الأمني في مختلف أنحاء الريف الدمشقي وتصاعد التوتر الطائفي لم تُقَم مجالس العزاء كما جرت العادة في مقامي السيدة زينب والسيدة رقية والحسينيات الكبرى، واقتصر على المنازل والحسينيات في الحارات الداخلية المغلقة، واتشحت المقامات الدينية الشيعية في مدينة دمشق بالسواد إحياء لشهر الحسين، كما علقت عبارات ولافتات تتحدث عن المناسبة داخل المقامات؛ ففي مقام السيدة رقية في حي العمارة والواقع خلف الجامع «الأموي» تم تغيير الثوب الخارجي للضريح، كما قاموا بتعليق الأقمشة السوداء على أعمدة المقام ورايات وأعلام سوداء تتضمن عبارات عاشورائية، كما أقاموا مجالس العزاء التي تبدأ يوميا بعد صلاة الفجر، وتلقى خلالها محاضرات ومواعظ دينية لأحد العلماء الإيرانيين ولطميات من وحي المناسبة داخل المقام. وأما الشيعة من أبناء حي «الأمين» وحي الصادق في باب توما وحي زين العابدين في المهاجرين، الذين كانوا يحيون مناسبة عاشوراء على مدى السنوات الماضية في مقام السيدة رقية؛ فقد منعهم التوتر الأمني من المشاركة فاكتفى بعضهم بإقامة مراسم عزاء مركزية في الحي الذي يقيم فيه. كما اتشح مقام السيدة زينب هو الآخر بالسواد وعلقت على مداخله لافتات سوداء، وبدا واضحا انعكاس الأوضاع الأمنية على مراسم ومظاهر إحياء عاشوراء مع غياب وفود الحجاج الشيعة من إيران ولبنان والعراق والبحرين.

وشهدت الشهر الماضي منطقة السيدة زينب الشعبية المكتظة عدة تفجيرات خلفت دمارا كبيرا، كما تتواصل فيها الاشتباكات العنيفة، مع مواصلة قوات النظام استهداف مواقع فيها بالقذائف المدفعية. مع تردي في كل الخدمات لا سيما الاتصالات والكهرباء.