مرسي يتمسك بتوسيع صلاحياته.. والبرادعي يحذر من تأزم الموقف

الرئاسة المصرية قالت إنها «مؤقتة» ودعت لأرضية مشتركة مع القوى السياسية

متظاهر يتفادى إطلاق قنابل مسيلة للدموع من جهة الشرطة في ميدان التحرير أمس (رويترز)
TT

أعلنت الرئاسة المصرية أمس تمسكها بقرار الرئيس محمد مرسي في توسيع صلاحياته، وقالت إنها «مؤقتة»، وشددت على أن الصلاحيات التي قررها في إعلان دستوري يوم الخميس الماضي جاءت لـ»الضرورة»، كما دعت الرئاسة أيضا إلى أرضية مشتركة مع القوى السياسية. يأتي هذا، فيما استمر غموض الموقف السياسي في البلاد، وذلك بعد نحو 5 أشهر من خلافة الحكام الإسلاميين لنظام الرئيس السابق حسني مبارك الذي ترك السلطة عقب احتجاجات شعبية جرت قبل 20 شهرا.

وبينما واصلت العديد من القوى السياسية والفئوية والقضائية رفضها قرار مرسي، توسيع صلاحياته الحاكمة، قالت مصادر الرئاسة المصرية إن مرسي متمسك بقراره ولن يتراجع عنه، لكنه يدعو القوى المختلفة للحوار، على الرغم من اشتراط المعارضين سحب الإعلان الدستوري الأخير أولا. ولم يستبعد الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب «الدستور» تدخل الجيش لاستعادة النظام إذا خرجت الأمور عن السيطرة، بينما أكد الجيش مجددا أمس، على لسان وزير الدفاع عبد الفتاح السياسي، أن ولاء القوات المسلحة الوحيد «يكون للشعب».

وفي وقت شددت فيه مصادر الرئاسة المصرية لـ«الشرق الأوسط» أمس على أن مرسي لن يتراجع عن الإعلان الدستوري، وأن الصلاحيات التي منحها لنفسه «مؤقتة»، أكد بيان أصدرته الرئاسة باللغة الإنجليزية ووزعته على المراسلين الأجانب المعتمدين لديها في القاهرة أن الهدف من الإعلان الدستوري والقرارات والقوانين التي أصدرها الرئيس محمد مرسي يوم الخميس الماضي هو تحقيق تطلعات الشعب المصري، وكفالة التعهد بإنجاح عملية التحول الديمقراطي، وأن «هذا الإعلان الدستوري يعد ضروريا لمحاسبة المسؤولين عن الفساد بارتكاب الجرائم الأخرى أثناء حكم النظام السابق خلال الفترة الانتقالية، بالإضافة إلى أن هذه الإجراءات ستحفظ حقوق الشهداء والمصابين وهو ما يعد قضية أساسية لدى الرأي العام المصري».

وتابع البيان الذي بثته «وكالة أنباء الشرق الأوسط» المصرية الرسمية أن رئاسة الجمهورية تؤكد مجددا على الطبيعة المؤقتة لهذه الإجراءات المذكورة التي لا تعني الاستحواذ على السلطة أو تركيزها في يد الرئيس. وأضاف البيان أن الإعلان الدستوري يهدف أيضا إلى «الحفاظ على حيدة القضاء وتجنب عملية تسييسه»، وأن مؤسسة الرئاسة تؤكد التزامها القوي بـ«إشراك جميع القوى السياسية في حوار ديمقراطي شامل للتوصل إلى أرضية مشتركة وعبور الفجوة من أجل التوصل إلى إجماع وطني حول الدستور الذي سيكون بمثابة حجر الأساس الذي ستقوم عليه المؤسسات الحديثة في مصر».

وعضد قرارات مرسي والإجراءات التي اتبعها العديد من القيادات الحزبية الإسلامية خاصة من حزب الحرية والعدالة الإخواني وحزب النور السلفي، وعدد من قيادات الحكومة ومجلس الشورى، متهمين قوى المعارضة التي بدأت في الاحتشاد في الميادين وتعليق العمل في القضاء، بتعمد تعطيل دولاب العمل وإجهاض حكم الرئيس مرسي ومجابهة المشروع الإسلامي.

ومن جانبهم واصل قضاة مصر التعبير عن غضبهم من الإعلان الدستوري الذي اعتبره المجلس الأعلى للقضاء «اعتداء» على استقلال هذه الهيئة. وتباينت استجابة القضاة الأحد لدعوة نادي القضاة السبت لوقف العمل، فبينما علقت محاكم الإسكندرية ودمنهور عملها تنفيذا لقرارات النادي واصلت محاكم أخرى في أنحاء مختلفة من البلاد العمل بصورة طبيعية.

وقال أحد القضاة لوكالة الصحافة الفرنسية: «ذهبت لمقر عملي بانتظار قرار من الجمعية العمومية لمحكمتي بتعليق العمل». وتعقد الجمعيات العمومية للمحاكم اجتماعاتها تباعا الأحد والاثنين. وأكد بيان مجلس رؤساء محاكم الاستئناف على مستوى البلاد أن «الإعلان الدستوري الصادر من الرئيس مرسي يعد تدخلا في أعمال السلطة القضائية واختصاصاتها وإهدارا لحصانة القضاء وعصفا باستقلاله». وقال البيان: «إن هذا الإعلان الدستوري يأتي على نحو غير مسبوق وبالمخالفة لكل المواثيق والأعراف الدستورية التي اختير على أساسها مرسي رئيسا شرعيا منتخبا لمصر».

وعقد المجلس الأعلى للقضاء اجتماعا عاجلا لمناقشة أمر وقف العمل.

من جهة أخرى، قال التلفزيون المصري الرسمي إن مرسي عقد اجتماعا ثانيا مع مستشاريه ومساعديه لبحث تطورات المشهد السياسي في أعقاب الإعلان الدستوري الذي أصدره. لكن الدكتور ياسر علي المتحدث الرسمي باسم رئاسة للجمهورية أوضح أن الاجتماع يأتي في إطار اجتماعات الرئيس الدورية بأعضاء الهيئة. وأكد بيان لعدد كبير من الأحزاب والحركات المدنية، من بينها حزب الدستور (أسسه محمد البرادعي) والتيار الشعبي (أسسه حمدين صباحي)، مطالب المعارضة الثلاثة وهي: «إسقاط الإعلان غير الدستوري والديكتاتوري الذي أصدره الرئيس مرسي»، و«إسقاط اللجنة التأسيسية لوضع الدستور»، و«إقالة وزير الداخلية وإعادة هيكلة الداخلية».

واتهم البيان الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بـ«التعنت وتجاهل مطالب القوي السياسية والوطنية واستمرار استخدام العنف والقوة المفرطة من قبل وزارة الداخلية ضد المعتصمين السلميين بميدان التحرير وإلقاء القبض عليهم». وأوضحت الأحزاب والحركات المدنية أنها ستعقد «فعاليات ثورية» في ميدان التحرير خلال اليومين المقبلين قبل «المليونية» التي دعت إلى تنظيمها الثلاثاء في الميدان.

وبينما أصدر حزب البناء والتنمية التابع لـ«الجماعة الإسلامية»، مبادرة دعا فيها القوى الوطنية، لاحتواء أزمة الإعلان الدستوري، واصلت شخصيات محسوبة على التيار الإسلامي تقديم بلاغات للنائب العام الجديد ضد الرموز السياسية ومن بينهم مرشحون سابقون للرئاسة وقيادات حزبية؛ ومن بينها بلاغات ضد الدكتور البرادعي، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد، وحمدين صباحي المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، إضافة إلى المستشار أحمد الزند رئيس نادي قضاة مصر، وغيرهم.

وصرح الدكتور البرادعي لوسائل إعلام غربية أن إعلان الرئيس مرسي الأخير بتوسيع صلاحياته يحوله إلى «فرعون مصر الجديد». وحذر البرادعي من اندلاع اضطرابات عنيفة إن لم يتراجع الرئيس عن قراراته الأخيرة التي تمنحه سلطات مطلقة. وقال البرادعي حول دور الجيش في التطورات الأخيرة، إنه على يقين أن الجيش قلق على الوطن، و«لا أستبعد أن يتدخل لاستعادة النظام وحفظ القانون إذا خرجت الأمور عن السيطرة». من جانبه، قال وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، إن المهمة الرئيسية للجيش تكمن في الدفاع عن أراضي الوطن وحماية الأمن القومي خارجيا وداخليا، مؤكدا أن ولاء القوات المسلحة الوحيد يكون لشعب مصر. وكان السيسي يتحدث خلال اللقاء الذي جمعه مع دارسي كلية القادة، بحضور رئيس الأركان صدقي صبحي، وقادة الأفرع الرئيسية، وعدد من قادة القوات المسلحة وضباط من المناطق العسكرية والجيوش الميدانية.

وقد تأثرت البورصة المصرية بشدة بالتطورات السياسية، إذ انخفض مؤشرها الرئيسي (إيجي إكس30) الأحد بنسبة بلغت 59.9% في المائة ليصل إلى 4917 نقطة، ما اضطرها إلى وقف التعامل لمدة نصف ساعة حسب موقع البورصة.

ويعد هذا التراجع في سوق المال الأكبر منذ الانخفاض الحاد الذي شهدته البورصة أثناء الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) 2011، فقد خسرت حينها 30% من قيمتها.