فيصل بن معمر: مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان يلامس القضايا الملحة والقواسم المشتركة

قال لـ «الشرق الأوسط» إن العاصمة النمساوية تشهد اليوم تدشين المركز العالمي للحوار

د. فيصل بن معمر
TT

يدشن في العاصمة النمساوية فيينا، اليوم، «مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات» في احتفال عالمي كبير في العاصمة، ليكون بذلك الملتقى الذي يسهل الحوار والتفاهم بين الأديان والثقافات ويعزز التعاون والتعايش ويحترم التنوع والعدالة والسلام. وأكد فيصل بن عبد الرحمن بن معمر مستشار خادم الحرمين الشريفين والأمين العام لمركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، في حوار مع «الشرق الأوسط» من فيينا، أن مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات يعد إحدى المبادرات العالمية التي تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتحقيق التعايش والاحترام بين الشعوب والأمم، في إطار جهوده لإرساء ثقافة الحوار العالمي، واحترام كرامة الإنسان، ومكافحة العنف والتطرف، وتعزيز دور الأسرة والأخلاق من خلال الوسطية والاعتدال والتنشئة السليمة، و«على الرغم من قصر العمر الزمني للمبادرة، فإنها حققت العديد من الإنجازات على المستوى الإقليمي والدولي، فإلى نص الحوار:

* حدثنا عن الإرهاصات الأولى لهذا الحوار العالمي وما أبرز الأهداف التي تحققت لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات التي لقيت ترحيبا من كثير من الشخصيات والهيئات الدينية العالمية السائدة في العالم؟

- أزعم أن إرهاصات هذا الحوار العالمي تكونت لدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أيده الله، منذ عقود.. وتحديدا حينما وجه بإقامة المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، الذي بات يشكل علامة ثقافية وحوارية فارقة في المشهد الثقافي المحلي والعربي والإسلامي.

وقد تبنى خادم الحرمين الشريفين تأصيل الحوار الداخلي، وجعله طبعا من طباع المجتمع السعودي، من خلال تركيز مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بالتعاون مع أئمة المساجد والمعلمين والمعلمات والمؤثرين اجتماعيا، على مؤسسات التنشئة الاجتماعية: المسجد والمدرسة والأسرة، وترسيخ أسس الحوار داخليا، وذلك مهد لسلسلة من الخطوات لإطلاق مبادرة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، التي بدأها بتقديم مقترح إلى القمة الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في مكة المكرمة عام 1426هـ - 2005، ثم بعد ذلك اجتماعه مع بابا الفاتيكان وما أعقب ذلك من تنظيم المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار في مكة المكرمة في يونيو (حزيران) 2008، وحضره أكثر من 500 عالم مسلم من جميع المذاهب الإسلامية، بإشراف من رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وما أعقب ذلك من إطلاق مبادرته الإنسانية للتواصل مع المجتمع الدولي؛ ثم مؤتمر مدريد العالمي للحوار عام 2008م، بإشراف أيضا من رابطة العالم الإسلامي الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، مع ملك إسبانيا بمشاركة قيادات من مختلف أتباع الأديان والثقافات، بلغ عددهم نحو 300 شخص، الذي حملت رسائله أن يتوجه الحوار إلى القواسم المشتركة التي تجمع بين الأديان السماوية والأمن والسلام والتعايش السلمي بين بني البشر في مختلف الأديان والثقافات، وتوجت تلك الجهود بتأسيس «الحوار العالمي بين أتباع الأديان والثقافات» بدعوة من مقامه الكريم، وبعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعا عالي المستوى بنيويورك في ديسمبر (كانون الأول) 2008؛ وما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في خطابه في الأمم المتحدة؛ وما تم إقراره في مؤتمر جنيف الدولي في سبتمبر (أيلول) 2009؛ ومؤتمر فيينا في يوليو (تموز) 2009.. التي أكدت جميعها على دعم المبادرة لتحقيق الأهداف التي رسمها خادم الحرمين الشريفين لإشاعة ثقافة الحوار وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة بين شعوب العالم.

وفي هذا الإطار، فإننا نتوجه بالشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على دعمه ورعايته، وإلى الأمير سعود الفيصل على متابعته الدقيقة لكل إنجازات هذا المشروع العالمي، كما نتوجه بالتقدير لرابطة العالم الإسلامي ممثلة في الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي على تنظيم المؤتمرات الإعدادية لهذه المبادرة.

واتخذت اللجان المكلفة بتنفيذ مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، خطوات مهمة، تقديرا وتخطيطا وتنفيذا؛ لتكون هذه المبادرة العالمية في إطار مؤسسي، يضمن ديمومة فعالياتها، وتنظيم مؤتمرات عالمية لتفعيل حوار أتباع الأديان، والثقافات، وترسيخه، تكون الدول هي الأساس فيه، وتدعمه المنظمات المدنية العالمية المعنية؛ فكانت البداية، توقيع اتفاقية تأسيس مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات يوم الخميس 15 ذو القعدة 1432هـ الموافق 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 في العاصمة النمساوية فيينا، بشراكة دولية، تضم المملكة العربية السعودية، وجمهورية النمسا؛ ومملكة إسبانيا، بمشاركة رئيسية من الفاتيكان، وممثلي أتباع الأديان والثقافات في فيينا؛ التزاما بمبادرة خادم الحرمين الشريفين التاريخية، وبما تضمنته من دعوة مخلصة لاحترام كرامة الإنسان والحوار بين أتباع الأديان والثقافات؛ وتعزيز التعايش والاحترام ومكافحة العنف والتطرف وتعزيز دور الأسرة والأخلاق من خلال الوسطية والاعتدال والتنشئة السليمة.

* إذن تتحقق اليوم مبادرة خادم الحرمين الشريفين بتدشين مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات.. ما الأهداف الاستراتيجية لهذا الصرح العالمي؟

- تتمثل الأهداف الاستراتيجية لمركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في قراءة الظاهرة الحوارية الإنسانية وتفعيلها بشكل جاد ومثمر وملموس حتى تتحقق للبشرية تطلعاتها التي تصبو إليها، وتخرج الحوارات من إطارها النظري النخبوي إلى إطار أكثر ملامسة للواقع وقضاياه وإشكالياته حول المشتركات الإنسانية التي يأمل العالم مناقشتها وفق أسس موضوعية وإنسانية، حيث يسعى المركز إلى تحقيق ما يلي:

تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وتشجيع الاحترام والتفاهم والتعاون المشترك بين الناس، ودعم العدل والسلام، والتصدي لسوء استخدام الدين في تسويغ الاضطهاد والعنف والصراع، والسعي لإيجاد طريقة أفضل تكفل التعايش بين الأفراد والمجتمعات، وتعزيز الاحترام والمحافظة على قدسية المواقع والرموز الدينية.

ومعالجة التحديات المعاصرة التي تواجه المجتمع مثل تلك المتعلقة بالكرامة الإنسانية، والمحافظة على البيئة والاستخدام المستدام والأمثل للموارد الطبيعية، والتربية الدينية والأخلاقية وتعزيز دور الأسرة والحد من الفقر.

تجدر الإشارة بداية إلى أن تاريخ كل فئة من المجتمعات الإنسانية ينهض بدور مهم وحيوي في تشكيل معالم الشخصية الجامعة لأفرادهم. غير أن ذلك لا يعني مطلقا أن يعمد كل مجتمع إلى رفض تاريخ المجتمعات الأخرى وتراثها. بوسعنا أن نتعلم من أخطاء الماضي كي نهتدي إلى السبل الكفيلة بتبديد الأحكام المسبقة والمفاهيم المغلوطة، التي دفعت بعض أفراد المجتمعات إلى الكراهية والفرقة، وقادت البعض الآخر إلى إرساء ثقافة العنف والصراع على مدى حقبة طويلة من الزمن.

ونحن نؤمن إيمانا عميقا بدور هذا المركز، وتفعيله، بدعم أتباع الديانات والثقافات في العالم وتعاونهم؛ ليكون حاضنة للمؤسسات الحوارية العالمية؛ ومقرا للقيادة والمعارف والتعارف، وميدانا يزدهر فيه الحوار الصادق؛ والتعاون والتعايش حول القواسم المشتركة بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، وصولا إلى الهدف الذي يتيح لنا إدراك القيمة الحضارية المثلى لتنوعنا، والعيش معا على قاعدة الوئام والسلام وحسن الجوار.

* ما الآليات والاستراتيجيات المقترحة لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات؟

- مبادرة خادم الحرمين الشريفين والتوصيات التي خرجت بها المؤتمرات الإعدادية كانت واضحة وفيها إعلان على أنها نتيجة للمساهمة في إنقاذ للبشرية من مشكلات عديدة، كما دعت في الوقت نفسه إلى إدراك إيجابي لأهمية التوافق مع حاجة البشرية إلى مؤسسات توثق العمل الإنساني فور إعلانه، وتدعمه، وتسانده في العالم بأسره، وفق أسس الصناعة الإعلامية والثقافية المشتركة، المجردة من أي حسابات بشرية؛ فكان أهم آليات هذه المبادرة، هو تحويلها للعمل المؤسسي، حيث تم تأسيس المركز الذي يشرف بحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في فيينا؛ ليترجم مساعيه أمام سمع العالم وبصره؛ لبناء منظومة أخلاقية وإنسانية مشتركة، تحمي أواصر الأسرة، والموروث والقيم والمصالح المشتركة لصالح عالم تسوده قيم التعايش المشترك، التي تتوافق مع حاجاته، في مواجهة فيض عارم من تراكم المشكلات والأوجاع وغياب العدالة والإرهاب، وما المخدرات، والفقر، والبطالة، ومعاناة الشباب، وتراجع دور الأسرة، وانحلال القيم، التي تستهدف الإنسان في أي مكان، إلا أمثلة على ما تعانيه البشرية من تحالفات ضدها، وضد حياتها وعلاقاتها الاجتماعية والأسرية.

أما عن آليات المركز واستراتيجياته في هذا الخصوص، فكثيرة، وأكاد أجمعها في ثلاثة محاور مهمة: الأول «احترام الرأي والرأي الآخر من خلال الحوار» وذلك من خلال أن يصبح المركز حاضنة للتواصل بين مؤسسات أتباع الأديان والثقافات وللتبادل والتعلم التطبيقي؛ والتعامل مع المجالات الرئيسية للمفاهيم الدينية الخاطئة والتصورات المسبقة بين أتباع الأديان؛ واستخدام مشاركة الأفراد والمؤسسات لتفعيل الحوار وتطبيقه.

وفي المحور الثاني «تأسيس قواسم مشتركة بين مختلف الجماعات»؛ يأتي على رأس أولوياتنا تشجيع التوافق والتعايش بين الجماعات حول القضايا الإنسانية؛ والمشاركة في فعاليات تقنية وثقافية وتراثية مرتبطة بجدول أعمال المركز الخاص بالحوار بين أتباع الأديان والثقافات؛ جنبا إلى جنب مع إطلاق برنامج عالمي مع المراكز العالمية للحوار والمؤسسات المشابهة لتشجيع مشاركة الشباب عبر برامج وفعاليات متنوعة وإطلاق برامج تدريبية لتنمية مهارات الحوار والاتصال لديهم؛ بالإضافة إلى جذب اهتمامات وطاقات الشباب إلى قضايا وقيم الحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

في المحور الثالث «تحقيق المشاركة الدينية والحضارية والمدنية بين القيادات الدينية والسياسية»؛ نعمل على توفير محفل لمناقشات ملائمة رفيعة المستوى لإشراك صانعي السياسات في المناظرات الخاصة بالتصورات المسبقة والخاطئة بين أتباع الأديان والثقافات؛ وصياغة «منتج» استراتيجي أو «خدمة» استراتيجية يختص بها المركز، يقدم من خلالها مساهمة متميزة ومستمرة في مجال الحوار عالميا؛ والعمل مع آخرين لتأسيس مجموعة خاصة نموذجية متعددة الأطراف تتألف من شخصيات دينية ومدنية وتتمثل مهمتها في المناقشة والمناظرة وإصدار تقرير متفق عليه حول موضوع «الدين خيار للتمكين»؛ وإجراء الأبحاث حول المواقف العامة وفهم المبادئ الدينية الأساسية وكيف تنعكس أو لا تنعكس على الأسس المجتمعية (المدنية)؛ والسعي إلى إيجاد حلول للنزاعات الدينية بحيث يصبح الدين جزءا من الحل ومساعدا عليه.

* الحوار الحر والمسؤول بين مختلف الفئات الدينية والحضارية له أهمية كبرى من خلال تقديم كل أمة كل ما لديها من رؤى وتدابير بين المنتمين لمختلف الأديان.. هل هناك خطط تهدف لتحسين العلاقات بين المنتمين لمختلف الأديان؟

- مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وقبلها تبنيه نشر ثقافة الحوار على المستوى المحلي ولاحقا بين المذاهب الإسلامية، توجه سعودي بامتياز نحو الحوار مع الذات والآخر المسلم وغير المسلم عالميا. فهذه المبادرة، أكدت أن «النجاح إنما يعتمد على التركيز على العوامل المشتركة التي توحدنا، خاصة الإيمان بالله والقيم النبيلة والمبادئ الأخلاقية التي تمثل جوهر الدين»؛ مما يسهم في صيانة الأسرة ونبذ الغلو والتعصب والتطرف الديني والمعرفي والثقافي؛ تحقيقا للعدل والأمن والسلام والاحترام وعدم التمييز واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية؛ ومكافحة التطرف والكراهية، وتعزيز المشترك.

* ما البرامج التي يمكن أن ينفذها المركز ومن خلالها تتحقق الأهداف والرؤية؟

- لا يزال المركز في مستهل بداياته، وقد عملنا على تنظيم آلية التأسيس التي تشكل الهيكل الإداري للمركز من إدارات حوارية وثقافية وفكرية، والتعاون مع خبراء غير مقيمين من جميع أنحاء العالم يمثلون أتباع الأديان ومختلف الثقافات، وعقب الافتتاح الرسمي للمركز هناك جملة من البرامج اعتمدها أعضاء مجلس إدارة المركز، وهي برامج تعمل في جلها على تحقيق التعايش والتعاون والاحترام المتبادل بين مختلف الجماعات، كما سيطلق المركز حوارات شهرية عن مواضيع تحددها اللجان المختصة بعد الافتتاح، كما سيطلق المركز ثلاث مبادرات دولية:

الأولى: مبادرة «صورة الآخر»، وهي إحدى مبادرات مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، التي يعتزم تدشينها عام 2013 وتمتد لثلاث سنوات وتشكل مظلة لسلسلة من المشاريع المترابطة الهدف منها المساهمة في الاستبدال بالمفاهيم الخاطئة واللاموضوعية وممارسات التنميط المنتشرة بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، نظرة وتصورا أكثر موضوعية ومصداقية واحتراما لأتباع الأديان والثقافات بحيث يتم تكريس كل مؤتمر ليتناول موضوعا معينا بحيث يشمل أبحاثا متعلقة بالعمل الميداني والتنسيق بين الجهات المعنية ومشاركة المنظمات المختصة ولمتابعة الاستراتيجية للمبادرات حتى إتمام التنفيذ.. باكورته عام 2013، والمؤتمر الأول في فيينا «التعليم.. نحو تعليم أكثر إثراء في مجال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات»؛ والثاني عام 2014، بعنوان «وسائل الإعلام.. استهداف التنميط الواعي واللاواعي من قبل وسائل الإعلام»؛ والثالث عام 2015، بعنوان «الإنترنت.. تعزيز المواقف التحليلية الناقدة ضد التعصب والتحيز على شبكة الإنترنت (حوارات متعددة حول الإيجابي والسلبي في شبكات التواصل الاجتماعي وتعزيز التعايش والاحترام ومكافحة التطرف والتعصب).

الثانية: كما يعتزم المركز إطلاق مشروع الزمالة الدولية عام 2013 وهو مشروع يستهدف الشباب الطامحين للعمل في مجال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات من القادة المهتمين بالدراسات الدينية في مجتمعاتهم. وتقام فعاليات هذا البرنامج أربع مرات في السنة؛ حيث تقوم لجنة تحكيم تضم أعضاء من المنتدى الاستشاري للمركز باختيار خمسة وعشرين فردا في كل دورة من بين المتقدمين من أتباع الأديان الرئيسية في العالم. يقضي هؤلاء الطلاب المتقدمون من مناطق وديانات مختلفة، فترة في فيينا تمتد من شهر إلى أربعة أشهر.. يعملون ويدرسون فيها معا بهدف تعميق معرفتهم بالمشترك بينهم وتقوية التزامهم بالحوار وتعزيز الاحترام والتعايش بين أتباع الأديان والثقافات. وسيتمكن المشاركون خلال إقامتهم في فيينا من العمل على مشروع بحثي خاص بهم، كما سيحظون بفرصة للتعمق في معرفة المشترك في الديانات الأخرى من خلال مجموعاتهم الخاصة بالإضافة إلى تمكينهم من حضور محاضرات جامعية متعلقة. وتتضمن أبرز فقرات البرنامج رحلات إلى أماكن شهدت مواجهات تاريخية أو معاصرة بين أتباع الأديان والثقافات.

وبصفتهم قادة مستقبليين، فإنه من المتأمل أن يحملوا عند عودتهم إلى بلادهم رسالة مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، الخاصة بتعزيز وتشجيع الحوار بين أتباع الأديان ويعملوا جاهدين على نشرها، والاستفادة من المهارات والمعلومات التي تم اكتسابها خلال برنامج الزمالة.

الثالثة: مبادرة تعاون مبتكرة، بعنوان: «التعاون بين أتباع الأديان والثقافات من القادة في مجتمعاتهم المحلية في سبيل حماية الأطفال دون سن الخامسة وضمان سلامتهم»، يطرحها المركز عبر شراكة استراتيجية مع اليونيسيف ومنظمة «الأديان من أجل السلام»، ومن شأنها تمكين المجتمعات الدينية لتقوم بنشر وتعزيز اعتماد الممارسات المنزلية المنقذة بإذن الله للحياة بين الأسر والمجتمعات المحيطة بها. وسيعمل البرنامج خلال خمس سنوات على تمكين وإشراك وحشد القادة الدينيين والتجمعات والمؤسسات الدينية والأفراد ذوي العلاقة من مختلف أتباع الأديان والثقافات للعمل على حماية الأطفال دون سن الخامسة وضمان سلامتهم بمشيئة الله في عدد من الدول.

وهذه المبادرة بين أتباع الأديان والثقافات تعكس في جوهرها رسالة مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، في تسهيل الحوار والتفاهم ببن أتباع الديانات والثقافات وتعزيز التعاون ودور الأسرة والتعايش واحترام العدالة والتنوع والسلام والعمل، وسيكون لهذا المشروع دور كبير في تعزيز الأسرة على المستويات الدولية؛ لتحقيق الأهداف التالية: توحيد جهود المجتمعات من مختلف أتباع الديانات والثقافات من خلال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والتفاهم والتعاون بعضها مع بعض في خدمة هدف إنساني مشترك؛ والتعاون مع المؤسسات الدينية لنشر الممارسات المنزلية العشر التي، بمشيئة الله، تساهم في إنقاذ الحياة؛ وتمكين المجتمعات المرتبطة دينيا؛ بالتعاون مع شركاء من المؤسسات الدينية والأهلية في تنفيذ نشاطات لترويج وتوفير خدمات بسيطة ومنخفضة التكلفة ولكنها فعالة والتي من شأنها حماية وضمان سلامة الأطفال ضمن الشريحة ذات الدخل الأدنى؛ وإتاحة الفرصة أمام تمكين الجماعات الدينية من تطوير ودعم التحالفات والشراكات الفعالة على الصعيد العالمي والمحلي لتعزيز الممارسات المنزلية لحماية وضمان سلامة الأطفال.

ونرجو أن يشكل نجاح البرنامج حافزا للمجتمعات الدينية والبلدان للقيام بمبادرات وأنشطة تعالج قضايا أخرى بشكل مستقل أو تعاوني، على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي.

* كيف يمكن أن يصبح مركز الملك عبد الله للحوار فاعلا دوليا على مستوى المنظمات الدولية، لا سيما في الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي والمنظمات الدولية الأخرى؟

- نسعى لأن يحقق هذا المركز تطلعات الشعوب وسعيها إلى تحقيق السلام والتعايش الإنساني، ومع أن مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات لا يزال في بداياته التأسيسية، فإن هذه البدايات حملت بالفعل قدرا من التفاؤل والثراء والتنوع، والمركز يسعى إلى وضع لبنات أساسية تستند على مختلف الفعاليات التي أقيمت والتصورات التي طرحت خلال مؤتمر مكة المكرمة، ومؤتمر مدريد، ومؤتمر نيويورك ومؤتمر جنيف وفيينا وهذه المؤتمرات هي التي مهدت وأسست فكريا لانطلاق هذا المركز العالمي، مما يحفزنا على طرح مختلف القضايا الحوارية والفكرية، بعيدا عن القضايا السياسية التي لها خبراؤها ولها أطرافها الذين يستطيعون مناقشتها، بينما يتركز جهده على احتضان كل ما يمكن أن يحقق التعايش وأن يساهم في نشر السلام والاحترام بين الشعوب والثقافات المختلفة، وسيسعى المركز جاهدا في هذا الخصوص إلى تقديم صورة مضيئة للتعايش الإنساني على مختلف المستويات، وسيكون لحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزراء خارجية الدول المؤسسة ورؤساء المنظمات الدولية وممثلين وقادة لمختلف الجماعات الدينية في العالم، حفل الافتتاح أهمية كبرى في ترسيخ جهود المركز عالميا، وسيتعاون المركز مع المؤسسات الدولية المعتبرة كما سيطلق برامج عالمية مع مؤسسات الحوار في العالم بحيث يصبح المركز حاضنة أساسية لجهود المؤسسات الدولية العالمية.

* كيف يرى مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات أهمية إنشاء شبكات للتعاون الديني بين مختلف دول العالم؟

- تحقيق التعايش السلمي والإيجابي بين مكونات المجتمعات البشرية لحل الأزمات وبناء السلام، بات مطلبا مهما عالميا، وتحرص المؤسسات الحوارية الدولية والإقليمية والمحلية على السواء على المزيد من التعاون فيما بينها لحل الأزمات وبناء السلام؛ والإعلاء من القيم الإنسانية المشتركة والتعايش السلمي واستقرار المجتمعات الإنسانية، عبر مفهوم التشبيك، وتكوين الشبكات بين الجمعيات والمنظمات الأهلية؛ ليمثل انطلاقة جديدة لمسيرة الحوار العالمي، بعد تشابك العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والسياسية في المجتمع العالمي المعاصر. وتعني استراتيجية التشبيك اختيار أفضل الوسائل والبدائل لتحقيق أهداف وغايات الحوار والتعاون بين القادة الدينيين بين مختلف دول العالم، ومؤسساتها. ويمثل كل ذلك انطلاقة جديدة وفاعلة للمجتمع العالمي. ويعد إنشاء الشبكات أو التشبيك في عالمنا المعاصر من الوسائل الضرورية لوضع استراتيجيات عملية لدعم قضايا الإنسان أينما كان على تنوع هذه القضايا، ولا سيما في ما يتعلق بقضايا أساسية، تخدم مجالات الحوار، والتعاون الديني، فضلا عن حقوق الإنسان ودعم قضايا الأسرة والشباب. وإذا كانت الشراكة بين المنظمات في القطاعات الحكومية والأهلية ضرورة؛ فإن السعي إلى الشراكات والتشبيك على مستوى المنظمات غير الحكومية من شأنه أن يؤمن قاعدة متينة لتحقيق الأهداف المنشودة في الحوار العالمي، وسيكون لحضور نحو واحد وعشرين مؤسسة حوارية دولية في العالم حفل الافتتاح وكذلك تقديم عروضها خلال الافتتاح، فائدة عظيمة للمركز وللمؤسسات المشاركة.

* يضم مجلس إدارة المركز ممثلي الأديان الرئيسية في العالم إضافة إلى الفاتيكان التي تحمل صفة مراقب، هل يشكل ذلك ردا على كل من يحاول أن يخرج المركز عن هدفه الأسمى الذي أنشئ من أجله وهو استثمار المشتركات الإنسانية ونبذ الصدام والصراع؟

- المركز يسعى لاستثمار المشتركات الإنسانية ونبذ الصدام والصراع، وهو الدور المنوط به، والمأمول منه، الذي يصبو فيه إلى أن يتجاوز العالم مسألة صراع الحضارات وصدامها؛ ليدخل إلى مرحلة جديدة قوامها تحقيق التعايش؛ والعناية بالإنسان وبثقافاته المشتركة، وببعده الديني والمعرفي والثقافي.

وافتتاح مركز عالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بمثل هذه القيمة الحضارية الكبيرة من المؤكد أنه سيكون له مردوده الحواري والحضاري دينيا وثقافيا على مستوى العالم، وسوف تطرح مختلف القضايا التي تهم الإنسانية وتهم العالم بشكل يؤدي إلى إنتاج تصورات فكرية جديدة تختلف تماما وتنقطع عن الصور النمطية السابقة سعيا للوصول إلى أسئلة مشتركة وتعايش حضاري دائم ومستمر مبني على التعاون والتواصل والاحترام المتبادل.

* مركز الملك عبد الله يطلق مبادرات لحماية الأطفال وزمالة دراسية ومشاريع لتغيير المفاهيم الخاطئة

* يطرح مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وعبر شراكة استراتيجية مع اليونيسيف ومنظمة «الأديان من أجل السلام» مبادرة مبتكرة للتعاون بين أتباع الأديان والثقافات من القادة في مجتمعاتهم المحلية لحماية الأطفال دون سن الخامسة وضمان سلامتهم والتي من شأنها تمكين المجتمعات الدينية لتقوم بنشر وتعزيز اعتماد الممارسات المنزلية المنقذة بإذن الله لحياة الأطفال بين الأسر والمجتمعات المحيطة بها.

وسيعمل البرنامج خلال 5 سنوات على تمكين وإشراك وحشد القادة الدينيين والتجمعات والمؤسسات الدينية والأفراد ذوي العلاقة من مختلف أتباع الأديان والثقافات للعمل على حماية الأطفال دون سن الخامسة وضمان سلامتهم بمشيئة الله في عدد من الدول من المجتمعات.

ويعتزم المركز العام المقبل أيضا إطلاق مشروع الزمالة الدولية، وهو مشروع يستهدف الشباب الطامحين للعمل في مجال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات من القادة المهتمين بالدراسات الدينية في مجتمعاتهم.

ويهدف برنامج الزمالة إلى جمع طلاب الدراسات الدينية من أتباع الأديان والثقافات تحت مظلة مشتركة للحوار بين أتباع الأديان تقوم على أرضية فكرية محايدة، وتنسيق تجمع حواري طويل المدى يتميز بعمقه في الطرح وباستمراريته، وتزويد القادة الدينيين المستقبلين بالأدوات والخبرات والعلاقات والمعارف اللازمة لتعزيز الحوار بين أتباع الأديان في مجالاتهم، وإثراء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بمجموعة متميزة من الشباب من خلفيات دينية مختلفة يشاركون بفاعلية في أنشطة وبرامج المركز، كما سيوفر مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات منبرا لأنشطة الخريجين «الزملاء السابقين» لتمكينهم من البقاء على تواصل ولتسهيل الوصول إلى مرشحين جدد للبرنامج.

وسيطلق المركز العام المقبل أيضا مبادرة تمتد لثلاث سنوات وتشكل مظلة لسلسلة من المشاريع المترابطة تحت عنوان «صورة الآخر».. تهدف إلى المساعدة على استبدال المفاهيم الخاطئة وغير الموضوعية وممارسات التنميط المنتشرة بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة إلى نظرة وتصور أكثر موضوعية ومصداقية واحتراما لأتباع الأديان والثقافات، وتحديدا تغيير وتصحيح «صورة الآخر».

وتشمل أهم النشاطات المعلنة للمبادرة ثلاثة مؤتمرات دولية تقام على مدى الثلاث سنوات المقبلة، بحيث يتم تكريس كل مؤتمر ليتناول موضوعا معينا يشتمل على أبحاث متعلقة بالعمل الميداني والتنسيق بين الجهات المعنية ومشاركة المنظمات المختصة ومتابعة الاستراتيجية للمبادرات حتى إتمام التنفيذ. وستعقد المؤتمرات من العام المقبل 2013 التي تتمحور حول التعليم ليكون أكثر إثراء في مجال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، بينما يشهد العام الذي يليه 2014 محور وسائل الإعلام واستهداف التنميط الواعي واللاواعي من قبل وسائل الإعلام، وعام 2015 يشهد محور حول الإنترنت وتعزيز المواقف التحليلية الناقدة ضد التعصب والتحيز على شبكة الإنترنت (حوارات متعددة حول الإيجابي والسلبي في شبكات التواصل الاجتماعي وتعزيز التعايش والاحترام ومكافحة التطرف والتعصب).