مكافحة «الإرهاب» تنتظر رئيس «سي آي إيه» جديدا

يحدد ما إذا كان مسار استخدام الطائرات من دون طيار سيستمر أم سيبدأ في الاختفاء

جون برينان مستشار البيت الأبيض لمكافحة الإرهاب (واشنطن بوست)
TT

بدأ الرئيس أوباما فترة رئاسته الأولى بإجراء تغيير هائل في اتجاه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مصدرا أوامر في ثاني أيام توليه منصبه بإغلاق السجون السرية التابعة للوكالة وحظر أساليب التحقيق الوحشية.

ومع تواكب بدء أوباما فترته الرئاسية الثانية مع استقالة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية غير المتوقعة من منصبه، يراقب مسؤولو الوكالة عن كثب للوقوف على ما إذا كان انتقاء الرئيس للمدير الجديد للوكالة يشير إلى تغيير متواضع في برنامج مكافحة الإرهاب الرئيسي الذي أبقى عليه: استخدام الطائرات من دون طيار المسلحة في قتل متطرفين مشتبه بهم.

لقد أتت استقالة ديفيد بترايوس على خلفية كشف النقاب عن تورطه في علاقة آثمة خارج إطار الزواج بنهاية مفاجئة للمدة القصيرة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الذي سعى لتوطيد علاقات الوكالة بالجيش وتوسيع نطاق أسطولها من الطائرات من دون طيار.

ويأتي على رأس قائمة المرشحين المحتملين ثلاثة من الضباط المحنكين بالوكالة الذين قد أسهموا جميعا في التحول الواضح للوكالة باتجاه عمليات شبه عسكرية. من شأن اختيار أوباما أن يحدد ما إذا كان هذا المسار سيستمر أم سيبدأ في الاختفاء تدريجيا.

ينظر كثيرون إلى مستشار الرئيس لشؤون مكافحة الإرهاب، جون برينان (57 عاما)، باعتباره المرشح الرئيسي لشغل منصب مدير الوكالة. في الأشهر الأخيرة، أعرب للإدارة الأميركية عن مخاوفه من أن يكون تركيز الوكالة قد أصبح منصبا بدرجة مبالغ فيها على جرائم القتل المقصودة، رغم أنه قد قاد التوسع الحاد لحملة الطائرات من دون طيار تحت إدارة أوباما.

يضم المرشحون المحتملون القائم بأعمال المدير مايكل موريل (54 عاما)، الذي ينظر إليه باعتباره عاملا لتحقيق الاستقرار أكثر منه معارضا للتغيير، ومايكل فيكرز (59 عاما) وهو مسؤول رفيع المستوى بالبنتاغون ويعتبر أشد مؤيدي الدور شبه العسكري الموسع للوكالة. وقال مسؤولون أميركيون إن أوباما لم يوضح اختياره أو حتى التوقيت الذي قد يتخذ فيه قراره. غير أن مشرعين وخبراء رفيعي المستوى بالوكالة ذكروا أن المدير القادم سوف يواجه ضغطا مباشرا من أجل الارتقاء بعملية جمع المعلومات الاستخباراتية في مناطق تتجاوز حدود تلك الخاضعة لحراسة طائرات من دون طيار.

«أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للتغيير».. هكذا تحدث السيناتور ديان فاينشتاين (الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا) رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، في مقابلة أجريت معه. سوف تظل مكافحة الإرهاب على رأس أولويات الوكالة، بحسب فاينشتاين، إلا أن الهجوم الأخير على مقر القنصلية الأميركية لدى ليبيا وتصاعد المخاوف من حدوث حروب إلكترونية ينذر بمخاطر أخرى.

يقول فاينشتاين: «علينا أن نقوي الاستخبارات البشرية في مناطق محورية، وندعم التحول من هذا النوع من جمع المعلومات الاستخباراتية السرية عن باكستان وأفغانستان» الذي سيطر على أجندة عمل الوكالة منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2011.

من جانبهم، أشار مسؤولون سابقون بالوكالة، من بينهم هؤلاء الذين عملوا في مجال مكافحة الإرهاب، إلى مخاوف مماثلة تتعلق بالحاجة لتحقيق التوازن بين العمليات شبه العسكرية وجمع المعلومات الاستخباراتية والتحليل.

«طالما لا يزال هناك تهديد إرهابي، لا يمكن أن يكون ذلك هو الشغل الشاغل لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بنسبة 99 في المائة من الوقت بعد الآن»، قال بروس ريدل، وهو محلل سابق بالوكالة ومستشار للرئيس أوباما. يتمثل السؤال المحوري بالنسبة لأوباما، على حد قول ريدل، في: «هل يجب أن تبحث الوكالة عن اللاعب الرئيسي في حرب عالمية بطائرات من دون طيار في مقابل دوره الأكثر تقليدية كجامع ومحلل لمعلومات استخباراتية أجنبية؟».

لقد حاول مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مؤخرا إثبات أن الوكالة يمكن أن تنهض بالمهمتين معا من دون أن يتأثر مستوى جودة عملها التحليلي في قضايا أخرى سلبا. قبل استقالته، أدخل بترايوس تعديلات على نشر عملاء الوكالة بالخارج لتعزيز وجودها في أفريقيا والشرق الأوسط، حسبما أفاد مسؤولون.

ورغم أن رحيل بترايوس المفاجئ قد أدهش العاملين بالوكالة، فإن مسؤولين حاليين وسابقين قالوا إن التأثير قد خبت بفعل الفترة القصيرة نسبيا للجنرال المتقاعد وإدراك مفاده أنه كافح من أجل التواصل مع جميع أفراد الهيئة على اختلاف مناصبهم.

لقد أصبحت الوكالة معتادة على الاستقالات المفاجئة من وظيفة لا تأتي بمدة ثابتة على غرار شاكلتها في مكتب التحقيقات الفيدرالي.

يواجه أوباما الآن مهمة شغل المنصب للمرة الثالثة منذ أن أصبح رئيسا، وهو معدل دوران يتجاوز أي موضع آخر في فريق الأمن الوطني الخاص به.

ويتولى موريل فترته الثانية كقائم بأعمال المدير، بعد شغله هذا المنصب لعدة أشهر بعد استقالة ليون بانيتا لرئاسة البنتاغون وقبيل وصول بترايوس العام الماضي.

بوصفه محللا استخباراتيا، يعرف موريل باتقاد الذهن والحضور السلس في اجتماعات بالبيت الأبيض أو مقر الكونغرس. عمل موريل، الذي يرتدي نظارة طبية والمولع بقراءة الكتب، مستشارا يوميا للرئيس جورج بوش الابن في عامي 2001 و2002. مما يعني أنه لعب دورا رئيسيا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، لكنه في الوقت نفسه نقل معلومات استخباراتية خاطئة تزعم امتلاك العراق مخزون أسلحة قبيل تلك الحرب.

يعتبر موريل «واحدا من هؤلاء الأشخاص الذين يبهرونك على الفور بذكائه المتقد»، لكنه إداري ناجح أكثر من كونه مثاليا حالما، حسبما قال زميل سابق. وأضاف: «أهم صفة لديه كمدير هي الثبات».

ينظر إلى فيكرز، الذي يشغل الآن منصب وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات، باعتباره المرشح المحتمل لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الأكثر تأييدا لفكرة التقارب بين وكالة الاستخبارات والجيش. وقد ساعد فيكرز الذي كان من قبل ضابط عمليات خاصة بالجيش ومحللا بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في تسليح مقاتلي حركة المجاهدين في أفغانستان في ثمانينات القرن العشرين في إطار سعي الولايات المتحدة لإجلاء القوات السوفياتية عن البلاد. وفي آخر المناصب التي شغلها في البنتاغون، وطد فيكرز تعاونا أعمق بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة.

لم يرد أي من المرشحين المحتملين على طلبات بالتعليق. إضافة إلى ذلك، فقد رفض البيت الأبيض التعليق على البحث عن بديل لبترايوس. وبسبب العلاقة الوثيقة التي تربط برينان بأوباما، يعتقد أنه من بين المتنافسين على شغل المنصب. وبوصفه صاحب خبرة مدتها 25 عاما في الوكالة، كانت هناك توقعات واسعة النطاق أن يتم ترشيحه لمنصب مدير الوكالة قبل أربع سنوات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»