الأمين العام لـ «إخوان مصر» لـ «الشرق الأوسط»: الأموال المنهوبة لن يعود منها سوى 5%

د. محمود حسين: مرسي تغدى بخصومه قبل أن يتعشوا به

TT

قال الدكتور محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين عضو مكتب الإرشاد، إن الرئيس محمد مرسي لن يتراجع عن الإعلان الدستوري لأنه ليست له بدائل أخرى، وأشار إلى أن قرارات الرئيس مرسي خرجت من «الرئاسة المصرية»، وليست لها علاقة من قريب أو من بعيد بمكتب الإرشاد، أو المرشد العام لـ«الإخوان»، واعترف بأن القرارات كانت «فجائية» للإعلام، ولكنها كانت بخطوات وئيدة، بعد أن درسها مع مستشاريه، وأشار إلى أن المحكمة الدستورية كانت تعد يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) المقبل لإلغاء مجلس الشورى وإلغاء «التأسيسية»، وسجل هذا في مواقع الـ«فيس بوك»، وأن هناك قرارات رئاسية لا يمكن الإعلان عنها مسبقا بسبب الخصوم، وكما قال المراقبون «الرئيس اتغدى بخصومه قبل أن يتعشوا به».

وقال إن الرئيس مرسي التقى قبل الإعلان الدستوري الجديد منذ أيام قادة القوى والأحزاب السياسية والمرشحين السابقين للرئاسة، بما فيهم الدكتور محمد البرادعي المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية وحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح. وقال: «كثير من الكلام الذي يقال في مضبطة لقاءات القصر الجمهوري لا يقال في (الغرف المفتوحة)». ووصف اتهامات البرادعي لمرسي بأنه فرعون جديد بـ«(الرعونة والقسوة، فهو من حقه أن يختلف مع قرارات الرئيس مرسي بالشكل الذي يراه، ولكن أن يطالب الدول الغربية بأن تتدخل وتدين مرسي، كأنه يستعدي الدول الغربية على النظام القائم، وهذا أمر مرفوض منه ومن أي شخص آخر، وكأنه يتصور أن الذي يدير البلاد هو الدول الغربية، وليس الإدارة المصرية».

وقال: «إن (الإخوان) هم الذين وقفوا مع البرادعي عندما عاد إلى مصر، وهم الذين جمعوا له التوقيعات من مختلف المحافظات ووقفوا إلى جانبه ضمن الحملة الوطنية للتغيير وتصديه للرئيس السابق مبارك».

وجاء حديث الدكتور محمود حسين عقب محاضرة ألقاها عن الربيع العربي بمسجد فنسبري بارك الذي كان يعرف بمسجد أبو حمزة المصري - قبلة الأصوليين تحت إشراف الإسلامي المصري المحتجز حاليا في الولايات المتحدة على ذمة قضايا الإرهاب، وكثيرا ما تعرض المسجد لمداهمات من قبل الشرطة بحثا عن الجهاديين، وأغلقته أسكوتلنديارد، وظل أبو حمزة يخطب ويؤم المصلين أمام المسجد في الشارع تحت حراسة الشرطة، حتى يوم اعتقاله وسجنه ثم ترحيله إلى أميركا، لكن المسجد اليوم قلعة يحفها الإيمان بوجوه نضرة من أبناء الجالية المسلمة، يواظبون على الصلوات الخمس، ويجتذب المسجد مسلمي شمال العاصمة البريطانية، وبه قاعات للمحاضرات والمؤتمرات تحت إشراف الرابطة الإسلامية في بريطانيا.

وفي مواجهة الدكتور محمود حسين، ليس أمامك سوى أن تشعر بأمر واحد، وهو أن القرارات الحاسمة، تخرج من داخل هذه الرؤوس التي تربت في مكتب الإرشاد، وقال الأمين العام للجماعة إنه يعرف شخصيا الدكتور مرسي منذ سنوات، «وما شهدنا إلا بما علمنا، ولا نزكي الله أحدا، وهو رجل ثابت على الحق، ويسمع للآخرين، ولا يعرف الانفراد بالرأي، ونحسبه كذلك إن شاء الله، والله حسيبه، وهو يسأل المقربين منه قبل أن يتخذ قرارا ما»، وقال: «نحن في (الإخوان) ندين بالولاء لله سبحانه وتعالى، ونعمل لصالح هذه الدعوة، فإذا ما وجدنا صالحا نتفق معه ونقول: على بركة الله، وندعمه ونعينه، وإذا وجدنا اعوجاجا، لا بد أن نقومه، ولكن هناك آداب إسلامية تعلمناها في طريقة النصح والإرشاد، فلو أن هناك قرارا خاطئا لرئيس الجمهورية، وهناك صلة مفتوحة مع الرئيس، فلا يجوز الخروج إلى الإعلام، والتقول بما ليس موجودا، بل يجب أن نقول للرئيس بطريقة مؤدية ومهذبة: قرارك خاطئ للأسباب التالية، وليس معنى أننا نظهر في الإعلام ضد الرئيس أو ضد الحكومة التي ليست من (الإخوان)، أننا في المجمل نوافق على كل القرارات، ولكن نحن نقدم النصح لأنه واجبنا وحق الله علينا».

وقال إن «الشارع المصري كان يتنبـأ بخروج قرارات ثورية قبل الإعلان الدستوري، وقد تردد على مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك قرارات قادمة». وأوضح أمين عام الجماعة الدكتور محمود حسين أن مصر مديونة بنحو 30 مليار دولار، وأن الأموال المنهوبة في الخارج لن يعود منها، على أكثر تقدير، سوى نحو 5%، وكشف عن أنه التقى شخصيا والمرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع السفيرة الأميركية في القاهرة آن باترسون، التي طلبت منهما قبول قرض صندوق النقد الدولي، حتى تفتح للجماعة «خزائن الخليج». وأوضح: «لم نرفض قرض البنك الدولي للضرورة القصوى».

وحول اعتصام القوى السياسية في ميدان التحرير ضد الإعلان الدستوري الصادر عن الرئيس مرسي، قال: «المفترض أن تكون هناك ضوابط للتعبير عن الرأي، وأن يكون سلميا وبشكل حضاري، وليس خارج القيم العامة المتعارف عليها، ونرفض الهتافات التي تتحول إلى سباب ضد الجماعة ومرشدها، لكننا نقبل بالاختلاف حسب قواعد المعارضة السياسية، ومن حق أي فصيل أن يعلن عن رأيه العام. وأي قضية لا يمكن أن تحظى بإجماع عام، لا بد أن يكون هناك معارضون وكذلك مؤيدون، وفي النهاية رأي الأقلية يجب أن ينزل على رأي الأغلبية، أين كانوا هم! نحن نتابع الأحداث ونتقبل الهجوم والانتقادات الموجهة لنا من قبل المتظاهرين، ومن حق كل فصيل أن يعبر عن وجهة نظره في بقية القوى والأحزاب، ولكن بشكل سلمى. نحن في الجماعة ننصت إلى كل المطالب، ونتابع الأحداث ونتقبل الهجوم والانتقادات الموجهة لنا من قبل المتظاهرين، كنا أيضا نرفض الهتافات التي تتحول إلى سباب ضد الجماعة، ومرشدها، لكننا نقبل بالاختلاف حسب قواعد المعارضة السياسية، ولن يتعرض أبناء الجماعة للمتظاهرين المناوئين، فالعنف ليس منهجنا».

وعن رأيه في اقتحام وحرق مقرات حزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان في المحافظات، قال: «هذا أمر مرفوض ابتداء، سواء مقرات (الإخوان) أو الأحزاب الأخرى، وسواء ممتلكات عامة أو شخصية، ولكن هذا يؤكد أن هناك تدبيرا مخططا ضد الجماعة وأبنائها، والإساءة إلى صورة مصر، والواضح أنه ليس هناك رفض للإعلان الدستوري، بل محاولة لتشويه صورة (الإخوان)، كما يتم تشويه صورة (الإخوان) في بعض وسائل الإعلام. فهؤلاء المخربون يحاولون أن يعطوا للغرب صورة من عدم الاستقرار، وأن دولة غير مستقرة تحت قيادة الرئيس مرسي». وأشار حسين إلى أن البلاد تمر بظروف عصيبة وأحداث جسيمة، وأن الرئيس، والجمعية التأسيسية المنتخبة لوضع الدستور يسعون لاستكمال المؤسسات الدستورية وإنجاز مشروع الدستور لملء الفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد، مطالبا بضرورة احترام الإرادة الشعبية.

وقال إن «الجماعة موجودة منذ 80 عاما، وعملت في ظل أنظمة عسكرية وديكتاتورية، ولم يحاكم عضو بتهمة الانتماء لجماعة غير قانونية، والجماعة لم تحل ولم تستطع الدولة أن تقدم قرارا واحدا لحلها من أيام 1928». وتحدث عن أن هناك مئات المليارات من الجنيهات أنفقت في مصر لتحجيم (الإخوان) أو تغيير الوضع القائم منذ قيام الثورة. ومصر لن تخرج من أزمتها الراهنة إلا بتكاتف الشعب المصري كله، ونحن حريصون على هذا، وحريصون أيضا على عدم الانفراد بهذه المسؤولية وحدنا. والدكتور مرسي له تعليق أنقله عنه، وهو أن كل شخص في العالم يضع سؤالين أمام نفسه؛ السؤال الأول: إذا كان مرسي إسلاميا وأزعم أنني إسلامي، والسؤال الثاني، إذا كان مرسي وطنيا وأزعم أنني وطنيا، وإذا كان مرسي محبا لبلده، وأنا محب لبلدي، إذن من أنا؟ وبات لمصر ثقل بعد وصول مرسي إلى الحكم إسلاميا وعربيا، ظهر ذلك بوضوح في موضوع غزة وسوريا، وكان من المفترض أن يسافر الرئيس إلى القمة الإسلامية في باكستان، وكان سيطرح هناك موضوعا خاصا ببنغلاديش، ونحن حريصون على التكامل مع كل الدول العربية والإسلامية».

وحول إمكانية تراجع الدكتور مرسي أو تنازله عن بعض قرارات الإعلان الدستوري على وقع مظاهرات التحرير، أشار إلى أنه «لا توجد بدائل أمام الرئيس مرسي، ولن يتراجع على الأرجح. إنه يريد أن يحصن (التأسيسية) من العبث، سواء إعلاميا أو من الناحية القانونية، يريد أن يحصن مجلس الشورى ويجعله قائما، حتى يتم الانتهاء من الدستور، يريد في الوقت ذاته الانتهاء من الدستور حتى يكون لمصر دستور قوي قائم بذاته، لا أعتقد أنه سيتراجع، وأعتقد أن قراراته مؤقتة حتى يتم الانتهاء من الدستور».

وعن البدائل أمام الرئيس مرسي، قال الأمين العام للجماعة: «إنه من المعروف أن المحكمة الدستورية كانت ستحكم بإلغاء الإعلان الدستوري، وحل (التأسيسية) ومجلس الشورى، في حين أن الإعلان الدستوري محصن، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إلغاؤه، وهذا ما حكمت به المحكمة الدستورية وما طلبت به القوى السياسية من قبل، ومن حق الرئيس إصدار إعلانات دستورية حتى يخرج الدستور إلى النور، هذه ليس بها شبهة على الإطلاق، لكن المحكمة الدستورية لم تحترم القانون في أحكامها، وحل مجلس الشعب ليس من حق المحكمة الدستورية قانونا، المحكمة الدستورية مهمتها مراقبة القوانين، وبالتالي كل الأحكام التي حكمت بها المحكمة الدستورية في مجلس الشعب، كانت تقول إن هذا (النص غير دستوري)، وكنا أمام (بلطجة قانونية) من المحكمة الدستورية، وليست قانونا، وكثير من الفقهاء الدستوريين قالوا إن الرئيس مرسي ليس في حاجة لتحصين الإعلان الدستوري، ولكنه حصنه ليعرف المعرف، حتى لا يواجه ببلطجة قانونية من المحكمة الدستورية، وتبطل الإعلان الدستوري وتلغيه، وهذا حق الرئيس في تحصين قراراته، والمجلس العسكري أصدر إعلانين دستوريين نافذين، بعد تسلمه السلطة، ولم تعترض عليهما المحكمة الدستورية، ونحن على يقين بأن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي رعى هذه الثورة، وهو الذي دفع بنا على غير إرادة منا لنتسلم رئاسة الجمهورية، هو الذي سينجح هذه الثورة وسيوصلها أيضا إلى بر الأمان، وبالشورى وبإذنه تعالى سيحقق الله لنا النصر والتمكين».

وحول ما يتردد في الصحف المحلية وبعض الصحف الغربية أن قرارات الرئيس مرسي خرجت من مكتب الإرشاد التابع للجماعة، قال: «هذه ادعاءات غير حقيقية وغير صحيحة، ونحن لا نقبل بأي حال من الأحوال أن يتم إدارة أي شأن من مكتب الإرشاد أو غير الإرشاد، كل شخصية من قيادات (الإخوان) أو غيرها لها استقلالها ولها رأيها، والدكتور مرسي غير محتاج لرأي أحد غير مستشاريه، وهو قادر على إدارة البلاد بشكل جيد، ونحسبه عند الله كذلك. وإعلان الرئيس مرسي نعم كان مفاجئا، لكن الإعداد له كان بخطوات وئيدة ومدروسة، ومطالب الشعب منذ زمن بعيد كانت تطهير القضاء، وإقالة النائب العام، والانتهاء من الدستور، وإعادة محاكمات قتلة ثوار يناير في التحرير وشارع محمد محمود، كان الرئيس يسمع لهذه المطالب وقامت مليونيات كثيرة تطالب بتحقيقها، والرئيس استجاب لكثير من هذه المطالب، والواضح أنه كان يفكر في هذه القرارات لفترة طويلة قبل اتخاذ الإعلان الدستوري الأخير». وأشار إلى أن الجماعة ترفض التلاعب بأهداف الثورة والمحاولات التي يقوم بها البعض لاتهام الجماعة بالباطل للسعي لحصد مكاسب خاصة، مؤكدا أن الجماعة ستحشد أعدادا كبيرة في الميادين في المحافظات اليوم.

وقال ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت قرارات مرسي وحدت كل القوى الليبرالية ضد الرئيس وضد «الإخوان»: «هذا ليس صحيحا، لأن الشارع المصري في كثير من توجهاته خرج مؤيدا لهذه القرارات، حتى إن كثير من القوى التي كانت موجودة خارج قصر الاتحادية كانت من فئات غير (الإخوان)، ولكنها كانت مؤيدة لمرسي». وعن المشهد السياسي الموجود حاليا في مصر بمظاهرات مؤيدة وأخرى مناوئة لـ«الإخوان»، قال الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة: «هناك اليوم صورة إعلامية ضخمة جدا، واقعها على الأرض ليس بهذا الشكل، والشعب غير معني، بما يدور في الإعلام وبين النخب السياسية، الشعب معني في الأساس بمشكلات في الحياة اليومية، بمشاكل في الاقتصاد وأخرى معاناة حياتية. هناك مشكلة في القضاء، صحيح أن هناك جزءا كبيرا من القضاة شريف ومستقل، ولكن هناك مشكلة، أدت إلى إقالة النائب العام، بسبب تبرئة قتلة الثوار، واختفاء أدلة الإدانة، وعدم وجود حكم إدانة واحد ضد رموز النظام السابق، في قضايا قتل الثوار وإصابتهم في التحرير، معنى ذلك أن الأدلة تم إخفاؤها أو طمسها بشكل أو آخر، وهذه مسؤولية النائب العام، وقدمت له كثير من البلاغات، لكنه لم يتحرك، وقدم له مثلا أكثر من 30 بلاغا ضد المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، ولم يتحرك أيضا».

الدكتور محمود حسين في سطور

* الدكتور محمود حسين عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وأمين عام الجماعة خلفا للدكتور محمود عزت، حيث انضم لمكتب الإرشاد بعد وفاة الشيخ أبو الحمد ربيع ليمثل الصعيد، وهو أكاديمي حيث عمل أستاذا بكلية الهندسة بجامعة أسيوط، وحاصل على الدكتوراه من الولايات المتحدة الأميركية مثل الرئيس مرسي. سبق اعتقاله عدة مرات كان آخرها في مداهمة منزل رجل الأعمال نبيل مقبل في أغسطس (آب) 2007. ولد في 16 يوليو (تموز) 1947 بمدينة يافا في فلسطين، وعاش فترة من حياته في رفح حتى نهاية المرحلة الثانوية وعاش مع والده برفح عندما كانت تحت الإدارة المصرية قبل نكسة 1967. وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات في عام 1995 في القضية العسكرية لـ«الإخوان»، كما تم اعتقاله عدة مرات.