افتتاح «مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان» في فيينا

سعود الفيصل: نأمل أن يكون ذا أثر فعال لتقريب الناس إلى بعض.. وحل الأزمات بالطرق السلمية

TT

وسط أجواء احتفائية فخمة، وحضور إعلامي ضخم شهد قصر الهوفبورغ الإمبراطوري بالعاصمة النمساوية فيينا مساء أمس، حفل الافتتاح الرسمي وتدشين العمل بمركز الملك عبد الله للحوار بين الثقافات والأديان، الذي يعتبر مبادرة انطلقت من مكة المكرمة قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في عام 2005.

تقدم المحتفين الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي وبان كي مون أمين عام الأمم المتحدة وخوزي أمانيول مارفي وزير الخارجية الإسباني وميخائيل اشبندلنقر وزير الخارجية النمساوي والكاردينال جين لويس تاوران رئيس قسم حوار الأديان بالفاتيكان وعبد الله التركي رئيس رابطة العالم الإسلامي والرابي بينشاز غولدشميدت رئيس المؤتمر الأوروبي لرجال الدين اليهود، وكمال الدين إحسان أوغلو أمين عام منظمة التعاون الإسلامي بالإضافة لأكثر من 800 ضيف مثلوا الأديان والمذاهب الدينية كافة، ممثلين لقطاعات مختلفة ومنظمات تعمل في مجال تعزيز الحوار سواء دبلوماسيا أواقتصاديا أوقانونيا أوثقافيا مما انعكس في أريحية عكسها هندام الحضور وحتى نوعية طعام العشاء وخياراته ما بين حلال ونباتي ويهودي، في كلمات تتالت أشاد المتحدثون الرئيسيون بالدور المتوقع من المركز بوصفه جسرا لتعميق الحوار بين الديانات والثقافات، راجين أن تسوده روح فيينا التوافقية، سيما أن اختيار العاصمة النمساوية موقعا للحدث الضخم، لم يأت من فراغ أو من قبيل الصدفة وإنما لما عرف عنها من حيادية إيجابية تدعم التنوع الثقافي والفكري والديني، مما يجعل فيينا نقطة مناسبة تلتقي عندها مختلف الديانات والتوجهات الفكرية والمذهبية، مشيرين إلى أن المركز يمثل نقطة تحول مستقبلية ومبادرة مهمة وفعلية لانطلاقة عالمية نحو تجسير وتعزيز التفاهم لبناء مستقبل يقوم على التعددية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، مؤكدين دعم بلادهم ومنظماتهم كافة لفكرة تكوين المركز بوصفه حلقة وصل تعزز التفاهم والتعاون واحترام التعددية الدينية والثقافية، تأكيدا لفكرة الملك عبد الله أن يعمل المركز من أجل مكافحة النزاع والصراع وزرع الإيمان في وجه الإلحاد والسلام في مواجهة الحروب، والأخوة في مواجهة العنصرية.

من جانبه رحب الرئيس النمساوي هاينز فيشر عبر رسالة مصورة بالحضور، مستدلا بما وصفه بالأحداث الأخيرة التي تعكس خطورة عدم الالتزام بالحوار، مناديا بأهمية حوار يساعد على بناء مستقبل يقوم على التعددية والتفاهم رغم الاختلاف، مضيفا أن فكرة المركز وتحقيق أهدافه سوف تمثل نقلة حقيقية لمواجهة التحديات الحالية.

بينما أشار ملك إسبانيا في رسالة مصورة كذلك لخبرة بلاده وتاريخها العريق في تأمين سياسة الحوار، مشيدا بدور الملك عبد الله وبدعم الأمم المتحدة لمبادرته التي تنمو تحت مظلتها العالمية.

من جانبه ألقى الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية كلمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين مشيرا إلى أن جلالته كان يرغب في أن يكون شخصيا بين الحضور، مسترجعا النداء الذي سبق أن وجهه خادم الحرمين الشريفين لكل الدول وشعوبها بمختلف دياناتها ومذاهبها مما يعكس أن مبادرته مبادرة إنسانية جادة تدعو وتؤمن وتؤيد وتدعم التسامح والمحبة والتآلف.

إلى ذلك أشار الأمير سعود إلى أن المركز يعتبر ثمرة لجهد دولي طويل ومتصل بدأ بمكة ومنها إلى مدريد ثم نيويورك وجنيف وأخيرا فيينا، حيث يعني تدشينه انتهاء مرحلة التنظير والإعداد لتبدأ مرحلة التنفيذ وتحقيق الأهداف وتشجيع الحوار الإنساني الهادف عبر حوار يتناول القضايا التي تشغل المجتمعات الإنسانية التي كثيرا ما تسببت في حروب ونزاعات وجرائم مما أدى لتطرف وإرهاب بأوجه مختلفة.

في سياق موازٍ، لم يغفل الأمير السعودي لفت الانتباه لضعف دور الأسرة وضعف الواعز الديني، مما أدى لانحسار وتدهور الأخلاق وانتشار الظلم والجرائم والآفات الاجتماعية والأزمات الصحية والبيئية على نحو غير مسبوق، مثمنا ضرورة ألا يقتصر دور المركز على إنهاء النزاعات، بل يشمل الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية.

موضحا أن المبادرة للحوار ترتكز على مبادئ روحية مضيفا، أنها - ومن حسن الطالع - وجدت صدى عالميا مما وضعها في صدارة الأولويات العالمية، مما يجعل المركز منتدى عالميا يشارك فيه ممثلون لجميع الديانات والمذاهب مما يفسح المجال كذلك لحوار مع منظمات الحوار الأخرى، مما من شأنه أن يعزز التسامح والتفاهم واحترام الآخر، ومما يمنع الإساءة للرموز الدينية والعبث بدور العبادة ومؤسساتها، متمنيا أن يساعد المركز الشعوب على تأمين مستقبلها في ظل شعور عميق ينتابها حاليا بالتشاؤم وعدم الأمان.

مختتما كلمته بالتأكيد على أن الجميع يتطلعون لأن يصبح المركز منظومة إنسانية تحمي الموروثات والقيم والمصالح المشتركة لمواجهة فيض عارم من مشكلات متراكمة وأوضاع صعبة.

وقال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في تصريح صحافي عقب الاجتماع: «إن اجتماع أتباع الأديان والثقافات التي تؤثر على البشر في هذا المركز جاء ليجعلها في خدمة البشر ولأغراض السلام ونشر الخير على هذه الأرض ليكون عامل خير وأن تكون الخلافات المذهبية عنصرا للتفاهم وليس عنصرا للتصادم».

وأضاف يقول: «هذا اليوم تاريخي ونحن نفتتح هذا المركز والذي نأمل أن يكون ذا أثر فعال لتقريب الناس إلى بعض وفي حل الأزمات بالطرق السلمية وهذا لن يأتي إلا بمعرفة الناس بعضهم لبعض ولن يعرفوا الناس إلا بمعرفة معتقداتهم وهذا ما نأمله من المركز»، موضحا أن هذا المركز هو الوحيد الذي أعضاؤه من رجال الدين وكلمتهم أساسية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

بدوره وصف وزير الخارجية الإسباني المركز بأنه إنجاز عظيم لتحقيق التعايش السلمي بين الديانات مشيرا إلى أنه تحد كبير في ظل العولمة، مما يجعل العمل شاقا من أجل تحقيق سلام دائم محليا وعالميا، سلام يقوم ويؤكد أن حرية العقيدة حق أساسي.

من جانبه كان أمين عام المركز فيصل بن عبد الرحمن بن معمر قد بادر للترحيب بالحضور مؤكدا استعداده وفريقه لبدء العمل بالمركز لتحقيق أهدافه استنادا على الحوار بوصفه مبدأ أساسيا يجعل من الدين عنصرا للتمكين وحلقة وصل للتفاهم ولتعزيز التعاون والاحترام والتعددية والسلام وتلك أهداف تكرر صداها في كلمة سكرتير عام الأمم المتحدة وبقية كلمات الخطباء كافة.