قال الزعيم القومي في كتالونيا ارتور ماس إن اقتصاد المقاطعة القوية قادر على الصمود في أوروبا من دون إسبانيا، لكن السؤال هو هل يمكن أن تصمد إسبانيا من دون كتالونيا؟ إلا أن احتمال استقلال كتالونيا البالغ عدد سكانها 7.5 مليون نسمة والتي تقع إلى شمال شرقي إسبانيا، لا يزال بعيدا في نظر حكومة رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي التي تعهدت بالحؤول دون إجراء أي استفتاء.
وفي الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد في المقاطعة، تراجعت الغالبية التي يحظى بها حزب الائتلاف الوطني المحافظ بزعامة ماس، بينما ازدادت شعبية اليسار الانفصالي، كما تنفست الحكومة الإسبانية الصعداء. ورغم الخسارة، تعهد الائتلاف بالسعي لتنظيم استفتاء شعبي لتقرير المصير. وطغت مسألة إعلان الدولة على كل المناقشات حول اقتصاد المقاطعة وديونها التي تفوق 40 مليار يورو! إلا أنها أبرزت مدى أهمية هذه المنطقة بالنسبة إلى سائر إسبانيا.
وصرح ماس على التلفزيونات الإسبانية قبل يومين على الانتخابات «يمكننا أن نتدبر أمورنا بشكل جيد»! متحديا توقعات بعض الخبراء بحصول كارثة اقتصادية في حال انفصال كتالونيا عن إسبانيا.
وقال ماس إن كتالونيا بصفتها دولة مستقلة ستحل في المرتبة الـ27 في الاتحاد الأوروبي على صعيد الثروة وفي المرتبة التاسعة لجهة قدرتها التجارية. لكن بالنسبة إلى سائر إسبانيا التي تشهد مرحلة من الانكماش وأزمة مصارف وحيث يعاني واحد من أصل أربعة عمال من البطالة، فقد حذر المحللون بأن المستقبل سيكون أسوأ من دون كتالونيا.
وقال راج بادياني المحلل لدى مجموعة «آي إتش إس غلوبال انسايت» للأبحاث في لندن إن حصول كتالونيا على الاستقلال «غير محتمل فعلا». وأضاف في مقابلة أنه حتى ولو حصل! فإن التأثير الأول سيكون خسارة في عائدات الضرائب.
وبالفعل، يشتكي عدد كبير من سكان كتالونيا من أن مدريد تفرض على منطقتهم ضرائب أكثر من المقاطعات الأخرى. وتقدر كتالونيا «عجزها المالي» بـ16 مليار يورو في السنة وهو ما تعترض عليه مدريد.
وتابع بادياني «سيكون هناك بالتأكيد تأثير واضح على عائدات الضرائب في سائر إسبانيا».
وأضاف: «لأن إسبانيا تواجه أصلا احتمال عدم تحقيق أهدافها المالية لهذا العام والعام التالي وعائدات الضرائب تتراجع بسبب الانكماش الذي يبدي مؤشرات كساد، فإن مثل هذا الاحتمال سيكون ضربة قاضية لقدرة إسبانيا على تحقيق أهدافها المالية في العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة».
وتابع بادياني أن انفصال كتالونيا التي تشكل خمس مجمل الإنتاج الاقتصادي الإسباني وأكثر من ربع صادراتها! سيلحق أضرارا بالاقتصاد بشكل عام.
وأضاف: «في حال اختفت كتالونيا فجأة! أعتقد أننا سنكون بصدد كساد أعمق وأطول في سائر إسبانيا».
ولعل الأكثر خطورة هو أن انفصال المقاطعة يمكن أن يوحي بأن مدريد فقدت السيطرة على البلاد.
وختم بادياني «عندها سنكون في الظلام إذ لا أحد يعرف فعلا ما سيكون تأثير الانفصال على سائر إسبانيا».
ووافقه خافيير كوادراس موراتو عالم الاقتصاد في جامعة بومبو فابرا في برشلونة الرأي بأن انفصال كتالونيا عن إسبانيا سينعكس مباشرة على الضرائب.
وقال موراتو «إذا كان الاقتصاد الإسباني بحاجة أصلا لإجراء تعديلات، فإنها في هذه الحالة ستكون وخصوصا في القطاع العام! أكثر خطورة، وأوسع نطاقا إلى حد ما».
وأشار تقرير لمعهد «انستيتوتو استوديوس ايكونوميكس» للأبحاث أنه وفي حال الانفصال! فإن إسبانيا ستصر على الأرجح بأن تتحمل كتالونيا حصة من الدين السيادي لإسبانيا والبالغ 685 مليار يورو.
وتقدر حصة كتالونيا بـ128 مليار يورو. إلا أن خبراء اقتصاد آخرين حذروا من أن الجهات الدائنة قد ترفض استبدال الدين الإسباني بسندات لا قيمة لها تصدرها كتالونيا. كما أن إسبانيا ستعاني هي الأخرى من خسارة الصادرات الكتالونية. وحذر إدوارد هيو خبير الاقتصاد في برشلونة من أنه «سيكون وضعا صعبا للغاية لأن إسبانيا ستخسر 30% من صادراتها! كما ستفقد إحد المناطق التي كانت من الأكثر دينامية في العصر الحديث».
وتساءل هيو «إذا كانوا يواجهون أصلا صعوبات في تطبيق إصلاحات والمضي قدما، فماذا سيكون عليه الأمر من دون كتالونيا؟». وقال: «كيف ستصمد مدريد وهي تدعم سائر المناطق التي تعاني من مشاكل؟».