برد الشتاء يسكن بيوت السوريين.. حيث لا وقود ولا كهرباء

قالوا إنهم «مستعدون للعيش في القطب الجنوبي إذا كان ذلك سيسقط النظام»

TT

حل الشتاء هذا العام قاسيا جدا على السوريين، لا سيما في المناطق «المحاصرة»، بحسب تعبير الناشطين، و«المحررة» بحسب تعبير الجيش الحر، أي تلك المناطق التي تخرج عن سلطة الدولة وتحرم من خدماتها كالكهرباء والماء والوقود والغاز المنزلي أو مازوت التدفئة، حيث تخضع لحصار خانق يمنع وصول المواد الأساسية إليها، ليصبح التهريب سبيلا وحيدا لإدخالها؛ مما يضاعف سعرها عدة مرات تلقائيا. أما المناطق الأخرى التي لا تزال تحت سلطة النظام فتعاني من شح الوقود كالغاز المنزلي والمازوت، وارتفاع أسعاره في السوق السوداء.

ويقول الناشط أحمد الدمشقي إن «المحظوظين فقط برعاية الدولة - من الموالين أو الصامتين - يحصلون على دور في شركة (سادكوب) للمحروقات، وينالون 250 لترا بسعر يتراوح بين 30 و35 ليرة سورية (أي السعر المدعوم)، وهي تكفي لتشغيل مدفئة واحدة لست ساعات يوميا لمدة لشهرين.. أما سائر الشعب، وبالأخص في المناطق المحاصرة، فلا يحصل على المازوت.. وبعض المناطق نسيت اختراع مدفئة المازوت من العام الماضي بعد ارتفاع الأسعار وصعوبة نقل المحروقات على الطرقات بسبب الانفلات الأمني. وارتفعت أسعار المازوت لتصل لأكثر من 65 ليرة للتر الواحد».

ولفت إلى أن «كثيرا من العائلات استبدلت بمدافئ المازوت مدافئ الحطب العام الماضي، ومنهم من استبدلها بها مدافئ الكهرباء.. لكن في المناطق المحاصرة لا توجد حتى كهرباء، وهذا العام لا يتوافر الحطب للتدفئة». ويتابع الناشط أن «الإقبال على استخدام الكهرباء خلق أزمة كهرباء، وعادت الحكومة إلى فرض برنامج تقنين يمتد لعدة ساعات يوميا يتفاوت عددها بين منطقة وأخرى، فهناك مناطق التقنين فيها ساعتان فقط خلال اليوم، ومناطق أخرى تكون المدة ست ساعات متقطعة».

فيما يقول باسل، وهو طالب جامعي يعيش بمفرده في أحد الأحياء الساخنة في دمشق، إنه بشق الأنفس حصل على أنبوبة غاز ودفع ثمنها 1500 ليرة (أي ثلاثة أضعاف سعرها)، ويستخدمها للتدفئة والطبخ وكل شيء. ويؤكد أن «وسائل التدفئة لديه هي الرياضة وتناول حساء ساخن وارتداء خزانة الملابس والاندساس تحت أربعة حرامات مع كيس ماء ساخن»، ويضيف «كله يهون أمام القصف.. مستعد للعيش في القطب الجنوبي مدى الحياة؛ إذا كان ذلك سيسقط النظام ويوقف القصف والتدمير».

أما في ريف حمص في مدينة القصير فبث الثوار فيديو لمدفئة أوضحوا فيه كيف تحول مدفئة المازوت إلى مدفئة غاز، حيث تم الاستبدال رأس بوتاغاز بحراق المدفئة.. لكن مشكلته أنه غير اقتصادي، وأنبوبة الغاز بالكاد تكفي عدة أيام، عدا عن أن الغاز بالأساس غير متوافر، لذلك أحيانا ما يلجأون إلى الحطب الذي يقتطعونه من بساتينهم المحروقة، حين يكون بالإمكان الذهاب إلى تلك البساتين مع توقف القصف.

أبو محمد في ريف دمشق يقول إنه وعددا من الشباب يبحثون وسط الأنقاض عن الأخشاب من أثاث البيوت المدمرة والأبواب، ويستخدمونها في التدفئة. ويؤكد أن «النظام وعدنا بأن نعود للعصر الحجري.. وقد نجح نجاحا باهرا».

وكانت الحكومة السورية قد رفعت أسعار المازوت والغاز في ربيع 2012، وحددت سعر لتر المازوت بـ25 ليرة سورية، وحينها كان سعر الدولار نحو 60 ليرة، في حين أنه تجاوز هذا الأسبوع الـ82 ليرة، بعد أن ارتفع في وقت سابق ليصل إلى 90 ليرة.

كما قررت الحكومة منح كل عائلة سورية 200 لتر بسعر 25 ليرة، إلا أن الأزمات المتعددة التي تغرق السوريين وفي مقدمتها الفوضى وانفلات الأمن، أسهمت في عدم التقيد بالسعر المحدد. وأدى طول انتظار الدور - ربما لشهور - للحصول على المازوت بعد التسجيل لدى الحكومة في مراكز المؤسسة العامة لتوزيع المحروقات (سادكوب) أو لدى مخاتير الأحياء أو حتى الفرق الحزبية (حزب البعث)، لدفع البعض باتجاه الغاز كوسيلة مرادفة للتدفئة.

وهذا الأمر بدأ الشتاء الماضي، ودفع لارتفاع سعر أنبوبة الغاز لتتجاوز في بعض المناطق الأربعة آلاف ليرة (في السوق السوداء)، لكن الأمر اختلف هذا العام مع تراجع سعر الغاز في السوق السوداء إلى 1500 ليرة، لكنها تظل مكلفة وغير آمنة صحيا. وتدعم الدولة مادة المازوت سنويا بقيمة 250 مليار ليرة، حيث تتكلف على اللتر الواحد 55 ليرة بالأسعار الحالية.. فيما يقدر استهلاك سوريا من مادة المازوت بنحو 7.5 مليار لتر سنويا.