مدينة اللاذقية تعيش على دوي المعارك في جبالها.. وجمرها تحت الرماد

«الجيش الحر» يراعي حساسيتها الطائفية.. والنظام يلاحق المعارضين العلويين

TT

يعيش سكان مدينة اللاذقية الساحلية يومياتهم على وقع شائعات تتحدث عن وصول «الجيش السوري الحر» إلى مشارف المدينة، فيما لا تنفك الأجهزة الأمنية تنفذ مداهمات واعتقالات بحق ناشطين مناصرين للثورة في الكثير من الأحياء الثائرة. وتشهد اللاذقية - وهي المدينة الخامسة في البلاد من حيث عدد السكان - هدوءا حذرا، ووفق ما يجزم به عدد من الناشطين فإنه «يخفي نذير عاصفة قد تهب في أي لحظة».

وفي حين يعزز الثوار والمعارضون وجودهم في أحياء الصليبة والرمل الفلسطيني وقنينص، رغم القبضة الأمنية القاسية، فإن المدينة تعيش على وقع أصوات المعارك من جهة الريف، حيث تدور اشتباكات يومية بين «الجيشين الحر والنظامي»، وعلى وقع أبواق سيارات الإسعاف التي تسارع إلى نقل المصابين إلى مستشفيات المدينة.

ويقول أحد الناشطين العلويين في اللاذقية لـ«الشرق الأوسط» إن «النظام يتحضر للإمساك بالمدينة عبر شد العصب الطائفي ودفع العلويين للوقوف معه في حال خسر دمشق، وبالتالي سوريا، ليكون الحل بالنسبة لآل الأسد بإنشاء دولة في الساحل مركزها اللاذقية»، وهذا ما يفسر بالنسبة للناشط «حملة الاعتقالات التي يشنها النظام عبر أجهزته الأمنية ضد الأصوات العلوية المعارضة له، كي تصبح الكلمة الفصل في الساحة العلوية لآل الأسد وحدهم».

وتشهد المدينة حملة اعتقالات تطال المعارضين العلويين، لا سيما الكتاب والمثقفين. وكان ناشطون في المدينة أكدوا نهاية الأسبوع الماضي، أن دورية من جهاز أمن الدولة داهمت منزل الكاتب والمعارض وعضو لجنة إعلان دمشق كامل عباس واقتادته إلى جهة مجهولة.

وينقل الناشطون عن مقربين من عباس معلومات تفيد بأن أسباب الاعتقال المباشرة تعود لكتاباته السياسية؛ وآخرها مقال ناقش فيها رواية «سمر يزبك» التي تتحدث عن الثورة السورية. كما كتب عباس عددا من المقالات انتقد فيها موقف طائفته (الطائفة العلوية) إلى جانب النظام.

وفي السياق عينه، اعتقل جهاز أمن الدولة المعارض السياسي العلوي علي بركات، وهو من مواليد مدينة القرداحة عام 1937. وسبق أن أمضى قرابة الاثني عشر عاما في سجون النظام. كما تعرض لاستدعاءات ومتابعات عدة خلال الفترات الماضية، وهو من الشخصيات المعروفة في محافظة اللاذقية.

إضافة إلى عباس وبركات، لا يزال النظام السوري يعتقل الدكتور عبد العزيز الخير، أحد أبرز قياديي هيئة التنسيق الوطنية السورية المعارضة. وتتحدر أصول الخير من عائلة علوية عريقة، وأدى اعتقاله إلى اشتعال اشتباكات عسكرية بين العائلات العلوية في منطقة القرداحة، مسقط رأس عائلة الأسد.

ويجمع عدد كبير من الناشطين العلويين المناهضين لنظام الأسد على «أن الهدف من اعتقال المعارضين العلويين هو إفراغ المجتمع العلوي من العقلاء، وتركه نهبا للشبيحة والغوغاء.. كي يتمكن النظام من تحقيق مخططاته التقسيمية بسهولة، فيما لو خسر المعركة في المدن السورية الأخرى». ويتحدث ناشطون عدة عن قيام هلال الأسد، أحد المتنفذين من أفراد العائلة الحاكمة، «بتأسيس ميليشيات خاصة به في مدينة اللاذقية، تنفذ عمليات خطف ونهب وقتل».. ويقولون إن هلال «ينفق على هذه الميليشيات من ماله الخاص، محاولا استمالة الفقراء من القرى العلوية للانضمام إليه».

ورغم القبضة الأمنية التي تحكم الإطباق على المدينة، فإن نشاط عدد لا يستهان به من المعارضين للنظام ما زال مستمرا، لا سيما في الأحياء التي شهدت سابقا حراكا ثوريا. ففي حي الصليبة، وسط مدينة اللاذقية، يجتمع أسبوعيا عدد من الناشطين لمناقشة سبل تأمين معونات إغاثية لمساعدة العائلات التي نزحت ولا تزال تنزح من مدن الداخل السوري؛ أي حمص وحلب ودمشق.

شيماء، كما طلبت أن ندعوها على سبيل الاسم المستعار، هي واحدة من النشطاء الذين يجتمعون في بيت يحرصون على سريته. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «عملنا يقتصر على الشق الإغاثي، حيث نحصل على المعونات من التجار والميسورين ونوزعها على العائلات النازحة». وتشير الناشطة المعارضة إلى أن «حي الصليبة (حيث تقطن) كان يضج بالمظاهرات مع بداية الثورة، لكن حملات القمع والقتل والاعتقال أوقفت كل شيء»، مشيرة بحسرة إلى أن «شباب الحي اقتنعوا بأن المظاهرات لا تنفع مع هذا النظام، وذهب معظمهم إلى الجبال (ريف اللاذقية) وانتسبوا إلى الجيش الحر».

وكان حي الصليبة، المعروف بعراقته، قد تحول مع بداية الثورة إلى معقل للمعارضين، حيث شهد حراكا ومظاهرات أسبوعية، أفضت إلى مداهمات واعتقالات. كما قام شبيحة باقتحام الحي على فترات زمنية مختلفة. وفي أبريل (نيسان) حاول الأهالي الاعتصام في شارع بورسعيد داخل الحي، غير أن قوات الأمن قامت بتفريقهم بعد أيام مستخدمة الرصاص، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى فيما يعرف محليا باسم «مجزرة بن العلبي»، التي تعرف أيضا باسم «مجزرة عيد الاستقلال» لكونها قد وقعت في اليوم الوطني السوري.

وتتقاطع معلومات من مصادر عدة على أن معظم المقاتلين في صفوف «الجيش الحر» المتمركزين في جبال اللاذقية يتحدرون بأصولهم من المدن الساحلية، كاللاذقية وبانياس وجبلة. ويعزو عبد العزيز، وهو أحد الناشطين المرافقين للكتائب المقاتلة، هذا الأمر إلى «حالة اليأس التي وصل إليها الشباب بعد قمع المظاهرات السلمية من قبل النظام بشكل دموي»، مؤكدا أن «معظم هؤلاء أجبر على حمل السلاح ليتابع نضاله في سبيل إسقاط النظام».

ويعتبر عدد من المناطق الريفية المحاذية لمدينة اللاذقية مناطق شبه محررة، تسيطر عليها كتائب «الجيش الحر» التي تحاول التمدد للوصول إلى مناطق جديدة. ويؤكد عبد العزيز «أن المنطقة الواقعة بين قرية برج القصب وصولا إلى الحدود التركية جميعها محررة»، إلا أن معاناة هذه المناطق - التي ما يزال العدد الأكبر من سكانها يعيشون فيها - تتلخص وفقا للناشط المعارض «بالقصف الوحشي الذي تمارسه طائرات الأسد بشكل شبه يومي على القرى التي يتحصن فيها الجيش الحر»، لافتا إلى أن «الطائرات ترمي البراميل المتفجرة والقذائف بشكل عشوائي، ما يجعل احتمال إصابة المدنيين كبيرا جدا».

ويشير الناشط المعارض إلى أن «الجيش الحر» يعي جيدا خطط النظام فيما يتعلق بمدينة اللاذقية، ويقدر الحساسية الطائفية التي عززها النظام ليضمن له حصنا أخيرا.. لذلك لن يقوم «الجيش الحر» بنقل عملياته إلى المدينة إلا حين يعرف أن سكانها بمختلف شرائحهم يؤيدون حضوره، كما يقول الناشطون.