مصادر فرنسية تتوقع اجتماعا «صعبا» بين هولاند وميدفيديف حول سوريا

رئيس الوزراء الروسي ينتقد باريس بشدة ويتهمها بانتهاك القانون الدولي

صورة لبعض غنائم المعارضة السورية عقب السيطرة على قاعدة بإدلب منذ أيام (أ.ب)
TT

توقعت مصادر رسمية فرنسية أن يكون الاجتماع المقرر بعد ظهر اليوم بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في قصر الإليزيه «صعبا» بسبب المواقف المتناقضة للطرفين من موضوع الأزمة السورية وبسبب الهجوم المباشر والعنيف الذي شنه الثاني في حديث صحافي على السياسة والمواقف الفرنسية المتشددة من الأزمة المذكورة.

ولا تتوقع باريس أي تقدم أو تقارب بين العاصمتين إزاء نقطة الخلاف الجوهرية بينهما والخاصة بمصير الرئيس السوري بشار الأسد. وحتى الآن، ترفض موسكو بشدة مطلب المعارضة والغرب بشكل عام وكثير من الدول العربية الداعي إلى رحيل الأسد عن السلطة بوصفه مدخلا للحل السياسي، بينما تتشبث موسكو بالقول إنه «يعود للسوريين دون غيرهم» تحديد مصير الأسد وترفض التدخل الخارجي «في الشؤون الداخلية لسوريا».

وحتى الآن، خابت آمال المسؤولين الفرنسيين من روسيا التي رفضت أن «تتزحزح» عن المواقف «غير القابلة للنقاش» التي تتمسك بها منذ اندلاع الانتفاضة السورية. وفي الأسابيع الأخيرة، تأخذ موسكو على باريس أمرين: الأول مسارعتها لأن تكون أول دولة غير عربية تعترف بالائتلاف الوطني السوري «ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري»، والمسارعة إلى مطالبة تجمع المعارضة الجديد بتسمية سفير له في باريس. والأمر الثاني رغبة أعلى السلطات الفرنسية ممثلة برئيس الجمهورية في المطالبة بإعادة النظر في حظر إرسال الأسلحة الأوروبي إلى سوريا من أجل نزع العقبة القانونية التي حالت حتى الآن دون مد المعارضة المسلحة بالسلاح الذي تحتاجه لمواجهة كثافة نيران النظام برا وجوا. وانتقد ميدفيديف بشدة، في حديث نشر أمس مع وكالة الصحافة الفرنسية وصحيفة «لو فيغارو» اليمينية، المواقف الفرنسية واصفا المبادرات الفرنسية بأنها «مخالفة للقانون الدولي» وللمبادئ التي أقرت في عام 1970، حيث إن «باريس تدعم قوة سياسية تسعى لقلب نظام شرعي». وقال ميدفيديف: «يعود فقط للشعب السوري وقوى المعارضة أن تقرر مصير الأسد ونظامه بطريقة شرعية وليس عن طريق تقديم السلاح بواسطة طرف آخر». وبرأي رئيس الوزراء الروسي، فإن هذا الوصف لا ينطبق على روسيا نفسها، لأن تعاونها العسكري مع دمشق له «طابع شرعي» ولأن ما تقدمه لها «لا يخالف أيا من القوانين الدولية» فضلا عن أن السلاح الذي يصل إليها «له طابع دفاعي ضد أي اعتداء خارجي».

واشتكى ميدفيديف من أن أي خلل بالعقود المبرمة مع سوريا سيقود إلى «عقوبات دولية» تفرض على روسيا بسبب عدم تنفيذ التزاماتها. ونبه المسؤول الروسي إلى «تفكك» سوريا وبروز بؤرة توتر جديدة «يستغلها الأصوليون الدينيون» في إشارة إلى «القاعدة» والمنظمات الشبيهة بها، معتبرا أن تطورا من هذا النوع «ليس لمصلحة روسيا ولا لمصلحة فرنسا».

وحقيقة الأمر أن باريس تشعر بـ«خيبة» إزاء موسكو لأنها كانت تأمل أن يقوم الطرف الروسي بإعادة تقويم موقفه من نظام الأسد. وترى المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن موسكو «ربما ما زالت تعتبر أن الأسد ما زال قادرا على الإمساك بالوضع» في سوريا رغم التحولات الميدانية التي طرأت في الأشهر والأسابيع الأخيرة. وكانت تستدل على ذلك من «الاضطراب» في مواقف موسكو التي تقول يوما إنها «غير متمسكة» بالأسد ويوما آخر إنه «باق» في سوريا حتى النهاية.

و«تتفهم» باريس تحفظات الطرف الروسي إزاء «اليوم التالي» لسقوط الأسد وإزاء «الفوضى» التي قد تعم سوريا؛ غير أنها ترى أن استمرار الوضع على هذا المنوال من شأنه زيادة الفوضى التي تريد موسكو تحاشيها وتمكين الأصوليين من أخذ موقع قدم في سوريا. وتؤكد المصادر الفرنسية أن باريس «تعرف المصالح الاستراتيجية لروسيا» في سوريا والشرق الأوسط ومنطقة المتوسط، وأنها «تتقبل» مبدأ توفير ضمانات للمحافظة عليها. بيد أن الخلاصة التي توصلت إليها مفادها أنه «ليس للروس سياسة بالمعنى الحقيقي للكلمة» في سوريا وأن بوصلتهم «اتخاذ المواقف النقيضة للمواقف الغربية لأنهم لم يغفروا للغرب تعاطيه مع الأزمة الليبية».

وفي أي حال، تعتبر المصادر الفرنسية أنه أصبح واضحا اليوم أن الخروج من حال المراوحة دبلوماسيا وسياسيا «لن يحصل قبل حصول تغير عسكري ميداني يدفع النظام وحلفاءه إلى قبول التفاوض سبيلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان» بمعنى قبول التفاوض.

وتراهن باريس، إلى جانب التقدم الميداني للمعارضة، على الدفع الدبلوماسي والسياسي لقيام الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة ولما قد يحصل عليه من اعتراف دولي به وبشرعيته. ولكن حتى الآن، بقيت هذه الحركة «متواضعة»؛ إذ انحصرت حتى الآن في باريس نفسها وبعدد قليل من العواصم مثل لندن وروما وتركيا ودول خليجية بينما بقي موقف الجامعة العربية عند «خط الحد الأدنى»، وكذلك موقف الاتحاد الأوروبي الذي اعترف بالائتلاف ممثلا «لآمال» الشعب السوري وهي صيغة لا تترتب عليها نتائج دبلوماسية أو قانونية.

أما موضوع رفع الحظر على السلاح، فإنه بقي من غير مناقشة في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين الأخير. ولا تتوقع باريس استجابة سريعة من قبل شركائها في الاتحاد الأوروبي بانتظار أن يثبت الائتلاف الجديد جدية في التعاطي مع الشأن العسكري وبروز قيادة عسكرية واضحة من شأنها توفير الضمانات للغربيين بأن السلاح المتطور الذي قد يعطى لهم لن يقع في أيد «جهادية».

وأمس، أعلنت باريس أنها قررت منح الائتلاف مساعدة إنسانية طارئة قيمتها 1.2 مليون يورو وقررت المرور عبره من أجل إرساء حضوره وتمكينه من إثبات نفسه في الداخل السوري. كذلك أفادت مصادر واسعة الاطلاع في باريس أن الخارجية الفرنسية تدرس «الوضع القانوني» للسفارة السورية في باريس بعد أن كانت قررت مساعدة سفير الائتلاف الدكتور منذر ماخوس على إيجاد مكاتب مؤقتة له بانتظار جلاء وضع السفارة.