إجماع على أهمية مركز الملك عبد الله العالمي للحوار للتقريب بين أتباع الأديان

د. الدليجان: مجتمعنا لا يخلو من قنوات الحوار والتواصل * غولددينغر: لن تتمكن أي جهة من تسيير المركز بحسب رغباتها * الحاخام أودد: المبادرة تؤكد إمكانية التحاور

TT

يكفي أن نلقي نظرة سريعة على عناوين الأخبار كي نفهم كم نحتاج هذا المركز وكم هو مهم.. هكذا قال بان كي مون الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بعد أن شارك في قص الشريط التقليدي لافتتاح مقر مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، بالعاصمة النمساوية فيينا أول من أمس، وكان في معية كبار ضيوف الشرف يتقدمهم وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والرئيس النمساوي هاينز فيشر ووزير الخارجية الإسباني وممثل دولة الفاتيكان وزعماء دينيين يهود وبوذيين ومسيحيين وهندوس وأصحاب عقائد وديانات أخرى.

ما بين متحمس، ومتشكك، ومتهيب، ومؤمل جاء الإجماع بين من تحدثت لهم «الشرق الأوسط» خلال أكثر من فعالية من فعاليات تدشين مركز الملك عبد الله، على أهمية الحوار والحاجة الملحة لحراك يساعد على التفاهم الديني والثقافي ويعزز احترام التنوع ويحقق العدالة ويحترم مبادئ حقوق الإنسان.

ورغم التأكيد أن المركز نفسه ليس مؤسسة دينية كما أنه ليس جهازا سياسيا جاءت الآمال والطموحات كبيرة تستشرف أن ينجح المركز في الجمع بين أصحاب الأديان والمذاهب والثقافات كافة للحوار وصولا لتفاهم واحترام ينوء عن مصائب وميكافيلية، ويبتعد عن كل عنصرية وصور مسبقة تصنف أهل هذه العقيدة بالانغلاق والإرهاب وأهل تلك بالانفتاح والسماح.

في هذا السياق قالت الدكتورة هدى الدليجان، من جامعة الملك فيصل بمدينة الأحساء لـ«الشرق الأوسط» إن فكرة المركز تتفق وقول الله تعالى «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم» كما أنها مبادرة ملكية مبنية على تاريخ طويل لحوار بين الأديان، تزداد أهمية بما وجدته من دعم عالمي يهدف للاستفادة منها بوصفها فرصة ثمينة في ظل انتشار التقنية والعولمة مما يجذب المزيد من الأنظار، مشيرة للنجاح الذي شهده حفل التدشين والحضور الواسع لمؤسسات ومنظمات وشخصيات لبت جميعها الدعوة بكل حماس يحدوها الأمل.

وردا على فئات تتشكك في أهداف المركز متهمة السعودية بأنها دولة يفتقر مجتمعها للحوار ويرفض الآخر قالت الدليجان «نحن وبحمده تعالى مجتمع يعيش في أمن وأمان لا يخلو من قنوات للحوار والتواصل وكمثال بسيط أتحدث عن مجتمع الأحساء، حيث تجمعنا توجهات كثيرة ومنا من هو سني وبمختلف المذاهب السنية، ومنا من هو شيعي وجميعنا نتعامل ونتعايش، ومن يرى غير ذلك ندعوه ليرى بعينيه ومن ثم يحكم علينا»، مضيفة: و«أمام الجميع مدارسنا وجامعاتنا فهي مفتوحة وهي خير دليل.

من جانبه أشار النمساوي ميخائيل غولددينغر المستشار الإداري بالمركز إلى أن رؤية بلاده كدولة مؤسسة بجانب السعودية وإسبانيا للمركز «تقوم على ضرورة أن يجتهد الجميع لتحقيق أهداف المركز عبر الحوار وصولا لمسيرة قد لا تكون سهلة، لكنها ليست مستحيلة حتى يتغير العالم ويصبح أحسن، من حيث التفاهم والاتفاق رغم اختلاف الديانات والثقافات والتاريخ والآراء، وإلا ضعنا وضاع مستقبل أجيالنا».

وأضاف: «من البداية لا بد أن نقر جميعا بضرورة قبول كل منا للآخر ولنترك كل الشكوك جانبا، فالمركز لن يمكن أي جهة إن شاءت تسييره، إذ لكل دولة من الدول المؤسسة الثلاث صوت واحد، إلى ذلك يتكون مجلس أمنائه من تسع شخصيات قوية، مما يمثل ضمانا كاملا لاستقلال المركز وعدم انفراطه عن أهدافه. تلك الشخصيات تم اختيارها لتمثل كل الديانات من مسلمين (شيعة وسنة) مسيحيين (كاثوليك وأرثوذكس وأتباع الكنيسة البريطانية) وبوذيين ويهود وهندوس، من جانبها تعمل سكرتارية المركز، التي تضم تخصصات متنوعة منها الباحثين والإداريين ممن يناط بهم توفير كل الاحتياجات اللازمة لتنظيم فعاليات وبرامج المركز الذي لن يكون «متجرا للكلام» وإنما مركز لحوار هادف وجاد أمامه مشاريع وبرامج معينة عليه تحقيقها. وقد تم الإعلان عن 3 مشاريع سيعمل المركز مع بدء أعماله مارس (آذار) القادم في تنفيذها».

من جانبها قالت حواء نور من المجلس الأفريقي للقادة الدينيين بأفريقيا: إن «مركز الملك عبد الله إضافة لها أهمية كبرى لثقله مما يمكن أن يوفر أرضية لتحقيق تفاهم واحترام بين مختلف العقائد خاصة في ظل التطرف الحالي والخوف الذي يصل لدرجة الفوبيا من المسلمين والدين الإسلامي في بعض المجتمعات الأوروبية، حيث يكثر عدد اللاجئين والمهاجرين من المسلمين». وأشارت حواء من واقع تجربتها، حيث عاشت ودرست بألمانيا، بضرورة حل المشاكل الناجمة من سوء الفهم للإسلام، مستدلة برفض بعض الحكومات الأوروبية للحجاب باعتباره حاجزا يحول بين المهاجرة المسلمة والاندماج في مجتمعها الجديد، بسبب رؤية البعض للحجاب على أنه دليل للقهر وتسلط المجتمع الذكوري والاستخفاف بحق المحجبات، مؤكدة أن مفاهيم كهذه يمكن أن تتغير وتزول بالشرح وبقبول الآخر سيما أن الاندماج لا يعني الانسلاخ والانصهار وإنما الاحترام.

وشددت على ضرورة أن يساعد المركز في فتح مسارات للتفاهم، خاصة أن الاختيار قد تم لدولة أوروبية موقعا له، مؤكدة أن الفهم المشترك لبعض القضايا يساعد في حل ما قد يظهر من رفض لسلوكيات وأسس مشتركة، ومن ذلك التفاهم والموقف الموحد الذي وقفته القيادات الدينية المسلمة واليهودية بألمانيا عندما فرضت بعض الحكومات الإقليمية حظرا على ختان الذكور ولم تتراجع إلا بعد شرح واف قدمه اليهود والمسلمون.

حوار ساخن قاده مدير مجلس رجال الدين اليهود، الحاخام أودد وينر، الذي أشار إلى أنه عادة ما يتحاور مع قيادات إسلامية من بينها وزير الأوقاف الفلسطيني، نافيا أن تكون هناك قلة داخل إسرائيل تؤمن بالحوار وقبول الآخر، مكررا القول إن المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية ليست مشكلة دينية بل نزاع عربي إسرائيلي حول الأرض والحدود.

وثمن الحاخام أودد مبادرة الملك عبد الله لكونها تؤكد للناس رغم اختلافاتهم إمكانية أن يجلسوا معا وأن يتحاوروا، مضيفا: «من الصعب أن تكره إنسانا يجلس بقربك ونظراتكم تتلاقى عن قرب وتستشف إنسانية كل منكما واهتمام كل منكما بأسرته ومشاكلها وضرورة التفاهم لتحقيق أمنها»، مختتما أن البشر جميعا خلقهم الله وأن الله لن يقبل أن يتحارب وتتقاتل مخلوقاته.

وعن عدد الإسرائيليين الذين يشاركونه هذا الرأي قال «الأغلبية تؤيد هذا الرأي، بدليل استطلاعات الرأي التي تؤكد رغبة الإسرائيليين في السلام»، مشددا على أهمية تعليم الأجيال حتمية وأهمية السلام عبر تفاهم واحترام، حتى ولو تغلغلت السياسة بين كل جزئيات الحياة، إلا أن مبادرة عظيمة كهذه يجب عدم التفريط فيها فهي تمثل أكبر دعم للحوار. في سياق آخر لم تخف ميري غوريتي، القسيسة القادمة من أوغندا غبطتها من أن تنبع المبادرة لإنشاء المركز من السعودية، ومن خادم الحرمين الشريفين شخصيا، مما يعني في نظرها جدية المسلمين في الدخول في حوار مباشر وصريح مع الديانات كافة، مشيرة أنها وخلال يومين قضتهما بفيينا تحدثت وحاورت أصحاب ديانات لم تسمع بها من قبل.

بدوره قال الأب السوري المسيحي الأرثوذكسي يوحنا إبراهام من مدينة حلب، إن كثيرا من الصراعات الحالية ذات صبغة دينية بسبب من يستخدمون الدين متى شاءوا عنصرا لتأجيج النفوس، مستدلا أنه حتى في سوريا وحتى بين المسلمين هناك من يرى أن الصراع سببه خلاف سني علوي.

ونبه يوحنا إلى خطورة ما وصفه بالخطاب الديني الذي يصدر أحيانا من بيئة جاهلة ليست مؤمنة، ولا ترتبط بالموروث الديني الاجتماعي المبني على التعاليم السماوية السمحة، مواصلا الإشارة لحقيقة أن مركز الملك عبد الله للحوار ليس مركزا لرجال الدين وإنما للباحثين والمفكرين ومنهم بعض رجال الدين، موضحا أن للمركز بعدين أحدهما لأتباع الديانات والبعد الآخر للحضارات «نحن نتحدث عن حوار بين الثقافة وليس بين رجال الدين»، وللصراحة ليس كل رجال الدين هم رجال حوار، لأن رجل الدين الذي لا يقبل بالآخر لا يستطيع أن يكون مفتوحا للحوار.

وكغيره يرى الأب إبراهام أن المشكلة الأكبر التي ينبغي الاهتمام بها هي قضية الجهل بوصفه مرضا خطيرا يدب في جسم الإنسانية ولا يمكن علاجه إلا بنشر الثقافة والوعي حتى ولو احتاج الأمر لوقت طويل وصعب، متسائلا: «هل يستطيع مركز الملك عبد الله في فيينا أن يضع في قائمة أولوياته نشر ثقافة الوعي من خلال استراتيجية محكمة؟»، ومن ثم يرد على سؤاله «إذا لم يستطع ولم يوفق فإذن لن يستطيع أن يفعل شيئا».