أزمة اليمين الفرنسي تتفاقم وتحدث انشقاقا وسط نوابه بالبرلمان

فيون يتجه لتشكيل مجموعة برلمانية مستقلة.. و3 جهات مستفيدة من الوضع

فيون أثناء وصوله لمؤتمر صحافي بعد عقده جلسة مع مقربين منه حول أزمة رئاسة «الاتحاد من أجل حركة شعبية» في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

يعيش اليمين الفرنسي الكلاسيكي دراما سياسية حادة أدت حتى الآن إلى انشطاره إلى قسمين شبه متساويين سببه الطموحات الشخصية والانقسامات الآيديولوجية. وبعد أقل من 7 أشهر على هزيمة مرشحه نيكولا ساركوزي إلى رئاسة الجمهورية في شهر مايو (أيار) الماضي، فشل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية في انتخاب رئيس جديد له يحظى بالشرعية الضرورية، كما فشلت كل المحاولات التي بذلت حتى الآن لإيجاد أرضية مشتركة أو تفاهم مقبول بين رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون وأمين عام الحزب جان فرانسوا كوبيه. وتظهر كافة استطلاعات الرأي أن مناصري الحزب المذكور وجمهور اليمين بشكل عام سئموا من هذه «المهزلة» في حين يدعو نوابه وسياسيوه إلى تخطي الانقسام والاتفاق على مخرج يحفظ ماء الوجه للجميع.

وتعود بداية المسلسل إلى الانتخابات الداخلية التي جرت قبل أسبوع والتي جاءت نتائجها متقاربة للغاية بين فيون وكوبيه اللذين سارع كلاهما للإعلان عن فوزهما. لكن الطرفين تبادلا اتهامات الغش والخداع والتلاعب بالنتائج وحشو صناديق الاقتراع وإخفاء لوائح الشطب وإلى ما هناك من المآخذ. ورغم ذلك، أعلن فوز كوبيه بفارق 98 صوتا. وقبل المرشح المهزوم النتيجة على مضض حتى اكتشف أحد أنصاره أن نتيجة التصويت في ثلاث من مناطق ما وراء البحار لم تحتسب وفي حال احتسابها فإن فيون سيكون الفائز بفارق 28 صوتا. وأعادت لجنة الطعون احتساب أصوات نحو 300 ألف منتسب للحزب وجاءت النتيجة مرة جديدة لصالح كوبيه الذي تبين أنه فائز بأقل من ألف صوت. والفارق يعود لإخراج نتائج بعض الدوائر المشكوك بأمرها بسبب الغش والتلاعب من الاحتساب. لكن فيون أعلن رفضه للنتيجة باعتبار أن اللجنة «غير شرعية» وهي «موالية» لمنافسه كوبيه.

ولم ينجح رئيس الوزراء الأسبق آلان جوبيه في إخراج صيغة مقبولة من قبعته، معتبرا أن الشخص الوحيد القادر على اجتراح العجائب هو ساركوزي نفسه لما له من «هيبة». ورغم الدعوات المتعددة التي دفعت باتجاه معاودة التصويت، صم الفائز أذنيه عنها، داعيا إلى الالتفاف حول الحزب وحول إدارته الجديدة، ومعتبرا أن الانتخابات «أصبحت وراءنا». ويبدو كوبيه متشبثا بموقه الجديد، لا بل إنه سارع إلى نفي أن يكون ساركوزي، وفق ما نقل عنه مقربون منه، قد دعا إلى انتخابات جديدة إذ إنه لا مصلحة سياسية له أن يعود الرئيس السابق إلى الواجهة علما بأن نزاع اليوم مرتبط ارتباطا وثيقا بالتنافس على ترشيح الحزب اليميني للانتخابات الرئاسية القادمة.

وإزاء مجمل هذه التطورات، عمد فيون إلى تجميع مناصريه من النواب وأعلن أمس أنهم سيشكلون مجموعة برلمانية منفصلة عن مجموعة الحزب، ما يعني عمليا شق الحزب إلى قسمين والتهديد بانفراط عقده. وربط فيون التراجع عن ذلك بإجراء انتخابات جديدة نزيهة في الأشهر الثلاثة المقبلة من غير أن يستبعد اللجوء إلى القضاء ليحسم في شرعية انتخاب كوبيه.

هكذا يجد اليمين الكلاسيكي نفسه في حالة تمزق داخلي عادت بسببه النزاعات السابقة المرتبطة بالخط السياسي والآيديولوجي لتطفو على السطح. ولا شك أن المستفيد الأول ولأشهر كثيرة من أزمة اليمين هو الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند وحكومته، إذ إن اليمين منشغل بنزاعاته الداخلية، وبالتالي فإنه «يريح» اليسار من انتقاداته ويعطيه مجالا ليلتقط أنفاسه ويعيد تنظيم صفوفه وأولوياته بعد «عثرات» الأشهر الأولى من حكمه.

لكن اليسار ليس سوى أحد المستفيدين، إن أن هناك آخرين يسيل لعابهم إزاء ما يرونه. فمن جهة، هناك مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) التي توقعت ومنذ الانتخابات الرئاسية «انفجار» اليمين الكلاسيكي وهي تمني النفس باجتذاب المحازبين الأكثر يمينية إلى صفوف حزبها بعد أن «قرفوا» من المشهد المخزي لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية. أما المستفيد الآخر فهو تيار الوسط المتمثل باتحاد الديمقراطيين المستقلين الذين يقودهم الوزير السابق جان لوي بورلو. وهؤلاء يريدون استعادة المحازبين المعتدلين الذين لا يروقهم الخطاب اليميني المتشدد الذي اختاره ساركوزي إبان حملته الانتخابية ولا نهج جان فرانسوا كوبيه الذي لحق بساركوزي لاعتباره أن الأكثرية داخل الحزب تميل إلى اليمين المتشدد. ومن هنا، جاء حديثه عن «العنصرية المعادية للبيض» في أوساط المهاجرين وحديثه عن الإسلام وابتداعه لقصة قطعة الحلوى التي انتزعها «زعران» من يد طفل فرنسي لأنه كان يأملها في رمضان وإلى ما هناك من خطاب بالغ التشدد إزاء المهاجرين والهوية الفرنسية. أما المستفيد الأخير فهو الرئيس ساركوزي نفسه رغم أنه مسؤول شخصيا عن جانب كبير من الأزمة. وليس سرا أن ابتعاد الرئيس السابق عن المسرح السياسي ليس دائما، وليس مستبعدا أن يسعى إما بمناسبة أزمة حزبه الراهنة وإما في وقت لاحق، إلى العودة إلى الواجهة ولمقارعة الرئيس هولاند في الدورة الرئاسية القادمة.