اليابان تتجه لخلع «قفازاتها الناعمة» أمام المد الصيني

طوكيو تباشر لأول مرة تدريبات عسكرية خارج حدودها

عسكريون تابعون لأكثر من عشرين دولة أفريقية وآسيوية خلال مشاركتهم في تدريبات عسكرية مشتركة في يوكوهاما في 23 أكتوبر الماضي (نيويورك تايمز)
TT

بعد سنوات من تراجع نفوذها على الساحة الدولية جراء الركود الاقتصادي، تسعى اليابان، الدولة الميالة للسلم، إلى تعزيز صورتها بشكل جديد تماما؛ حيث بدأت للمرة الأولى منذ عقود تقديم مساعدات عسكرية واستعراض قواتها المسلحة في محاولة لعقد تحالفات إقليمية وتعزيز دفاعات الدول المجاورة لمواجهة المد الصيني.

بدأت اليابان هذه العام وللمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تقديم مساعدات عسكرية لدول أجنبية عندما وافقت على اتفاق بقيمة مليوني دولار يتولى بموجبه مهندسوها العسكريون تدريب قوات الجيش في كمبوديا وتيمور الشرقية على أعمال الإغاثة وإنشاء الطرق. كما شاركت السفن الحربية اليابانية في تدريبات عسكرية مشتركة مع عدد كبير من القوات المسلحة الأخرى في دول المحيط الهادي وآسيا. وبدأت أيضا في القيام بزيارات منتظمة إلى موانئ دول كانت تخشى من عودة العسكرية اليابانية إلى الحياة مرة أخرى.

وبعد توسيع برامج المساعدات المدنية لتدريب وتسليح قوات حرس السواحل في الدول الأخرى بالمعدات، أشار مسؤولو الدفاع اليابانيون والمحللون إلى أن اليابان قد تتجه قريبا إلى بيع المعدات العسكرية بدءا بالمروحيات البحرية، وانتهاء بالغواصات التي تعمل بالديزل والقادرة على التخفي والعمل في المياه الضحلة حيث تؤكد الصين على مزاعمها الإقليمية.

وعلى الرغم من تواضع هذه الخطوات، إلا أنها تمثل تحولا واضحا لليابان التي رفضت دعوات متكررة من الولايات المتحدة بالتحول إلى قوة إقليمية حقيقية، خشية أن يؤدي القيام بذلك إلى ابتعادها عن منهجها السلمي بعد الحرب. بيد أن الباعث الرئيس للتحرك الياباني اليوم، وتخليها عن ترددها والتحول إلى لاعب أساسي، المحاولات الأميركية والصينية لتوسيع نفوذهما في آسيا. ويبدو أن القلق الشديد بشأن الطموحات الصينية يخفف من المرارة التي تشعر بها دول جنوب شرق آسيا تجاه الهيمنة العسكرية اليابانية خلال القرن الماضي.

كان الدافع وراء تحول استراتيجية الأمن القومي لليابان هو الخلاف المتوتر مع الصين حول الجزر غير المأهولة في بحر الصين الشرقي التي تزيد قلق اليابان من أن يترك التراجع النسبي الذي تشهده اليابان، والأزمة المالية التي يواجهها نصيرها التقليدي، الولايات المتحدة، مما يجعلها في موضع ضعف في مواجهة خصومها.

ويقول كيرو كيتاغامي، المستشار الخاص لرئيس الوزراء الياباني يوشيهيكو نودا حول قضايا الأمن: «خلال الحرب الباردة، كان على اليابان السير خلف الولايات المتحدة. لكن الأمر مختلف مع الصين. ينبغي على اليابان أن يكون لها موقفها الخاص».

هذه التحركات اليابانية لا تعني أنها قد تحول جيشها الذي يضطلع بمهمات دفاعية فقط إلى قوة هجومية قريبا؛ حيث رفض الشعب الياباني في السابق محاولات من قبل سياسيين لتعديل الدستور الياباني السلمي وأن الدين الضخم سيحد من المساعدات التي يمكن أن يقدمها الجيش الياباني. لكن الواضح هو أن هذه المواقف تكتسب زخما في اليابان في وقت تواصل فيه الصين زيادة إنفاقها على التسليح وتأكيدها بأنها صاحبة الأحقية في الجزر التي تزعم اليابان ملكيتها، إضافة إلى أجزاء واسعة من بحر الصين الجنوبي الذي تقول عدة دول آسيوية إنه خاضع لسيطرتها.

واجه القادة اليابانيون التحدي الصيني بشأن الجزر المعروفة في اليابان باسم سنكاكيو، وفي الصين باسم ديايو، بتصميم بالغ على الرد، وتظهر استطلاعات الرأي موافقة شعبية واسعة على هذا القرار. كما تتحدث الأحزاب الرئيسة في البلاد صراحة عن قراءة أكثر مرونة للدستور تسمح لليابان بالدفاع عن حلفائها، وإسقاط أي صاروخ كوري شمالي موجه نحو الولايات المتحدة، على سبيل المثال. وكان الجيش الياباني قد تجاوز هذا الخط في العراق وأفغانستان؛ حيث دعمت اليابان الحملات التي قادتها الولايات المتحدة بنشر ناقلات بحرية لإعادة تزويد السفن الحربية في المحيط الهندي بالوقود.

ويقول المسؤولون اليابانيون إنهم لا يرغبون في الدخول في سباق على النفوذ مع الصين بل في بناء روابط مع الدول التي تشاركنا القلق بشأن جارتهم المهيمنة، واعترفوا بأنه حتى بناء قدرة حرس سواحل الدول الأخرى هو وسيلة لتعزيز قوة تلك الدول للتصدي لأي تهديد صيني.

ويقول يوشيدي سويا، مدير معهد دراسات شرق آسيا بجامعة كيو في طوكيو: «نحن نود أن نبني تحالفنا الخاص في آسيا لمنع الصين من اجتياحنا»، أو كما قال نائب وزير الدفاع آكيهيسا ناغاشيما، في مقابلة معه: «لا يمكننا أن نسمح لليابان بالتراجع الكبير».

رحبت الولايات المتحدة بشكل عام بهذه الجهود التي قامت بها اليابان، التي تهدف إلى بناء استراتيجية خاصة بها لتشكيل تحالف عسكري آسيوي يمكنها من التصدي للصين، والتوسع العسكري الأميركي في المنطقة.

ردت الصين، التي عانت من الأطماع الاستعمارية اليابانية في القرن العشرين، بتحذيرات من أن اليابان تحول إلغاء نتيجة الحرب العالمية الثانية من خلال عودة عسكرية ثانية. وخلال المؤتمر الدفاعي الذي عقد في أستراليا الشهر الماضي، حذر الجنرال الصيني رين هاكوان مضيفيه من التحالف مع ما أسماه دولة فاشية قصفت مدينة داروين الأسترالية.

لكن، وفي تغير جيوسياسي بالمنطقة، فإن المخاوف بشأن أي عودة عسكرية يابانية بدأت تخبو لدى دول لها نزاعات عسكرية مع الصين مثل فيتنام والفلبين. ويقول محللون هناك وفي كل مكان في المنطقة، إن بلدانهم رحبت، والبعض دعا لمساعدة اليابان. ويقول رومل بانلوي، الخبير الأمني في معهد الفلبين للسلام، بحث الإرهاب والعنف في مانيلا: «لقد نحينا جانبا كوابيس الحرب العالمية الثانية بسبب التهديد الذي تفرضه الصين».

ومؤخرا شارك 22 من قادة مسؤولي حرس السواحل من أكثر من عشرة دول آسيوية وأفريقية في رحلة تدريبية حول خليج طوكيو على متن قارب أبيض رشيق تابع لخفر السواحل اليابانية. التقط الزوار الصور لغرفة المحرك، وقبل أن يغادر الزورق الميناء وقف الوفد الأجنبي والطاقم الياباني على متن القارب في مواجهة بعضهم البعض لتحية بعضهم البعض. وقال مارك ليم، المسؤول الإداري من حرس السواحل الفلبيني الذي كان بين أعضاء الوفد الفلبيني الذين حضروا الرحلة إن اليابان في طريقها للحاق بالولايات المتحدة وأستراليا في الدفاع عنا أمام الصين. وينظر لليابان على نطاق واسع على أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك قوة بحرية كافية للوقوف في وجه الصين.

* خدمة «نيويورك تايمز»