مصر تستعيد أجواء 25 يناير بمظاهرات حاشدة ضد الإعلان الدستوري

القضاة في اعتصام مفتوح.. وعودة هتافات «الشعب يريد إسقاط النظام»

آلاف المتظاهرين المصريين في ميدان التحرير ضد الرئيس مرسي يطالبون برحيله أمس (أ.ف.ب)
TT

استعادت مصر أمس زخم ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وهتف مئات الألوف من المصريين في ميادين المحافظات، وعلى رأسها ميدان التحرير، أيقونة الثورة بالعاصمة القاهرة، ضد الرئيس الحالي محمد مرسي: «ارحل».

وكان لافتا بقوة عودة أجواء الأيام الأولى لثورة يناير 2011، حيث تظاهر مئات الآلاف من المصريين من عدة تيارات سياسية مدنية تحت شعار «للثورة شعب يحميها» اعتراضا على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي يوم الخميس الماضي، ونظموا مسيرات من عدة مناطق في أنحاء القاهرة المختلفة، كانت وجهتها الميدان.

واستعاد الميدان مرة أخرى الهتاف التاريخي الأثير «الشعب يريد إسقاط النظام» الذي هتف به المتظاهرون في وجه الرئيس السابق حسني مبارك خلال الـ18 يوما الأولى من الثورة، حتى تخلى مبارك عن حكم مصر في 11 فبراير (شباط) 2011، كما ردد المتظاهرون هتافات هاجموا فيها جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي، ومرشدها العام الدكتور محمد بديع، واتهموا الجماعة ببيع الثورة المصرية من أجل المصالح الخاصة. وردد المتظاهرون: «يلا يا مصري انزل من دارك محمد مرسي هو مبارك»، و«يا أهلينا انضموا لينا (الإخوان) باعوا فينا»، و«ارحل يعني امشي»، و«يسقط (الإخوان)».

وبينما قصدت المسيرات من كل حدب وصوب ميدان التحرير، شهدت أطراف الميدان من جهة السفارة الأميركية اشتباكات متقطعة بين المتظاهرين، وقوات الأمن التي أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لمنع المتظاهرين من التوجه صوب السفارة الأميركية.

ومنذ الصباح الباكر، انتشرت في الشوارع المحيطة سيارات الإسعاف، وأقام المتظاهرون عدة مستشفيات ميدانية لإسعاف أي حالة إصابة تقع في الميدان، كما وضع مجموعة من المتظاهرين تمثالا مفتول العضلات في بداية شارع محمد محمود، يعبر عن الثورة المصرية، في رقبته مفتاح الحياة، ويمسك في يده اليمنى مطرقة، للتصدي لكل أعداء الثورة.

وشهد ميدان سيمون بوليفار اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن بالقرب من السفارة الأميركية في القاهرة، رغم قيام بعض المتظاهرين بتنظيم سلاسل بشرية للفصل بين المتظاهرين وقوات الأمن بالميدان، ورشق المتظاهرون، وغالبيتهم صغار السن، قوات الأمن بالحجارة، وقامت بالرد عليهم بالحجارة وقنابل الغاز المسيل للدموع التي وصل مداها إلى مدخل ميدان التحرير من ناحية مسجد عمر مكرم، وقد أصيب بعض المتظاهرين بكدمات وسحجات إثر وقوعهم نتيجة التدافع أثناء فرارهم من قنابل الغاز.

وامتلأ الميدان عن آخره في نحو الرابعة عصرا قبل وصول عدد من المسيرات، منها القادمة من منطقة دوران شبرا الشعبية التي تقدمها الدكتور محمد البرادعي، أو تلك القادمة من ميدان مصطفى محمود.

ونصب المتظاهرون عشرات الخيام في الحديقة المستديرة التي تتوسط الميدان، ونظم عدد منهم لجانا شعبية على مداخل الميدان خوفا من اقتحام أنصار التيارات الإسلامية، بينما غاب رجال الشرطة عن المشهد تماما أمس في منطقة وسط القاهرة بالكامل، واكتفوا بالوجود داخل أقسام الشرطة التي أحاطت أغلبها قوات الأمن المركزي لحمايتها من أي محاولة لاقتحامها. واشتعل الميدان بالهتافات عند دخول مسيرتين متعاقبتين للمحامين والصحافيين الميدان، وقال جمال فهمي، وكيل أول نقابة الصحافيين، لـ«الشرق الأوسط»: «أتينا اليوم لنرفض الإعلان الدستوري الجائر الذي أصدره الرئيس مرسي، وأراد به أن يتحول إلى ديكتاتور».

وأضاف: «الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين قررت في اجتماعها يوم الأحد الماضي تنظيم هذه المسيرة تأكيدا من النقابة وأعضائها لانحيازهم لصالح الشعب المصري ومطالبه المشروعة».

وأعلن حزب «التحالف الاشتراكي»، على صفحته الرسمية على موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي، عن وفاة أحد أعضائه، ويدعى فتحي غريب، إثر إصابته باختناق من كثافة الغاز الذي تم إطلاقه صباح أمس على المتظاهرين في ميدان التحرير، ونقل للعلاج في مستشفى الهلال برمسيس، إلا أنه لم يتسن التأكد من الخبر من مصادر طبية مستقلة.

وأشار مصدر بوزارة الداخلية إلى أن اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية، كان التقى عددا من رموز القوى السياسية من أجل التهدئة وحث المتظاهرين على الحفاظ على سلمية المظاهرات، وهي الجهود التي باءت بالفشل، على حد قوله.

من جهتها، بررت مصادر أمنية، تحدثت معها «الشرق الأوسط»، أمس، إطلاق قوات الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع على الميدان، بقيام المتظاهرين برشق قوات الأمن الموجودة في محيط السفارة الأميركية بالحجارة. من جانبه، قال الدكتور هشام قنديل، رئيس مجلس الوزراء، في بيان له، أمس: «إن حق التظاهر السلمي مكفول للجميع»، مؤكدا التصدي الحازم لكافة أشكال العنف والخروج عن سلمية التظاهر، بما في ذلك التعدي على المنشآت ورجال الشرطة المكلفين تأمين الأفراد والمنشآت.

وكشفت مصادر أمنية أمس عن أن وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين التقى الرئيس محمد مرسي قبل المظاهرات للتأكد من حسن تأمين المظاهرات، والتعامل الحازم مع أي خروج عن السلمية. وشدد الوزير على أن الشرطة تقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب السياسية. ومن جانبهم، بدأ المئات من رجال القضاء والنيابة العامة اعتصاما مفتوحا، اعتبارا من أمس، بداخل نادي القضاة في وسط القاهرة، وذلك احتجاجا على الإعلان الدستوري الذي صدر يوم الخميس الماضي، والذي اعتبروا أنه يمثل انتقاصا ومساسا بالسلطة القضائية، وشارك في الاعتصام الكثير من أعضاء مجلس إدارة النادي ورؤساء أندية القضاة بالأقاليم ورجال القضاء والنيابة العامة من مختلف الأعمار.

وتظاهر المئات من المنتمين لحركات وقوى سياسية مختلفة أمام مقر نادي القضاة، مؤكدين تأييدهم للقضاة ومساندتهم في مطلبهم الداعي إلى إسقاط الإعلان الدستوري بكامله.

وقرر مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة برئاسة المستشار حمدي ياسين، رئيس النادي ونائب رئيس مجلس الدولة، عقد جمعية عمومية طارئة يوم الجمعة المقبل بمقر النادي في القاهرة، بمشاركة حاشدة لجميع أندية الأقاليم، وذلك للإعلان عن موقفهم الرافض للإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره الرئيس محمد مرسي يوم الخميس الماضي. وفي الإسكندرية، بدأت مظاهرات المحامين والقوى المدنية من أمام محكمة الحقانية بالإسكندرية، لتأكيد رفضهم للإعلان الدستوري، ومطالبتهم باستقلال القضاء، ورفضهم استحواذ الرئيس على كل السلطات. واستمرت المظاهرات حتى وصلت إلى محطة الرمل وساحة مسجد القائد إبراهيم.

وردد المتظاهرون هتافات منددة بحكم المرشد وجماعة الإخوان المسلمين ومشروع النهضة، هاتفين: «حلق حلق حوش مشروع النهضة طلع فنكوش». وانضم العشرات من أسر «الشهداء» بالإسكندرية إلى صفوف المتظاهرين، وقالت والدة أحمد السيد الذي قتل إثر طلق ناري بالرأس في منطقة برج العرب بالإسكندرية، «إنها جاءت لمشاركة المتظاهرين ومساندتهم لتحقيق مطلبهم في إسقاط الإعلان الدستوري الجديد الذي يجعلنا تحت حكم ديكتاتوري له كل الصلاحيات».

وفي السويس، نظمت القوى السياسية مسيرة تضم عددا كبيرا من النشطاء والمواطنين جابت شوارع المدينة، ورفضت القوى السياسية استمرار المسيرة حتى الشارع المؤدي إلى حزب الحرية والعدالة، خوفا من تكرار مشهد يوم الجمعة الماضي وحدوث اشتباكات وإصابات، وتكرار محاولة اقتحام الحزب وسقوط مصابين من الجانبين، حاملين لافتات تندد باللجنة التأسيسية وتطالب بإسقاطها وإسقاط الإعلان الدستوري الأخير. وفى مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، نظم شباب المحلة الثائر وحركة «شباب 6 أبريل» وائتلاف شباب الثورة وأعضاء من القوى اليسارية والحزب الشيوعي، مسيرة ووقفة احتجاجية ووقفوا في ميدان البندر، حاملين لافتات كتبوا عليها «30 يونيو يوم نكسة 67»، «كرامة – حرية - عدالة اجتماعية مطلب شرعي لكل الثوار»، «ومظاهراتنا ضد الفقر وضد الجوع.. ضد مرسي وضد بديع». وفي أسوان بجنوب مصر، تجمعت أعداد كبيرة من المتظاهرين بميدان المحطة وخرجوا في مسيرة من الميدان حتى ميدان الزلابية بمنطقة السيل بأسوان، وزعوا خلالها بيانات تندد بقرارات الرئيس مرسي والإعلان الدستوري الأخير.