الفلسطينيون ضامنون للفوز بـ«دولة غير عضو».. وأميركا تعارضها وأوروبا منقسمة

عباس يفتتح اليوم جلسة التصويت على طلب «الدولة» بعد 24 ساعة من فوز قرار حق تقرير المصير بأغلبية غير مسبوقة

رجلا أمن فلسطينيان يعلقان لافتة تحمل صورة أبو مازن وياسر عرفات استعدادا لمهرجان استقبال عودته من الأمم المتحدة (أ.ب)
TT

وسط استعدادات للاحتفال في الأراضي الفلسطينية وأماكن الوجود الفلسطيني، يفتتح الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) اليوم جلسة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على الطلب الفلسطيني للحصول على وضع «دولة غير عضو» في الذكرى الـ65 لصدور قرار التقسيم 181 لعام 1947، واليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وسيغادر عباس نيويورك التي وصل إليها فجر أمس فور التصويت الذي يؤكد المسؤولون الفلسطينيون حصوله على تأييد أكثر بكثير من ثلثي الأعضاء من مجمل أعضاء الجمعية العامة الـ194.

وقال مصدر فلسطيني لـ«الشرق الأوسط» إن أبو مازن سيلقي خطابه المختصر الذي يشدد فيه على الشرعية الفلسطينية وعدم التناقض بين التصويت لصالح دولة فلسطين ومفاوضات السلام، وسيؤكد استعداده للعودة إلى التفاوض بعد الفوز بالقرار، في نحو الساعة العاشرة من مساء اليوم حسب توقيت الضفة الغربية (الثامنة حسب توقيت غرينيتش/ الخامسة عصرا حسب نيويورك) وسيجري التصويت على مشروع القرار في نحو الساعة الثانية عشرة (العاشرة حسب غرينيتش). وحسب المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، فقد اتفق على أن يتم التصويت فور انتهاء أبو مازن من خطابه المقتضب، على أن يسمح بإلقاء كلمات رؤساء الوفود الذين تقدموا بطلبات لإلقاء كلمات، لاحقا.

وأكد عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المقرب من أبو مازن لـ«الشرق الأوسط» أن «احتمالات الفشل غير واردة على الإطلاق، وفوز الطلب الفلسطيني بالأصوات الكافية (130)؛ أي ثلثي الأعضاء الـ194، مضمون مائة في المائة، ولكننا نسعى إلى الفوز بالأصوات الأوروبية حتى لا تزعم إسرائيل أننا حققنا الفوز بأصوات دول عدم الانحياز والمجموعة الإسلامية فحسب».

وردا على سؤال عما إذا كان الجانب الفلسطيني يمكن أن يرضخ في اللحظة الأخيرة لضغوط دول مثل بريطانيا بالتقدم بتعهدات بعدم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، قال الأحمد إن «الجانب الفلسطيني رفض أي مساومات أو ضغوط بشأن أي بند من البنود لا سيما المحكمة الدولية»، وأضاف أنه «عندما طلب منا الفرنسيون ذلك، طلب منهم أبو مازن أن يأتوا بتعهدات مكتوبة من إسرائيل بالتراجع عن الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى».

وحسب وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، فإن بريطانيا لا تعارض مشروع القرار، ولكنها ربطته بشرطين اثنين؛ الأول له علاقة بعضوية المنظمات التابعة للأمم المتحدة لا سيما بالمحكمة الجنائية الدولية، والثاني العودة فورا بعد التصويت إلى طاولة المفاوضات المباشرة.

ومن الدول الأوروبية التي أعلنت موقفها المؤيد للطلب الفلسطيني، إضافة إلى فرنسا، سويسرا والدنمارك والنمسا وفنلندا وإسبانيا والبرتغال وآيرلندا. وقالت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن السلطة تلقت ردودا إيجابية ومشجعة من دول أوروبية أخرى. وأضافت أن هذه فرصة لكي يصحح العالم ظلما تاريخيا خطيرا تعرض له الشعب الفلسطيني منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948.

وفي إطار هذه الضغوط، استقبل أبو مازن فور وصوله إلى نيويورك أمس نائب وزيرة الخارجية الأميركية ويليام بيرنز، الذي أكد رفض إدارته المسعى الفلسطيني، وقالت مصادر إن الإدارة تحاول الآن، بعد فشلها في إثناء أبو مازن عن موقفه، الحصول على ضمانات بشأن المحكمة الدولية.

وكانت واشنطن إضافة إلى كندا وإسرائيل، وميكرونيزيا، وجزر المارشال، وناورو، قد صوتت مجددا ضد مشروع قرار حول حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره الذي اعتمدته اللجنة الثالثة (لجنة الشؤون الاجتماعية والثقافية والإنسانية) التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ورغم ذلك، فإن مشروع القرار فاز بأصوات 173 دولة أي بزيادة 7 أصوات مقارنة بالعام الماضي، وامتنعت عن التصويت 3 دول هي الكاميرون وهندوراس، وجنوب السودان المتوقع أن تصوت ضد الطلب الفلسطيني.

ويؤكد القرار من جديد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بما في ذلك الحق في أن تكون له دولته المستقلة؛ فلسطين، ويحث جميع الدول والوكالات المتخصصة ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة على مواصلة دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته على نيل حقه في تقرير المصير في أقرب وقت. وبعد التصويت، شكرت المستشارة في البعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك نادية رشيد، كل الدول التي تبنت وصوتت لصالح القرار، وقالت إن تصويت الأغلبية الساحقة من الدول لصالح القرار يبرهن على التأييد الدولي الواسع للحق التاريخي للشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

إلى ذلك، وبعد أن فشلت إسرائيل في وقف الاندفاع الفلسطيني نحو الأمم المتحدة والتأييد الدولي القوي له، قال مصدر سياسي مسؤول في تل أبيب إن إسرائيل قررت السعي لتقزيم أهمية طلب الفلسطينيين للحصول على مكانة الدولة غير العضو في الأمم المتحدة. وأضاف المصدر في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الحكومة قررت بعد التداول حول القضية، عدم إطلاق تصريحات تصعيدية حول الرد الإسرائيلي على الخطوة الفلسطينية، كما أعلنت أنها لن تتخذ أي إجراءات ضد السلطة كما كانت قد توعدت. ويأتي هذا إذعانا لضغوط مارستها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال زيارتها الأخيرة للمنطقة.

من جانبه، هدد النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم بأنه إذا توجهت السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الدولية في لاهاي، فإن إسرائيل ستتوجه إلى المحكمة نفسها بطلب تقديم رؤساء حماس والمنظمات الفلسطينية الأخرى في قطاع غزة للمحاكمة بسبب إطلاق الصواريخ على المدن والقرى المحاذية لقطاع غزة. وزعم الوزير شالوم في مقابلة إذاعية بعد ظهر أمس أن توجه أبو مازن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب الحصول على مكانة دولة غير عضو في المنظمة الدولية يعتبر خرقا للاتفاقات المرحلية، متسائلا: «ماذا سيكون مدى التزام الطرف الفلسطيني بالاتفاقية الدائمة في حال التوصل إليها».

وردد الوزير شالوم ما قالته رئيسة حزب (الحركة) تسيبي ليفني من أن سياسة حكومة نتنياهو هي التي دفعت برئيس السلطة الفلسطينية إلى التوجه إلى الأمم المتحدة. وأعرب عن اعتقاده بأن جهود إيهود أولمرت وتسيبي ليفني زعيمي حزب «كديما» السابقين، للتوصل إلى اتفاق مع عباس، قد فشلت، كما وافق رئيس الوزراء نتنياهو على تجميد الاستيطان والإعلان بقبول حل الدولتين ولكن من دون جدوى.

أما رئيسة حزب العمل أشيلي يحيموفيتش، فقالت إن المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة لا تصب في مصلحة إسرائيل، و«لكنه لا تجوز المبالغة في مدى أهمية هذه الخطوة، لأن الحديث يجري عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس عن مجلس الأمن الدولي». ودعت النائبة يحيموفيتش إلى استئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، مؤكدة أن الجمود السياسي يتنافى والمصالح الإسرائيلية.