ثوار ميدان التحرير: جيكا يا ولد.. دمك بيحرر بلد

دموع وغناء في سرادق «الشهيد» جابر صلاح

جابر صلاح
TT

«جابر.. جابر.. جابر».. نداء دوت به حناجر المئات من شباب الثورة مساء أول من أمس أمام منزل «الشهيد» جابر صلاح، الشهير بــ«جيكا»، والذي لقي مصرعه في اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين قبل أسبوع، وشيع جثمانه قبل يومين في جنازة مهيبة خرجت من ميدان التحرير قلب الثورة المصرية النابض.

لم يطل جابر من شباك بيته في ليلة مليونية «للثورة شعب يحميها».. بينما كانت أصوات الشباب تؤرق ليل حواري حي عابدين الشعبي القريب من مقر الحكم في مصر. سرادق العزاء المتواضع لم يتسع لموجات البشر القادمة من ميدان التحرير القريب من الحي. «الكاسيت» الذي كافح ليعلو صوته بآيات من القرآن الكريم صمت، بينما كان غناء يعلو «جيكا مش بلطجي.. أووو أووو جيكا دا كان ثورجي.. أووو أووو.. جيكا جيكا يا ولد دمك بيحرر بلد.. جيكا جيكا يا بطل موتك بيحرر وطن».

تبدل الحزن الوقور الذي كسا وجوه عشرات من سكان الحي الذين تجمعوا لتقديم واجب العزاء، إلى طوفان من الغضب والألم والدموع.. شرعت النوافذ وأطل سكان الحي.. بينما يسأل كهل وقف على الرصيف يتابع المشهد «من منهم سيكون الشهيد القادم؟».

يبدو جيكا نموذجا لجيل جديد في البلاد التي ظلت هادئة على مدار ثلاثة عقود حكم خلالها الرئيس السابق حسني مبارك، جيل نجح في إسقاط أحد أكثر الأنظمة استقرارا في منطقة الشرق الأوسط، عبر مظاهرات سلمية مطلع العام الماضي.

كما يلخص جيكا أزمة جيل يقول مراقبون إنه تنحى عن المشهد السياسي في البلاد في أعقاب نجاح الثورة، ليترك الساحة للنخب السياسية التقليدية التي فشلت في توحيد صفوفها، وأخفقت في إدارة المرحلة الانتقالية التي أشرف عليها المجلس العسكري الحاكم.

ودفع جيكا كغيره من الشباب لاختيار مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، بحسب المراقبين، لتفويت الفرصة على الفريق أحمد شفيق الذي اعتبره شباب الثورة مرشح النظام السابق في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو (أيار) الماضي.

يقول والد جيكا: «خرج جابر للاحتفال بفوز مرسي مع زملائه.. وقلت له أنت لا تعرف شيئا.. (الإخوان) ليسوا أفضل حالا من نظام مبارك.. وها هو مرسي قد رد الجميل وقتل ابني».

يحمل أصدقاء جيكا وأسرته الرئيس مرسي مسؤولية مقتل جابر، ويقولون إنه قتل على أيدي جنود الشرطة بطلقات خرطوش أصابت جزع المخ فأسكتت للأبد صوت جيكا الذي هتف في مظاهرات استمرت لعامين.. هتف أولا بسقوط دولة مبارك، ثم المجلس العسكري، وأخيرا جماعة الإخوان المسلمين.

وبخلاف شباب جماعة الإخوان المسلمين المعروفين بالتزامهم بمبدأ السمع والطاعة، وهو جزء من شروط انضمامهم للجماعة التي عملت طوال السنوات الستين الماضية «تحت الأرض»، لا تملك القيادات المدنية سيطرة على شبابها، الذي بدأ ينتظم حديثا في صفوف حزب الدستور بقيادة محمد البرادعي، والتيار الشعبي بقيادة المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي.

وسيكون من الصعب على جماعة الإخوان المسلمين ورئيسها، احتواء الشباب الذين أعلنوا رفضهم لإعلان دستوري أصدره مرسي قبل أسبوع، بالتزامن مع إصابة جابر جيكا في شارع محمد محمود الذي شهد سقوط عشرات القتلى على مدار العامين الماضيين في اشتباكات بين شباب الثورة وقوات الشرطة.

كتب جيكا قبل أن يغادر بيته إلى شارع محمد محمود لإحياء ذكرى شهداء ثورة 25 يناير (كانون الثاني): «ده آخر بوست (تدوينة) هكتبه لحد ما ارجع بكرة من شارع عيون الحرية (الاسم الجديد للشارع في إشارة لتعمد قوات الشرطة توجيه الرصاص إلى عيون المتظاهرين) ده لو رجعت.. أنا نازل عشان دم اخواتنا وعشان الثورة.. نازل عشان أعز صاحب ليا اللي شلته بإيدي وهو مقتول.. أسامة أحمد.. نازل عشان عيون أحمد حرارة.. نازل عشان أرجع الثورة اللي راح عشانها آلاف الشهداء.. لو مرجعتش بقى مليش غير طلب واحد إن الناس تكمل الثورة وتجيب حقنا».