الآثار الجانبية للعقوبات تعصف بمنظومة السلع التموينية في إيران

خبير بريطاني: النظام الإيراني يواجه مشكلات هيكلية خطيرة

TT

رغم أن العقوبات الغربية لا تستهدف السوق الإيرانية بشكل مباشر، فإن نظام توزيع الغذاء في إيران يواجه أزمة تمثل ضربة مؤلمة للفقراء، وتجعل بعض السلع الأساسية ضربا من الترف. ويحجم المستوردون من القطاع الخاص عن هذه الصفقات؛ إذ إنها أصبحت تنطوي على مخاطرة بسبب تقلبات الريال الإيراني، بل إن بنوكا أجنبية كثيرة تحجم عن تمويل التعاملات التجارية المستثناة من العقوبات؛ خشية أن تتعرض لأي انتقاد لمجرد تعاملها مع إيران.

والنتيجة هي أن الدولة الإيرانية تتعرض لضغط متزايد لاستيراد وتخزين مزيد من السلع لتتفادى أي اضطرابات اجتماعية بسبب نقص تلك السلع أو ارتفاع الأسعار بشدة. ويقول محللون إن جهاز الدولة الإيرانية المترنح سيجد صعوبة في سد الفجوة التي خلفتها الشركات الخاصة.

وقال سكوت لوكاس المتخصص في الشؤون الإيرانية في جامعة برمنغهام: «إذا كنت تتحدث عن عدد الصفقات التي يحتاجها بلد عدد سكانه 75 مليونا، وليس لديك استراتيجية شاملة منظمة للتمويل والشراء والتوزيع، فلا أعتقد أن باستطاعتهم مواجهة التحدي». وأضاف: «حتى لو رفعت العقوبات، وهذا احتمال بعيد جدا، فقد أصبحت المشكلات متفشية في النظام بحيث أصبحوا يواجهون مشكلات هيكلية خطيرة».

وبسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإجبار إيران على تعليق برنامجها النووي، ضاق الخناق على الاقتصاد، ولا سيما صادرات الطاقة، لكن حتى الآن لا يواجه الإيرانيون أزمة إنسانية واسعة النطاق، غير أنه صار من الصعب إيجاد كثير من السلع الغذائية الأجنبية، ولم يعد الإيرانيون قادرين دائما على شراء السلع الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار.

ويصف حسين، وهو صاحب متجر في طهران، المشكلات التي يواجهها الفقراء على وجه الخصوص. وقال عبر الهاتف لـ«رويترز»: «قبل أيام قليلة جاءت عجوز إلى متجري لشراء 12 بيضة، لكن حين أخبرتها كم ثمنها قررت أن تأخذ خمسا فقط. شعرت بالأسى لأنها مسنة وتعيش وحدها».

وأصبحت هذه المشكلات ذات بعد سياسي. وفي وقت سابق من هذا العام حث قائد الشرطة الإيرانية محطات التلفزيون على أن لا تبث صورا لأحد وهو يأكل دجاجا حتى لا يؤجج ذلك التوترات الاجتماعية؛ لأن ارتفاعا شديدا في أسعار الدواجن جعلها طعاما نادرا في كثير من البيوت.

وحتى الميسورون نسبيا يشعرون بتأثير الأزمة. وقال ساناز وهو طالب يدرس الإدارة وعمره 25 عاما، عبر الهاتف من طهران: «لم نضطر للعزوف عن الأشياء الأقل أهمية فحسب، بل اضطررنا لشراء المنتجات المحلية. لم أكل شوكولاته جيدة منذ زمن طويل».

ويقدر استهلاك إيران للقمح بنحو 5.‏15 مليون طن سنويا، وللسكر بنحو 6.‏2 مليون طن. وساعدت العقوبات المفروضة بسبب البرنامج النووي الإيراني الذي تقول حكومات غربية إنه ربما يهدف لإنتاج أسلحة رغم نفي إيران لذلك، على هبوط الريال الإيراني بشدة في وقت سابق من العام.

واستقرت العملة بعد ذلك، لكن المستوردين يجدون صعوبة متزايدة في شراء الدولارات لتمويل الواردات، ويخشون التعرض لتقلبات جديدة في العملة.

وبدلا من ذلك يفضل أولئك المشترون المحافظة على ثروتهم في عقارات أو ملاذات آمنة، مثل الذهب.

وتقول مصادر تجارية دولية إن إيران تواجه أيضا تجميدا لمعاملاتها المصرفية، وهو ما دفع تجار القطاع الخاص لتخفيض واردات السلع الأساسية، مثل الحبوب والسكر. وتخشى بعض البنوك من أن تشوب سمعتها شائبة لدى عملائها الغربيين إذا مولت أي تعاملات إيرانية رغم أنها قانونية.

وقال مسؤول تنفيذي كبير في شركة عالمية للسلع الأولية إن الشركة توقفت عن تجارة الأغذية مع إيران. وتابع: «فررنا خائفين؛ فرغم أن تجارة الغذاء لا تخالف العقوبات فإن بنوكنا قد تقول إنها غير راضية عن ذلك. وهكذا فإن الخطر على العلاقات أصبح عاملا كبيرا الآن».

وقال مسؤول في فرع المعاملات المصرفية الخاصة في جنيف لمجموعة «هندوجا» الهندية هذا الشهر إن الإجراءات الأميركية الصارمة التي فرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في يوليو (تموز) أجبرت الفرع على التوقف عن توفير التمويل التجاري للأغذية والأدوية لإيران.

وقال مسؤول يعمل في دبي لدى «أفرا» القابضة، وهي وحدة لمجموعة ضخمة مقرها إيران، إن المجموعة خفضت شحنات السكر والحبوب إلى شحنة واحدة شهريا من خمس شحنات في السابق بسبب صعوبات في الدفع ناجمة عن العقوبات.

ويلعب المشترون الحكوميون، ومن بينهم المؤسسة التجارية الحكومية المسؤولة عن المواد الغذائية، دورا أكبر لتوفير مخزونات استراتيجية.

وأبلغ مسؤول في المؤسسة «رويترز» عبر الهاتف بأنه «ليس لديها حدود» لاستيراد السكر والحبوب، وأنها تشتري من الشركات بشكل مباشر بأسعار مناسبة. وقال المسؤول إن المؤسسة تستورد نحو 60 ألف طن شهريا معظمها قمح.

وأقر دبلوماسي أوروبي بوجود هذا التأثير، وقال: «ليس هناك حظر على الإطلاق في الناحية الإنسانية، لكن لا بد من الاعتراف بأن تجارة الأغذية والأدوية تأثرت. نحن قلقون بشأن ذلك، وندرس الأمر عن كثب؛ لأننا لا نريد أن نرى مثلا مشكلة خطيرة في التغذية».

وأضاف: «المشكلة تنشأ من الولايات المتحدة في الأغلب.. وهي الاختيار بين العمل في إيران أو العمل في أميركا. مثل هذه الحسابات تثير قلق القانونيين بشدة. إنها مسألة عزوف عن المخاطرة». وتواجه الحكومة الإيرانية تدقيقا متزايدا في الداخل؛ فخصوم الرئيس محمود أحمدي نجاد يتهمونه بإساءة إدارة الاقتصاد. وفي الأسبوع الماضي تراجع البرلمان عن نيته استجواب الرئيس بعد أن حثهم الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي على أن لا يعملوا لمصلحة أعداء إيران.

وقال لوكاس من جامعة برمنغهام إن هناك اضطرابا في نظام الدولة. وتابع: «المشكلة المتكررة في الاقتصاد الإيراني، لا سيما في عهد أحمدي نجاد، هي تزايد عدد الأطراف الحكومية التي تلعب دورا في الشأن الاقتصادي، ومن بينها الحرس الثوري».

وهناك مشكلات متفاقمة في أجزاء مختلفة من منظومة السلع التموينية في إيران. وقالت معصومة آباد مديرة لجنة الصحة في بلدية طهران إنه يجري الحد من توزيع الحليب في المدارس. ونقلت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء قولها: «إنه غذاء أساسي وأولوية، وإذا كانوا في السابق يشربون كوبا من الحليب يوميا، فهم الآن يشربون نصف كوب».