نتنياهو: الاعتراف بفلسطين يبعد الدولة الفلسطينية ولا يقربها

تراجع عن تهديداته وخفف من وطأة القرار.. مؤكدا أنه لن يغير شيئا على الأرض

TT

تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراؤه، أمس، عن تهديداته ضد السلطة الفلسطينية إذا استمرت في مخططها لطلب الاعتراف بفلسطين «دولة غير عضو» في الأمم المتحدة. وبعد أن شعر بأنه لم يعد هناك مجال لإبطال المشروع أقدم على تحرير مبلغ 200 مليون دولار من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها وزارة المالية الإسرائيلية لصالح السلطة الفلسطينية (لقاء عمولة بقيمة 3.5% عن كل مبلغ). ومع أن وزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان، اعتبر الاعتراف «عملية إرهابية من (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن» واعتبرها وزير ماليته، يوفال شتاينتس، «عدوانا أخطر من صواريخ قطاع غزة»، راح نتنياهو يخفف من وطأته. وقال إن الاعتراف بفلسطين لن يغير شيئا من الواقع على الأرض، مما أوحى بأنه رضخ للمطلب الأميركي وسيمتنع عن اتخاذ إجراءات عقابية شديدة ضد الفلسطينيين. وكان نتنياهو يتكلم، خلال كلمة له في مركز «ديان» في تل أبيب، الذي احتفل أمس بذكرى 35 عاما على زيارة الرئيس المصري، أنور السادات، لإسرائيل، في وقت خرجت فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية بحملة انتقادات له على قنوطه وتردده وتلبكه من الخطوة الفلسطينية. فوصفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» بقرار «يعبر عن سقوط حكومة نتنياهو في أهم اختبار سياسي». فقال نتنياهو: «القرار الذي يمر اليوم في الأمم المتحدة لن يغير شيئا على الأرض، وهو لن يدفع إقامة الدولة الفلسطينية، بل يبعدها.

إن يدنا، يد إسرائيل، ممدودة دائما إلى السلام ولكن لن تقوم دولة فلسطينية من دون اعتراف بدولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي. لن تقوم دولة فلسطينية من دون الإعلان عن إنهاء الصراع، ولن تقوم دولة فلسطينية من دون إجراءات أمنية حقيقية تدافع عن دولة إسرائيل ومواطنيها. ولم يرد أي من هذه الأمور في مشروع القرار. لا تذكر به إجراءات أمنية لإسرائيل ولا يذكر بها اعتراف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي ولا يرد بها الإعلان عن إنهاء الصراع. وهذا هو مجرد بعض الأسباب التي تدفعنا إلى رفض هذا القرار».

وأضاف نتنياهو: «إننا نريد السلام ولكن يمكن تحقيق السلام فقط من خلال سبيل وحيد وهو مفاوضات مباشرة بين الطرفين ودون شروط مسبقة، وليس من خلال قرارات أحادية في الأمم المتحدة تتجاهل الاحتياجات الأمنية والوجودية الإسرائيلية. إن السلام يتحقق فقط من خلال اتفاقات بين أورشليم القدس ورام الله، وليس من خلال قرارات غير مرتبطة بالواقع يتم قبولها في الأمم المتحدة».

وتوجه نتنياهو إلى معارضيه في الصحافة وفي الحلبة السياسية قائلا: «أقترح عدم الانفعال بالتصفيقات في الأمم المتحدة، وأذكر التصفيقات التي حظيت بها الحكومة الإسرائيلية من قبل المجتمع الدولي عندما قررت الانسحاب من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب. حظينا بتصفيقات ولكن تم ضربنا بالصواريخ. إسرائيل خرجت من غزة ودخلت إليها إيران. ونفس الشيء بالضبط حدث عندما خرجنا قبل ذلك من لبنان. إسرائيل خرجت وإيران دخلت. وبصفتي رئيسا للحكومة الإسرائيلية لن أسمح بإقامة قاعدة إرهابية إيرانية أخرى في قلب البلاد، في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، كيلومترا واحدا من هنا، من وسط أورشليم القدس. وليس مهما كم إصبعا يرفع ضدنا، لا توجد أي قوة في العالم تجبرني على المساومة على أمن إسرائيل، ولا توجد أي قوة في العالم تستطيع أن تقطع العلاقة بين شعب إسرائيل وأرض إسرائيل التي تمتد إلى 4000 عام». وحظي موقف نتنياهو بتأييد من السفير الأميركي الأسبق في تل أبيب، مارتن إندك، الذي شغل مناصب مستشار في البيت الأبيض عدة مرات، فقال إن قرار الأمم المتحدة قد يحفز سلسلة ردود أفعال ستؤدي بدورها إلى انهيار السلطة الفلسطينية، وإنه يجب النظر إلى اليوم التالي من قرار كهذا، محذرا أن الولايات المتحدة ستجمد مساعداتها المالية للسلطة. وأضاف: «إن التجميد لا يعني إلغاء المساعدات، لكن الرئيس الأميركي سيحول الأموال وفقا لتحركات الفلسطينيين في اليوم التالي». وأضاف: «سننتظر خطوات الفلسطينيين المستقبلية، هل سيختارون اللجوء إلى عزل إسرائيل ومحاكمتها في المحكمة الدولية؟». ووصف إندك السيناريو الأسوأ قائلا: «إن توجه الفلسطينيين إلى المحكمة الدولية لمعاقبة إسرائيل سيؤدي إلى عقاب إسرائيل للفلسطينيين بالمقابل. وفي نفس الوقت ستجمد الولايات المتحدة العون المالي. هذا تطور خطير للغاية، قد يؤدي إلى انهيار السلطة. وهذه نتيجة لا تصب في مصلحة أي طرف في القضية».

لكن آراء كثيرة أسمعت في إسرائيل معاكسة لهذا الموقف، أبرزها ما أعلنه رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، ونشرته أمس صحيفة «ده ديلي بيست» الأميركية، وذلك في رسالة إلى صديق أولمرت البروفسور برنارد أفيشاي، فقد أعلن عن دعمه الصريح للخطوة الفلسطينية. وقال: «أنا أؤمن أن الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة يتطابق مع فكرة (حل الدولتين)، وبناء على هذا لا أرى سببا للمعارضة الإسرائيلية له». وتابع أولمرت: «بعد أن تكرس الأمم المتحدة أسس هذه الفكرة يتوجب علينا في إسرائيل أن نساهم في عملية مفاوضات جدية من أجل التوصل إلى اتفاق على حدود واضحة، وفق خطوط عام 1967، وحل القضايا الأخرى». وعقب المختص بدراسات الشرق الأوسط، البروفسور أيال زيسر، على الخطوة الفلسطينية قائلا: «علينا أن نفهم أن الخطوة لا تعني أن للفلسطينيين ستكون دولة، أو حدود أو جيش أو سيادة غدا»، وأردف: «الموضوع ليس جديدا علينا، إنها خطوة رمزية، لكنها تعبر عن تقدم معين في بناء دولة فلسطينية». ونوه زيسر بأن التعقيد الوحيد بالنسبة لإسرائيل قد ينجم عن التحاق الفلسطينيين بالمحكمة الدولية التابعة للأمم المتحدة، وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية ستكون هي الأخرى قابلة للمحاسبة.

وكشفت صحيفة «معاريف» على موقعها الإلكتروني أن رئيس الوزراء نتنياهو نقل رسائل لرئيس السلطة الفلسطينية تحثه على التراجع عن توجهه إلى الأمم المتحدة، وبالمقابل سيستأنف نتنياهو المفاوضات مباشرة بعد الانتخابات الإسرائيلية. ووفق الصحيفة الإسرائيلية، عارض أبو مازن هذا العرض. وأضافت الصحيفة أن الرسائل وصلت إلى رئيس السلطة على الأرجح عبر قنوات دبلوماسية أميركية أو فرنسية، ولم تستبعد أن تكون نقلت مباشرة إلى الجانب الفلسطيني في نيويورك.

من جهة ثانية، أفادت مصادر إسرائيلية بأن تراجع ألمانيا عن موقفها وقرارها الامتناع عن التصويت بدلا من التصويت ضد الاعتراف صدم القيادة الإسرائيلية. وحسب صحيفة «هآرتس» فإن مسؤولا إسرائيليا كبيرا اتصل بالألمان مستفسرا، فأجابوه: «طلبنا منكم أن تمتنعوا أنتم أيضا عن خطوات أحادية فلم تسمعونا. واصلتم البناء الاستيطاني ضاربين عرض الحائط القانون الدولي وطلبات أصدقائكم».