تأسيسية دستور مصر تقره بالإجماع.. و«التحرير» يرفضه

استكملته في جنح الظلام.. ومرسي يطرحه للاستفتاء خلال 48 ساعة

د. عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين ( يسار) يتحدث إلى عضو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور المرشح الرئاسي السابق د.محمد سليم العوا خلال مراحل التصويت على مواد الدستور أمس ( رويترز )
TT

أقرت الجمعية التأسيسية، المنوط بها وضع أول دستور لمصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) عام 2011، المسودة النهائية لمشروع الدستور الجديد تمهيدا لعرضها على الرئيس محمد مرسي. وقال رئيس الجمعية إن «الرئيس سيطرحه للاستفتاء الشعبي خلال 48 ساعة»، وذلك بعد أن استكملت الجمعية مشروع الدستور في جنح الظلام في جلسة امتدت حتى الساعات الأولى من صباح أمس.

ووافق أعضاء الجمعية في جلستهم المباغتة أمس، على مواد الدستور الجديد في معظم مواده بالإجماع، وانحصرت الخلافات في أمور شكلية انصبت على صحة الصياغة في بعض المواد، وقال المستشار حسام الغرياني، رئيس الجمعية التأسيسية، إن «الدستور الجديد يحمل الكثير من الهدايا للشعب المصري، وإنه سيتم طرح المذكرة الإيضاحية بشأنه على المواطنين في غضون 48 ساعة».

وبينما انتهي أعضاء الجمعية من مشروع الدستور، واصل آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير اعتصامهم احتجاجا على التشكيل غير المتوازن للجمعية التأسيسية، وأعلنوا رفضهم لمشروع الدستور الذي انتهت إليه.

وأعلن المستشار الغرياني أن نسبة الحضور بلغت 85 عضوا بعد استبدال المتغيبين بـ11 عضوا من الاحتياطيين.

وفي ظل سيادة القوى الإسلامية على الجمعية، شهدت عملية تصعيد الاحتياطيين محل الأساسيين في الجمعية أمورا متناقضة، فالجمعية شهدت حضور 74 عضوا أساسيا و14 عضوا احتياطيا وفقا لجداول الحضور بالجمعية، ومع بداية الجمعية أعلن المستشار الغرياني استبعاد الجمعية لعدد من الأعضاء المتغيبين لأكثر من جلسة وفقا للائحة الداخلية، وعددهم 11 عضوا؛ من بينهم: عمرو موسى المرشح السابق للرئاسة المصرية، وعبد الجليل مصطفى، ووحيد عبد المجيد، وصعد الغرياني مكانهم 11 عضوا من الاحتياطيين.

وشكك مراقبون في صحة النصاب القانوني للجلسة، حيث تجاهلت انسحاب ممثلي الكنسية و4 شخصيات أعلنت انسحابها أيضا، في مقدمتهم أيمن نور عضو حزب «غد الثورة».

وقال الغرياني في بداية الجلسة: «لا بد أن نتذكر ما اتفقنا عليه منذ البداية، نحن نريد دستورا اتفقنا عليه، أما ما اختلفنا عليه، فلا نجعل له مكانا في الدستور، وأحسب أن كل المواد تستحق منا هذا، وأنا شخصيا، كما تعلمون، اتخذت موقفا من بعض المواد واعترضت عليها؛ ولكني وجدت تيارا جارفا يوافق عليها، فانتهى الأمر. ما زلت غير موافق، لكن الأمر انتهى. سأصوت مع الجماعة».

ورد الأعضاء ساخرين: «أي جماعة يا ريس!»، في إشارة إلى المفارقة في كلمة «الجماعة»، التي قد تعني أيضا جماعة الإخوان المسلمين.

وتلا حسين حامد، عضو الجمعية، أولى المواد، التي تنص على أن: «جمهورية مصر العربية دولة مستقلة، ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ونظامها ديمقراطي، والشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية، ويعتز بانتمائه لحوض النيل والقارة الأفريقية وبامتداده الآسيوي، ويشارك بإيجابية في الحضارة الإنسانية».

وشهدت المادة الرابعة من مسودة الدستور، التي تنص على أن «الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، ويحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء»، اعتراض الدكتور سليم العوا، المرشح السابق للرئاسة، لافتا إلى أن الأزهر ليس مبدأ سياسيا؛ بل مؤسسة، مطالبا بنقل المادة إلى باب الهيئات المستقلة وأجهزة الدولة، وهو الاقتراح الذي رفضته الجمعية.

ومع أول تصويت على المواد، أعلن الدكتور محمد محيي الانسحاب من الجلسة، لكن الغرياني أثناه عن ذلك. وطالب الدكتور محيي بمنح فرصة للذين يرغبون في العودة للجمعية كي يعودوا، وقال إن «هناك رغبة وعجلة في التصويت، وأرجو ألا تمر مادة لم تتم مناقشتها داخل اللجنة النوعية أو تم إقرارها، وأتمنى أن نمد العمل بـ(التأسيسية)».

ورفض أعضاء من مجلس نقابة الصحافيين حضور ممدوح الولي، نقيب الصحافيين، جلسة الجمعية التأسيسية، للتصويت النهائي على الدستور، واعتبروا حضوره «تجاوزا تم بالمخالفة لقرار مجلس النقابة، الذي قرر الانسحاب من الجمعية بالإجماع». وقال هشام يونس، عضو مجلس نقابة الصحافيين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «قرار ترشيح (الولي) عضوا في (التأسيسية) تم بخطاب من مجلس النقابة، وهو ذات المجلس الذي قرر سحبه»، وأشار إلى أنه تم تحويل النقيب إلى مجلس تأديب، مؤكدا أن «العقوبة قد تصل إلى إقالته من منصبه».

وأضافت عبير سعدي، عضو مجلس نقابة الصحافيين: «طلبنا عقد اجتماع عاجل لمجلس النقابة»، قائلة: «وجود النقيب بالجمعية التأسيسية يستحق المساءلة».

وكشفت مصادر داخل «التأسيسية»، عن أن «المادة الثانية من الدستور (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) شهدت جدلا حول نصها الليلة قبل الماضية حتى تم التوافق حول نصها الحالي، حيث اقترح بعض الأعضاء إضافة التوضيح الذي ذكرته هيئة كبار العلماء بالأزهر عن معنى ومفهوم مبادئ الشريعة الإسلامية، واقترح البعض أن يؤخذ هذا النص ويتم وضعه في نص دستوري حتى لا يحدث جدل حول كلمة المبادئ».

وقالت المصادر نفسها لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك كثيرا من النصوص تم تعديلها لترضية القوى المدنية، على سبيل المثال في بعض النصوص المتعلقة بالمواطنة وتحديد مفهومها والحقوق والحريات».

وفي السياق ذاته، أكد القمص أنجيليوس إسحاق، سكرتير البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، أن «الكنيسة الأرثوذكسية ما زالت عند موقفها من الانسحاب من (التأسيسية)»، وقال القمص أنجيليوس في بيان له مساء أمس، «لم ولن يفوض البابا تواضروس الثاني أحدا بالتحدث باسم الكنيسة أو التوقيع نيابة عنها»، مشيرا إلى أن البابا تواضروس الثاني، كلف فقط الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها ممثل الكنيسة في الجمعية التأسيسية، التحدث الرسمي باسم الكنيسة في ملف «التأسيسية». وكان محمد الصاوي، عضو الجمعية التأسيسية، قد صرح أمس بأنه سيمثل الكنيسة الأرثوذكسية في التصويت على مسودة الدستور.

وفي سياق مواز، فشل اجتماع البابا تواضروس مع السفير محمد رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، أمس، في التوافق على عودة ممثلي الكنائس مرة أخرى لعضوية «التأسيسية»، في إطار سعي مؤسسة الرئاسة للالتقاء بالمنسحبين من «التأسيسية». وقال السفير الطهطاوي، إن «قرار الكنيسة بالانسحاب قرار نحترمه ونقدره، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا».

وتعليقا على مسودة الدستور النهائية، قال مصطفى بكري، النائب السابق بالبرلمان، إن «الدستور الجديد تضمن الكثير من الكوارث التي تهدد بأزمات وانهيارات مجتمعية»، مشيرا إلى أنه دستور «يشرع لدولة الفساد والاستبداد».

وأكد الناشط الحقوقي حافظ أبو سعدة بطلان التصويت على مواد الدستور الجديد، موضحا خلال حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أن دلالة البطلان هو أن الجمعية تنعقد في حضور 85 عضوا، رغم أن الإعلان الدستوري ينص على 100 عضو، كما أن الأغلبية المنصوص عليها في إقرار المواد من المرة الأولى هي 67 عضوا.

وقال الناشط السياسي، أحمد دومة، إننا «نرفض مسودة الدستور، وسوف ننتفض ضده في مليونية اليوم (الجمعة) بالميدان»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «الجميع في التحرير يرفض مسودة الدستور النهائية، وسوف نصوت بـ(لا) في الاستفتاء عليها».