لجنة التحقيق البريطانية توصي بتنظيم ذاتي مستقل للصحافة مع دعامة قانونية

بعد 18 شهرا من فضيحة التنصت.. اللورد ليفيسون: على الحكومة أن تقرر من يحرس الحراس.. والمراقبون: الشيطان يكمن في التفاصيل

TT

طالب اللورد ليفيسون بتشكيل جسم إعلامي مستقل «من أجل التخلص من الممارسات غير الأخلاقية في العمل الصحافي البريطاني والذي كان من عمل فئة صغيرة». القاضي برايان ليفيسون أصدر تقريره المعني بأخلاقيات الصحافة، بعد 18 شهرا تقريبا من تشكيل لجنته للتحقيق في حيثيات فضيحة التنصت التي اندلعت في يوليو (تموز) 2011، وقال إنه يتعين على الحكومة البريطانية إصدار قانون يدعم «إيجاد منظومة مستقلة وفعالة حقا للتنظيم الذاتي». لكن ليفيسون لا يريد أن تسن القوانين والتشريعات في البرلمان من أجل تنظيم العمل في مهنة الصحافة، لكنه أضاف أن التنظيم الذاتي للصحافة وحده المعمول به حاليا أخفق في الماضي. وذكر أن قطاعات من وسائل الإعلام «ألحقت أضرارا بالغة بحياة أشخاص أبرياء» في مرات كثيرة للغاية.

ولهذا فقد اقترح ليفيسون في تقريره الذي جاء في 2000 صفحة أن أي جسم مستقل مدعوم من قبل أصحاب الصحف والمحررين ولا يتشكل منهم «يحتاج إلى دعامة قانونية من الحكومة تفرض عليهم الالتزام بقراراته». وقال إن هذا الجسم يجب أن «يتمتع بسلطات تفرض الغرامات وتحدد العقوبات على المخالفين وتفرض العدالة لصالح المتضررين دون الرجوع إلى المحاكم».

لكن كان هناك شبه إجماع من قبل عدد من المراقبين على أن «الشيطان يكمن في التفاصيل». ولهذا كان هناك تباين في فهم ما جاء في التقرير في ما يخص الدعامة القانونية وكيف يمكن فرض أي التزامات من قبل أصحاب الجرائد والمحررين إذا قرروا عدم التعاون مع هذا الجسم الجديد المقترح، إذ قال التقرير «السياسيون والحكومة البريطانية غير مطالبين بأن تسن القوانين بخصوص هذا الشكل المقترح».

واختتم اللورد ليفيسون كلامه قائلا بأنه لن يجري أي مقابلات حول التقرير «ومن يريد قراءته فعليه أن يفهمه كما جاء»، مضيفا أن الكرة أصبحت الآن في ملعب السياسيين وعليهم أن يقرروا من «يحرس الحراس».

وبعد المؤتمر الذي عقده أمس اللورد ليفيسون في وسط لندن والذي استقطب صحافيين من جميع أنحاء العالم، عقد مجلس العموم جلسة خاصة لمناقشة التقرير والرد عليه. وعلى الرغم من الترحيب الذي لاقاه التقرير من جميع الأحزاب الرئيسية الممثلة في البرلمان، فإن النقاش الذي دار أظهر التباين في فهم بعض التوصيات الحساسة والتي تتناول مقترحه الرئيسي بخصوص الجسم المستقل لضبط أخلاقيات العمل الصحافي، وبالتحديد إيجاد «دعامة القانونية» من دون سن قوانين وتشريعات.

ورحب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي حصل على نسخة من التقرير قبل 24 ساعة من نشره رسميا، بما جاء في التقرير من توصيات، وقال إنه يقبل بالمبادئ التي تضمنها التقرير، مضيفا أن الوضع الحالي لا يمكن أن يبقى كما هو و«أتمنى أن يقف هذا المجلس مع ما جاء من مقترحات. وعلى الصحافة مسؤولية تطبيقها». واقترح رئيس الوزراء تشكيل لجنة متابعة لدراسة ما جاء من توصيات في التقرير.

أما زعيم المعارضة إد ميليباند فقال إن توصيات اللورد ليفيسون جاءت واقعية وصميمة، ولهذا «فعلينا أن ننفذها بالكامل»، مطالبا رئيس الوزراء بأن يلتزم بتطبيقها. وأضاف ميليباند أن رئيس الوزراء يقترح لجنة متابعة من جميع الأحزاب، لكن «هل يقصد رئيس الوزراء أن عمل لجنة المتابعة هو فقط الاجتماع لمناقشة التقرير أم لتنفيذ ما جاء فيه؟». وهناك اختلاف واضح ليس فقط بين ما يريده رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وزعيم المعارضة إد ميليباند، وإنما أيضا مع نيك كليغ حليفه في الحكومة الائتلافية، الذي طالبه هو الآخر بأن يقدم موقفا مختلفا ومنفصلا خلال مداولات مجلس العموم ليميز نفسه عن موقف الحكومة الرسمي. وقال كليغ «نريد أن ننفذ ما جاء في التقرير من دون أي تأخير.. إنها مسؤوليتنا أمام ضحايا التنصت».

وكان كاميرون شكل في يوليو 2011 هذه اللجنة التي يترأسها القاضي برايان ليفيسون، إثر الاستنكار الذي أثارته فضحية تنصت صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» عبر القرصنة على هواتف مئات الأشخاص، وبأنها دفعت أموالا لعناصر من الشرطة للحصول على معلومات حصرية في العقد الأول من القرن الحالي.

وسادت الصحف حالة من الذعر قبل صدور التقرير خوفا من أن تصدر اللجنة قواعد جديدة تحد من حريتها، بينما تفضل في المقابل الحفاظ على حريتها في التنظيم الذاتي. وفي مقدمة هذه الصحف «ذي ديلي ميل» التي خصصت الأسبوع الماضي 11 صفحة لانتقاد اللجنة.

وتكتسي توصيات اللجنة أهمية خاصة بالنسبة إلى صحف الإثارة التي تمثل تقريبا ثلثي أعداد الصحف الصادرة يوميا في بريطانيا. صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي كانت تعتبر الأكثر انتشارا بين الصحف البريطانية تم إغلاقها بعد اندلاع الفضيحة. وحذرت صحيفة «ذي غارديان» القريبة من المعارضة العمالية من أن الأمر يشكل «أحد أصعب التحديات السياسية منذ انتخاب كاميرون في عام 2010».

وفي أول رد على ما يمكن أن يوصي به ليفيسون، قال اللورد هانت، الذي يترأس لجنة الشكاوى الصحافية الممولة من قبل أصحاب المؤسسات الإعلامية، والتي تعتبر المتنفس الوحيد للمتظلمين والجسم الذي يفصل في الخلافات في ما تتناوله الصحافة، إنه يفضل نظام بضوابط لصحافة بأسنان، وهذا يعطيه فرصة أكبر للنجاح. ويفضل اللورد هانت استقلالية ضبط الصحافة لكن مع سلطات قادرة على أن تفرض العقوبات المالية وتحكم بعدل لصالح ضحايا الخروقات. لكن جاءت التوصيات لتضع حدا للجنة الحالية التي اعتبرت غير مؤهلة لهذا العمل، والتي وصفت بأنها مثل من يقوم بمراجعة وظائفه المدرسية بنفسه.

اللورد هانت علق على التقرير قائلا إنه لا يريد أن تخرج العناوين الرئيسية حول العالم لتقول بأن بريطانيا أصبحت تسن القوانين وتصوغ التشريعات لصحافتها. وكان قد قال في مقابلة قبل أيام «ما الذي سيصوت عليه البرلمان من تشريعات لو طلب منه تنظيم عمل الصحافة؟»، مضيفا «عليهم أن يكونوا واقعيين: إما صحافة حرة مع ضوابط يضعها جسم مستقل.. أو معركة برلمانية طويلة من دون أن يكون هناك أفق للنجاح».