خطوة مرسي.. هل هي هروب إلى الأمام؟!

إخوان الغرب لـ«الشرق الأوسط»: «الفلول» وحدوا جبهتهم مع معارضي «الدستوري».. و«الساكت عن الحق شيطان أخرس»

TT

بينما يأمل حلفاء الرئيس محمد مرسي في جماعة الإخوان المسلمين أن تساعد كلمته التلفزيونية التي سيتحدث فيها عن إنهاء أزمة أثارها إعلان دستوري يوسع سلطات الرئيس، حيث دعا مرسي في كلمته للشعب أمس إلى الوحدة الوطنية، مؤكدا على تهدئة الأزمة التي أثارت احتجاجات بدأت منذ أسبوع وهددت بتقويض بوادر أولية للتعافي الاقتصادي بعد عامين من الاضطرابات، وشدد مرسي على تحمله مسؤولية جميع المواطنين لأنه رئيس كل المصريين، وعلى احترامه للخلاف في وجهات النظر، وحق الناس في التظاهر والاعتراض، وفسر أيضا أسباب صدور الإعلانين الدستوريين في أغسطس (آب) الماضي ونوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وطرح رؤية لإنهاء حالة الاستقطاب السياسي في البلاد، وتحدث أيضا عن رؤيته لإنهاء المرحلة الانتقالية، التي لن تتم إلا بنفاذ الدستور، واكتمال مؤسسات الدولة. وفي تطور مفاجئ، استجابت جماعة الإخوان المسلمين في مصر لضغوط القوى السياسية وقررت عدم الدفع بأتباعها للتظاهر في ميدان التحرير اليوم، ولم تعلن الجماعة بعد مكان تجمعها، بينما وصلت القوى السياسية المعتصمة في الميدان حشدها لمليونية اليوم، التي أطلقت عليها اسم «حلم الشهيد»، وفاء من تلك القوى للشهداء الذين سقطوا خلال الأيام الماضية في الاشتباكات التي شهدتها محافظات مصرية على خلفية الإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس المصري محمد مرسي الأسبوع الماضي.

وتأمل جماعة الإخوان المسلمين، التي دعمت مرسي في انتخابات الرئاسة التي أجريت في يونيو (حزيران) الماضي، إنهاء الأزمة بأن يحل محل الإعلان الدستوري المثير للجدل دستور جديد يوافق عليه الشعب في استفتاء عام.

ويقوم هذا الرهان على أساس اعتقاد الإسلاميين أن لديهم القدرة على حشد أصوات كافية للموافقة على الدستور في الاستفتاء. وفاز الإسلاميون في جميع الانتخابات التي أجريت منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك من السلطة العام الماضي. غير أن المعارضين يقولون إن محاولة الانتهاء من الدستور سريعا يمكن أن تزيد الأمور سوءا.

من جهته، قال الشيخ إبراهيم منير، مسؤول التنظيم العالمي لـ«الإخوان» في الغرب، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»: «من الواضح أن فلول النظام السابق و(الحزب الوطني) اتفقوا مع المعارضين للإعلان الدستوري، وباتوا في جبهة واحدة ضد النظام، وضد الرئيس المنتخب، الذي وصل للحكم عبر صناديق الانتخابات الشرعية»، وقال: «إنني أستغرب بعد كل هذا الكفاح لإنجاح الثورة، وأساءل نفسي، إن كانوا يودون مرة أخرى عودة العسكر للحكم، بدلا من الرئيس المنتخب ديمقراطيا!».

وقال الشيخ منير: «الأرجح أن الرئيس مرسي سيتطرق في خطابه إلى منح مجلس الشورى حق التشريع، بدلا من مجلس الشعب». وعن حق المعارضين للإعلان الدستوري، في التظاهر سلميا في الميادين، قال: لـ«الشرق الأوسط»: «هذا من حقهم، ولكن انظر إلى المعارضين مثل الدكتور محمد البرادعي وكيل مؤسسي حزب الدستور، وحمدين صباحي، وعمرو موسى المرشحين الرئاسيين، لم يصدر منهم أي استنكار أو تنديد لحرق مقرات (الإخوان) خلال المظاهرات في عدة مدن مصرية، وأستطيع القول (إن الساكت عن الحق شيطان أخرس)».

ويمثل الدستور أحد الأسباب الرئيسية للخلاف بين مرسي ومعارضيه من غير الإسلاميين، الذين يقاطعون الجمعية التأسيسية المكونة من 100 عضو، قائلين إن الإسلاميين استحوذوا عليها واستغلوها لفرض رؤيتهم لمستقبل مصر. وصارت شرعية الجمعية التأسيسية موضع شك بسبب مجموعة من الدعاوى القضائية التي تطالب بحلها. وضعف موقف الجمعية أيضا بانسحاب عدد من أعضائها، منهم ممثلو الكنيسة وليبراليون.

وتقول جماعة الإخوان المسلمين إن الموافقة على الدستور، في استفتاء، ستنهي كل الجدل الدائر حول قانونية الجمعية والمسودة التي صاغتها في الأشهر الستة الماضية. وبمجرد موافقة الجمعية على مسودة الدستور، ستحال إلى مرسي للتصديق عليها، وهي خطوة متوقعة مطلع الأسبوع المقبل. ويجب على الرئيس المصري بعد ذلك الدعوة إلى الاستفتاء في غضون 15 يوما. وقال أعضاء في الجمعية إنه فور الموافقة على الدستور في استفتاء، ستنتقل السلطة التشريعية من مرسي إلى مجلس الشورى بموجب مادة في الدستور الجديد.

وقال المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان: «هذا مخرج. وبعد الاستفتاء على الدستور، كل الإعلانات الدستورية السابقة ابتداء من إعلان مارس (آذار) 2011 حتى الإعلان الأخير الذي أثار هذه الزوبعة سوف تسقط بطبيعتها بعد نحو 15 يوما إن شاء الله».

وتفتقر مصر إلى سلطة تشريعية منتخبة منذ حل مجلس الشعب الذي هيمن عليه الإسلاميون في يونيو. ولا يمكن إجراء انتخابات برلمانية جديدة قبل الموافقة على الدستور. ومن المفترض أن يكون يؤسس الدستور، الركيزة الأساسية لمصر، ديمقراطية جديدة عقب ثلاثة عقود من حكم مبارك. ومدد مرسي فترة عمل اللجنة التأسيسية شهرين بعد أن كانت المهلة المحددة لانتهائها من الدستور ستنقضي في 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وسيحدد الدستور صلاحيات الرئيس والبرلمان ودور السلطة القضائية والمؤسسة العسكرية التي تولت السلطة لعقود حتى الإطاحة بمبارك، كما سيحدد أيضا دور الشريعة الإسلامية. وقال مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: «القوى العلمانية والكنيسة والقضاة غير راضين عن الدستور وكذلك الصحافيون، لذا أعتقد أن هذا سيزيد من حدة التوتر في البلاد». وأضاف: «لا أعلم كيف يمكن أن ينظم الاستفتاء إذا كان القضاة مستاءين».

وتشرف السلطة القضائية على الانتخابات في مصر.

وانتقد المعارض البارز والأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى، الإسراع في عملية إعداد الدستور. وكان موسى انسحب من الجمعية في وقت سابق هذا الشهر.

وقال موسى لـ«رويترز»: «هذا هراء، وإحدى الخطوات التي ما كان ينبغي اتخاذها نظرا للغضب والاستياء من الجمعية التأسيسية الحالية». وتسبب الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في زيادة خلافاته مع معارضيه، وتدهور العلاقات، المتوترة بالفعل، بينه وبين القضاة، الذين اعتبر الكثيرون منهم هذا الإعلان بمثابة تهديد لاستقلالهم. وأعلنت اثنتان من المحاكم المصرية أول من أمس الأربعاء تعليق عملهما. وبدا مرسي غير نادم على إصدار الإعلان الدستوري في المقابلة التي نشرت الليلة الماضية.

وقال: «أعتقد أنكم رأيتم أحدث استطلاعات الرأي. أعتقد أن أكثر من 80% أو نحو 90% من الشعب في مصر - وفقا لهذه الاستطلاعات - يؤيدون ما فعلته. فهو ليس ضد الشعب، بل مع الشعب ويتفق مع مصالحه». وفي مقابلة مع مجلة «تايم»، بثت أمس، قال مرسي إن الأغلبية تؤيد إعلانه الدستوري. غير أنه أضاف: «إذا صار لدينا دستور، فسيتوقف كل ما قلته أو فعلته الأسبوع الماضي».

ولقي شخصان حتفهما وأصيب المئات بجروح في احتجاجات على مستوى البلاد، أثارها الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي الخميس الماضي ومنحه سلطات واسعة، وحصن قراراته من أي طعون قضائية، مما عمق الانقسام بين الإسلاميين ومعارضيهم.

ويقول معارضو الرئيس المصري إن الإعلان الدستوري يعكس توجهات استبدادية لرجل سجنه مبارك. وأعربت حكومات غربية عن قلقها إزاء الإعلان ، بينما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش، المعنية بحقوق الإنسان، إنه أعطى مرسي سلطات أكبر من المؤسسة العسكرية التي حل محلها. وفي مقابلته مع مجلة «تايم»، فند مرسي تأكيد معارضيه أنه صار فرعونا جديدا. وقال: «سبب دخولي السجن هو أنني كنت أدافع عن القضاء والقضاة المصريين. أدرك تماما ما يعنيه الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية».

وأضاف: «يمثل الرئيس السلطة التنفيذية، والرئيس ينتخبه الشعب. وأنا حريص على أن يتمتع الشعب بالحرية الكاملة في الانتخابات، وحريص على تداول السلطة عبر انتخابات حرة».

من جهته، أصر حمدين صباحي، المعارض المصري البارز والمرشح الرئاسي السابق، على ضرورة أن يسحب الرئيس محمد مرسي الإعلان الدستوري الذي يمنحه سلطات واسعة. وقال صباحي الذي حل في المركز الثالث في انتخابات الرئاسة، إن الجمعية التأسيسية، المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد ويهيمن عليها إسلاميون مؤيدون لمرسي، ليست لها شرعية، وإن الاستفتاء على دستور جديد سيقسم البلاد بشدة.

وخرجت احتجاجات حاشدة ضد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس، واحتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين بميدان التحرير يوم الثلاثاء 27 نوفمبر، في مشهد أعاد إلى الأذهان الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في عام 2011.

وقال صباحي إنه ينبغي لمرسي إلغاء الإعلان الدستوري الذي يحصن الجمعية التأسيسية من الطعن القضائي عليها.

وذكر صباحي أنه لا يدعو لإسقاط الرئيس، وقال: «لا نرتفع إلى هذا السقف وهو سحب المشروعية من مرسي أو إسقاطه. نحن مصرون على أن مطلبنا محدد وهو إسقاط الإعلان الدستوري، وأن الرئيس إذا سحب هذا الإعلان هو يحتفظ بشرعيته ونعامله حتى هذه اللحظة كرئيس له مشروعية أخطأ خطأ فادحا بإصدار إعلانه. نحن نريده أن يعود عن خطأه ويفتح الباب للبحث في أفق للمستقبل ليوحد مصر». وانتقد صباحي الجمعية التأسيسية وقال: «رفضنا، لأن الجمعية تشكيلها ينطوي على خطأ فادح، وهو هيمنة طرف، ثم إن المنسحبين قرروا الانسحاب لما وجدوا أن المسودة فيها نفس عيب تكوين الجمعية، والسؤال هو: عندما تنسحب مصر كلها من الجمعية التأسيسية، أي مشروعية أخلاقية وسياسية لجمعية انسحب منها الطيف الوطني ما عدا جماعة، وكنائس مصر الثلاث ما عدا جماعة، ما أخلاقية مثل هذا الدستور! هل هذا دستور الشعب المصري أم دستور لجماعة فيه وليست أغلبية حتى.. لأقلية منظمة!». وقال صباحي: «إن الاستفتاء على دستور مشوه سيقسم مصر». وأضاف: «نحن لم ندرس حتى الآن موقفنا في هذه الحالة، لأننا نرجو ألا تصل مصر إلى هذه النقطة، لأنها ستبقى إضافة إلى منهج قسمة مصر.. نرى أن مصر يجب أن تبحث الآن عما يجمعها وليس ما يقسمها. إن سياسات من نوع طرح الدستور للاستفتاء، وهو محل خلاف، تعزز الاتجاه لانقسام هذا البلد». وأثار الإعلان الدستوري خلافا بين الرئيس والقضاء، حيث بدأ قضاة كثيرون إضرابا لم يحدث مثله في تاريخ مصر الحديث.

وقال صباحي: «لكن قضاء مصر سيدافع عنه كل المصريين، استقلال القضاء سيدافع عنه كل المصريين.. عدم انفراد الرئيس بالسلطة موقف لكل المصريين، رفض صناعة ديكتاتور جديد موقف لكل القوى الوطنية، ومن المفترض أن يكون الدستور حجر الزاوية في إقامة ديمقراطية جديدة في مصر بعد ثلاثة عقود من الحكم المطلق لمبارك».

وختمت الجمعية التأسيسية، المكلفة وضع الدستور، جلستها في ساعة مبكرة أمس، منهية المسودة النهائية التي أجرت تصويتا بشأنها في وقت لاحق من أمس. وواصل خصوم مرسي احتجاجاتهم في ميدان التحرير بالقاهرة، بينما قال منتقدون إن محاولة الجمعية التأسيسية إتمام الدستور سريعا قد تزيد الأمور سوءا. وقبيل إنهاء الجمعية جلستها الأخيرة، قال التلفزيون الحكومي إن بعض الأعضاء الأربعة عشر الذين انسحبوا منها احتجاجا على هيمنة الإسلاميين على تشكيلها عادوا الآن إليها للمشاركة في التصويت. ولم يذكر عدد العائدين. وقال طلعت مرزوق، عضو الجمعية التأسيسية عن حزب النور السلفي: «الدستور في مراحله النهائية، وسيعرض في استفتاء قريبا، وإن شاء الله سيحل الكثير من المشكلات التي في الشارع». وقال ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة، إن محاولة إتمام وضع الدستور سريعا قد تنذر بحدوث متاعب.

وقال: «قد ينظر إليه نظرة عداء من جانب الكثير من الجهات الرسمية، ومنها القضاء». وبعد إتمام صياغة الدستور، سيتم تقديمه إلى الرئيس مرسي للموافقة عليه، ليعرضه في استفتاء عام في غضون 15 يوما، الأمر الذي يعني أن الاستفتاء قد يجري بحلول منتصف ديسمبر (كانون الأول).

وقال عضو في جماعة الإخوان المسلمين، على دراية بكيفية صدور الإعلان الدستوري: «إن مرسي ونائبه محمود مكي واثنين آخرين من الخبراء القانونيين المستقلين شرعوا في العمل على الإعلان في أكتوبر (تشرين الأول) بعد أن فشل الرئيس في إقالة النائب العام عبد المجيد محمود».

وأثار تحرك مرسي غضبا من القضاة، الذين قالوا إنه تجاوز صلاحياته وأثار أيضا احتجاجات كبيرة من قبل المصريين الذين اتهموه بمحاولة الحصول على صلاحيات ديكتاتور.

وقال عضو جماعة الإخوان المسلمين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن مرسي اختار عدم إبلاغ مستشاريه لتجنب أي تسرب للإعلان إلى وسائل الإعلام أو القضاء. وأضاف أن الإخوان» لم يكونوا على علم بالإعلان.