بكين تحن إلى الماضي بعد انقضاء مؤتمر الحزب

صينيون مرتاحون لخطاب قيادتهم الجديدة وآخرون يصرون على وضع معيشي أفضل

صينية تسير رفقة صغيرها أمام فوانيس حمراء ملفوفة في أكياس، استخدمت لتزيين بكين خلال مؤتمر الحزب الشيوعي (نيويورك تايمز)
TT

لم يعد هناك وجود للفوانيس والأعلام الحمراء. لننس الرقعة الضخمة من البساط الأحمر والمضيفات ذوات الوجوه الباسمة في ثيابهن المتماثلة وأصيص الأزهار متعددة الألوان. في ظهيرة أحد الأيام العاصفة القريبة في ساحة تيانانمن، مع مغادرة فصل الخريف الحدائق القريبة المغطاة، لم تكن هناك سوى أدلة محدودة متبقية على المهرجان السياسي الذي جرت وقائعه هذا الشهر في قاعة الشعب الكبرى.

في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، منع العامة من دخول الساحة لأكثر من أسبوع نظرا لاجتماع 2268 مندوبا من الحزب الشيوعي بالقاعة لحضور المشهد الاستثنائي المهيب، المعروف بمؤتمر الحزب الثامن عشر. ظهر تشي جينبينغ وستة رجال آخرين يرتدون حلات سوداء بشكل رسمي، لأول مرة، بوصفهم القادة الجدد للصين، بعد أشهر من الخلافات الحزبية والانخراط في النقاشات السياسية وراء الكواليس. لقد أظهر هؤلاء الساسة منذ ذلك الحين رغبة ملحة في غض الطرف عن مظاهر الأبهة والانغماس في عملية توطيد أركان السلطة وإلقاء خطابات محملة بلغة حزبية قياسية. ورغم ذلك، فإن انتهاء المؤتمر قد خلف لدى بعض سكان بكين، البالغ تعدادهم 20 مليون نسمة، شعورا بالحنين إلى الماضي.

كانت ليو جي، (63 عاما)، واحدة من بين كثير من المتقاعدين المرحين، التي استدعاها مسؤولون أمنيون هذا الشهر للعمل كضابطة مرور غير رسمية، بالخروج إلى الشوارع لتنظيم صفوف المشاة وسائقي السيارات الجامحين. وفي مدينة يوجد بها أكثر من 5 ملايين سيارة مسجلة، لم تكن تلك بالمهمة المريحة. غير أن ليو، العضو بالحزب الشيوعي منذ فترة طويلة، قالت إنه شرفها أن تلعب دورا إبان الحدث الذي استمر على مدى أسبوع، حتى وإن كان ينطوي على التعامل مع كابوس الاختناق المروري في المدينة المزودة فقط بشارة حمراء وراية. وقالت: «مد يد العون، ولو بقدر ضئيل، يولد شعورا عظيما».

لكن الآن، عاد قلب هذه العاصمة القديمة إلى الوضع الطبيعي المعتاد هذه الأيام: سماء رمادية ملبدة بالغيوم أعلى الرقعة الفسيحة المغطاة بالغرانيت؛ وجموع من السائحين الصينيين والأجانب، يتجولون ويتخذون أوضاعا مختلفة لالتقاط صور فوتوغرافية، وضباط أمن لا يرتدون زيا رسميا يراقبونهم من كثب أمام المدينة المحرمة. (لم يكن مشهد بعض هؤلاء الضباط الذين يتفقدون الساحة مستقلين سيارات ذات عجلتين، بينما يطل ماو تسي تونغ دائم الشباب من الصورة الخاصة به - مألوفا).

في مواضع أخرى، عادت أقراص الـ(دي في دي) المسروقة والكتب المكتوبة باللغة الإنجليزية عن الصين للظهور على الأرفف، بعد أن تم نقلها إلى المخازن في بعض المتاجر. وقد تمكن الكثير من النشطاء البارزين الذين كان قد طلب منهم مغادرة بكين إبان انعقاد الاجتماع من شق طريقهم مجددا عائدين إلى أوطانهم.

أقيم ماراثون بكين السنوي، الذي تم تأجيله لعدة أسابيع بسبب المؤتمر، يوم الأحد الماضي. وبالنسبة للمشاركين البالغ عددهم نحو 30 ألفا، في هذا الماراثون، في صبيحة صنفت فيها آلة رصد نوعية الهواء التابعة للسفارة الأميركية الهواء بأنه «خطير»، كان ذلك يوما آخر ملوثا.

أما عن ليو، فقد عادت لقضاء أيامها في منزلها التقليدي الكائن بأحد الأزقة بالقرب من وسط المدينة. ومع اقتراب موسم الشتاء القاسي في بكين وهبوب الرياح الباردة من مونغوليا، قالت إنها ما زالت تشعر بالتفاؤل من أن مصدر قلقها الأول - وهو أن يقوم المسؤولون المحليون بتحويل التدفئة في منزلها من المواقد التي تعمل بالفحم إلى أجهزة تدفئة كهربائية – سوف تناقشه حكومة المقاطعة.

تعززت ثقتها بقادة الصين بعد أن رأت بعينيها السلاسة والثقة التي ألقى من خلالها تشي خطاب توليه منصبه يوم 15 نوفمبر - اليوم التالي لإنهاء مؤتمر الحزب. وتساءلت قائلة: «بلغة النخبة المثقفة التي استخدمها: متى كانت آخر مرة سمعنا فيها قائدا يتحدث بهذه الدرجة من الوضوح؟».

غير أن ابنها الوحيد، لي شو، (33 عاما)، وهو عضو بين جيل من الصينيين، ممن يطرحون، نتيجة ترعرعهم في فترات أكثر ازدهارا من آبائهم، تساؤلات أكثر عمقا حول ما إذا كان بوسع القادة تلبية الوعود التي قطعوها على أنفسهم بتوفير مستوى معيشي أفضل والارتقاء بمستوى حقوق الإنسان. ويقول لي، الذي يعمل مهندس صوتيات، إن أقصى طموحاته هي أن تقوم الحكومة بإلغاء أو تقييد نظام «إعادة التعلم عبر العمل» الذي يسمح بالاحتجاز من دون محاكمة.

لقد عاد النظام، الذي وجهت له انتقادات من قبل عدد كبير من الصينيين، للظهور مجددا هذا العام كمحور جدال على المستوى الوطني، عندما تم إرسال أم في مقاطعة هونان لمعسكر عمل بعد تنظيمها حملة تؤيد فرض عقوبات أكثر صرامة على عدة رجال قاموا بخطف ابنتها البالغة من العمر 11 عاما واغتصابها وإجبارها على ممارسة البغاء. أثار الخبر موجة من الغضب العارم على أكثر المدونات المصغرة شيوعا في الصين، مما دفع بسلطات المقاطعة في نهاية المطاف إلى إطلاق سراح الأم. بالطبع لا يتابع كثير من الصينيين السياسة من كثب مثلما تفعل لي، التي تتابع الأخبار عن طريق قراءة المدونات المصغرة. حتى في بكين، هناك حالة متزايدة من اللامبالاة، وهي نتاج لنظام يسمح بقدر محدود، إن وجد، من مشاركة المواطنين في اختيار قادتهم.

ورغم ذلك، فإن ثمة آمالا ضعيفة في حدوث تغيير هنا. تعمل تشاو يي، (34 عاما)، وهي من سكان بكين، مستشارة أعمال، تصادف أيضا أن تكون واحدة من أعضاء كنيسة مسيحية لم يفرض عليها الحزب عقوبات. وتقول تشاو: «نحن لا نعلم كيف ستخاطب القيادة الجديدة قضية الممارسات الدينية في الصين». وأضافت أن خدمات الكنيسة لم تتضرر بدرجة كبيرة إبان المؤتمر، ولكن قادة الكنيسة ما زالوا في حالة من «الحذر الشديد». وتتابع: «الجميع على درجة ما من الحذر الآن».

بالعودة إلى ساحة تيانانمن، فإنه رغم التنظيف واسع النطاق الذي تم في الأسابيع الأخيرة، ما زالت هناك بعض الإشارات إلى مؤتمر الحزب الثامن عشر. على سبيل المثال، هناك رسالة إلكترونية تنبثق كجزء من صورة مركبة تعرض على شاشتين عملاقتين تبرزان عرض الساحة. تحمل الرسالة عبارة «ضع روح مؤتمر الحزب الثامن عشر موضع التنفيذ وابذل أقصى جهد ممكن لبناء مجتمع ثري بالأساس».

* ساهم إدوارد وونغ في كتابة التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»