«التحرير» يواصل الثورة.. والدولة تختبئ خلف الجدران العازلة

طوقته بحواجز إسمنتية وأسلاك شائكة

متظاهرون قاموا برسم ابتسامة على جدار شارع القصر العيني (رويترز)
TT

«مصر أصبحت جدار عازل».. عبارة قالها بعفوية أحد الشباب المتظاهرين بميدان التحرير ضد قرارات الرئيس مرسي، ثم أردف زميل له «هذه الجدران العازلة.. ليست في الحقيقة لفض الاشتباكات.. إنما هي غطاء وضعته الدولة على أعينها وآذانها لكي لا ترى معارضيها».

تعليق الشابين لم يكن محض صدفة، وإنما هو إفراز واقع ملتهب اتسعت فيه الجدران العازلة ما بين الشقاق والانقسام والاحتراب السياسي بين قوى وتيارات متصارعة. لكن الجدران الخراسانية الصلبة التي أقامتها قوات الأمن المصرية، وطوقت بها ميدان التحرير (رمز ثورة 25 يناير)، لتأمين المنشآت الحيوية، زادت الثوار بالميدان إصرارا على تلبية مطالب الثورة، وعدم اختطافها لصالح فصيل سياسي معين، والمدهش أن شباب الفنانين حولوا بعض هذه الجدران إلى لوحات فنية، فهذا حائط يبتسم بسخرية، وعلى مقربة منه آخر يبكي بحرقة وشجن.

وتضم منطقة وسط القاهرة، الكثير من المنشآت الحيوية المهمة للدولة، وأول من أمس قامت قوات الأمن ببناء جدار عازل بميدان «سيمون بوليفار» المؤدي إلى السفارة الأميركية، والذي يعد أحد مداخل ميدان التحرير، من أجل الفصل بين الشرطة والمتظاهرين، وحماية المنطقة التي تضم عددا من السفارات الأجنبية المهمة منها سفارتا أميركا وبريطانيا، حيث شهدت المنطقة لثلاثة أيام اشتباكات متواصلة خلفت عشرات الإصابات.

ومنذ أسبوع أقام سلاح المهندسين العسكريين جدارا خرسانيا أمام مقر مجلس الشورى، في بداية شارع القصر العيني المتاخم للتحرير، لعزل المنشآت الحيوية الموجودة بالشارع، والتي تتضمن مقري مجلسي الشعب والشورى (البرلمان) ومجلس الوزراء، عن الاشتباكات التي شهدها الشارع على مدار الأيام الماضية، ولتخفيف حدة الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، بالإضافة إلى عدد من الجدران في نهاية شارع «محمد محمود»، بالقرب من وزارة الداخلية.

محمد منصور، أحد النشطاء المعتصمين بالميدان منذ أسبوع، يقول: «بئس نظاما يختبئ بأفعاله وقراراته الخاطئة خلف هذه الجدران، لا يريد مواجهة الشعب ولا يريد سماع صوته.. لماذا يخافون على مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور.. لو كانت هذه المؤسسات تعمل لصالح الشعب، لما واجهت هذه الاعتراضات ولما اضطر الأمن لحمايتها وبناء الجدران حولها».

ومنذ منتصف الشهر الماضي تجددت المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين في ميدان التحرير، حين قرر آلاف النشطاء إحياء الذكرى السنوية الأولى لأحداث «محمد محمود»، وهو اسم الشارع الذي شهد مقتل وإصابة العشرات من الثوار في احتجاجات عنيفة العام الماضي بين المتظاهرين وقوات الأمن، بالقرب من مبنى الداخلية، حيث كانوا يطالبون برحيل المجلس العسكري الحاكم آنذاك.

وأثناء اشتعال هذه الأحداث، التي أسفرت عن قتيل ومئات المصابين، أصدر الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا أشعل به ثورة الغضب مرة أخرى في صفوف المتظاهرين، الذين احتشدوا في ميدان التحرير المليونية بعد الأخرى، فيما لا تزال أطراف الميدان مشتعلة بمواجهات واشتباكات متقطعة، لم تجد لها قوات الأمن بدا غير بناء الجدران الخرسانية.

وفي ظل هذه الجدران العازلة تفقد رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل، ووزير داخليته أحمد جمال الدين مساء أمس منطقة الأحداث بميدان سيمون بوليفار، وأثنى قنديل على قوات الأمن المكلفة بتأمين المنشآت الحيوية بمحيط ميدان التحرير ومصافحة أفرادها، وطالبهم بالالتزام بأقصى درجات ضبط النفس والتحلي بالصبر في التعامل مع المتظاهرين.

وأكدت قوات الأمن لرئيس مجلس الوزراء إصرارها على أداء واجبها في تأمين وحماية مؤسسات الدولة والمنشآت الأمنية والهامة والممتلكات بما يكفل سلامة وأمن المواطنين وسلمية المظاهرات، وأنهم غير مسلحين إلا بعصي وقنابل غاز مسيلة للدموع.

ومنذ بناء هذه الجدران توقفت حركة السير بهذه الشوارع الحيوية، كما تعطلت حركات عدد من الموظفين، وقام الكثير من موظفي مجلس الوزراء بنقل مكاتبهم إلى مبان أخرى في مدينة نصر.

ملامح القبح التي أضفتها هذه الجدران على منطقة حيوية بالقاهرة دفعت الكثيرين للسخرية منها على مواقع التواصل الاجتماعي فكتبت هبة أحمد على صفحتها بـ«تويتر» قائلة: «ما كل هذه الجدران.. هل هذه هي دي مصر أم إسرائيل؟. في حين يقول باسم «خايف بعد الجدار اللي اتبنى عند السفارة الأميركية القاهرة تتحول لبلد الألف جدار بدل بلد الألف مئذنة». فيما يرى محمود علي أن ما تحتاجه مصر حاليا هو «بناء جدار الثقة بين أبناء وتيارات الشعب المصري.. وليس جدران عازلة».