«حلم» الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.. وبدعم غالبية دول العالم

في الذكرى الـ65 لقرار التقسيم.. عباس يدعو العالم لإصدار «شهادة ميلاد» لبلاده

ممثلو دول العالم يصفقون ويحيون الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو عند منصة الجمعية العامة قبل التصويت على دولة فلسطين (إ.ب.أ)
TT

من المرتقب ان يعود الرئيس الفلسطيني محمود عباس والوفد المرافق له اليوم إلى الأراضي الفلسطينية وفي يده «القرار التاريخي» الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يمنح فلسطين صفة «دولة مراقبة غير عضو». ودعم القرار، الذي يضع فلسطين رسميا ودوليا، في مصاف الدول، الغالبية العظمى من أعضاء الجمعية العامة الـ193. ووصف المندوب الصربي فوك يرميتش، رئيس الجمعية يوم أمس بالتاريخي. وحتى طباعة هذه الصحيفة، لم يتضح العدد النهائي للدول التي صوتت لصالح منح فلسطين صفة دولة مراقب. وبهذا التصويت لبت غالبية الدول العضو في مجلس الأمن دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ«إصدار شهادة ميلاد» لبلاده.

وكانت جلسة التصويت، على مشروع القرار الذي تبنته نحو 60 بلدا عضوا من بينها أيسلندا التي انضمت أول من أمس إلى مجموعة الدول الراعية له، قد افتتحت تحت بند فلسطين في الساعة الثامنة حسب توقيت غرينتش (الثالثة حسب توقيت نيويورك)، بكلمة الرئيس الفلسطيني الذي فضح فيها الممارسات القمعية الإسرائيلية وعمليات الاستيطان. وقبل التصويت على القرار ألقى الرئيس الفلسطيني خطابا أمام الجمعية العامة، قائلا: «تجيء فلسطين اليوم إلى الجمعية العامة وهي ما زالت تضمد جراحها وتواصل دفن شهدائها.. وتبحث عن بقايا حياة وسط أنقاض المنازل التي دمرتها القوات الإسرائيلية». وأضاف: «تجيء فلسطين إلى الجمعية العامة لأنها تؤمن بالسلام.. ومؤكدين قناعتنا بأن الأسرة الدولية تقف أمام الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين».

وتحدث عباس مطولا عن دور السلطة الفلسطينية في العمل على إقامة الدولة، قبل أن يعود ليتحدث عن الحرب على غزة، مذكرا بضحايا الحرب وخصوصا عائلة الدلو التي ذكرها بالاسم بعد مقتل 11 من أعضائها. وقال إن إسرائيل «تعتقد أنها فوق القانون الدولي»، وتواصل التهديدات، منتقدا سياسات بعض الدول التي «تساوي بين الضحية والجلاد». ولكنه أضاف: «لم نأتِ لنزع الشرعية عن دولة قائمة.. بل لإعطاء الشرعية لدولة تستحقها.. لم نأتِ هنا لنزيد التعقيدات لعملية السلام، بل لإطلاق فرصة جدية لإحياء عملية السلام». وحذر من أن «نوافذ الفرص تضيق وحبل الصبر يقصر» لحل الدولتين، داعيا لتكثيف الجهود لحمايتها.

وبدأت الإجراءات لدى الأمم المتحدة عصر أمس بإلقاء المندوب السوداني لدى الأمم المتحدة دفع الله الحاج علي عثمان خطابا بتفاصيل مشروع القرار، كونه يترأس المجموعة العربية في المنظمة الدولية، كما قام المندوب السوداني بدعوة أعضاء الجمعية مشروع القرار قبل التصويت عليه. ونص القرار على «حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بما في ذلك حقه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة»، بالإضافة إلى تجديد بعض الفقرات المرتبطة بفلسطين.

وخاطب عباس ممثلي دول العالم: «إن تأييدكم لمسعانا سيكون سببا للأمل لشعب محاصر بالاحتلال.. ويؤكد لشعبنا أنه ليس لوحده». وبعد الانتهاء من خطابه، ضجت القاعة بالتصفيق المطول ووقف عدد كبير من ممثلي دول العالم طويلا لتحيته.

وبعد عباس، ألقى المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة رون بروسر خطابا مطولا، ليتهم الفلسطينيين بعدم السعي إلى السلام.

وبدأ يوم أمس في الأمم المتحدة بجلسة صباحية إحياء ليوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني في الذكرى الـ65 لقرار التقسيم (181) الصادر عن الجمعية العامة عام 1947. الذي يقسم فلسطين إلى دولتين إحداها يهودية (إسرائيل) والثانية عربية. وافتتح الجلسة التي شارك فيها الرئيس عباس كضيف شرف، وتحدث فيها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس الجمعية العامة فوك يرميتش وتحدث فيها رئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي المندوب الهندي حاريم سينغ بوري ووزير الخارجية الفلسطينية رياض المالكي وباليثا كوهونا رئيس لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ومندوب إيران وغيرهم.

وبدأت عملية التصويت على مشروع القرار في الساعة العاشرة حسب توقيت غرينتش. وأيدت الغالبية الساحقة من دول عدم الانحياز وجميع الدول الإسلامية والعربية، إضافة إلى عدد كبير من الدول الأوروبية التي لم يصوت أي منها ضد القرار حسب ما قاله المندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة الدكتور رياض منصور.

ومن بين الدول الأوروبية التي صوتت لصالح القرار بلجيكا التي غيرت موقفها في اللحظة الأخيرة والسويد والنرويج والدنمارك وفنلندا والنمسا وسويسرا وإيطاليا التي أزعج التغيير في موقفها قبل يوم من التصويت، إسرائيل، والبرتغال وإسبانيا وفرنسا وآيرلندا واليونان وقبرص وتركيا وروسيا، وغيرها الكثير. وبرر مسؤولون إيطاليون التغيير في الموقف بالتأكيد أن هذه الخطوة تتسق مع تأييد إيطاليا لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني على أساس دولتين. وحسب بيان وزارة الخارجية أفان رئيس الوزراء ماريو مونتي أجرى اتصالا هاتفيا مع عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتوضيح القرار.

ومن الدول الأوروبية التي عارضت القرار بريطانيا التي وضعت شرطين للتصويت لصالح الطلب وهما عدم الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية وثانيا الشروع في المفاوضات المباشرة، غير أن الرئيس عباس رفض الانصياع للضغوط، وألمانيا التي غيرت موقفها المعارض إلى الامتناع في اللحظة الأخيرة احتجاجا على رفض إسرائيل لطلب ألماني بوقف الاستيطان، واستونيا وليثونيا ولاتفيا متحججة بعدم وجود موقف موحد حول هذه القضية في الاتحاد الأوروبي. ومن بين الدول التي عارضت القرار، الولايات المتحدة وكندا وإسرائيل وجزر المارشال وناورو ومكرونيزيا. وكررت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في تصريحات للصحافيين في واشنطن مساء أول من أمس أن الولايات المتحدة ترى أن الخطوة الفلسطينية جانبها الصواب وأن الجهود يجب أن تتركز على إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط. وقالت: «مسار حل الدولتين الذي يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني هو عبر القدس ورام الله لا نيويورك. الطريقة الوحيدة للوصول إلى حل دائم هو بدء مفاوضات مباشرة». وابتعدت كلينتون أمس عن الأمم المتحدة بينما كان من المرتقب ان تلقي خطابا الليلة حول الشرق الأوسط في معهد «سابان» للدراسات الاستراتيجية. بواشنطن إلى ذلك أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت عن اعتقاده بأنه لا يوجد سبب يدعو إسرائيل لمعارضة الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة خاصة أنه لا يتعارض مع حل الدولتين. وجاء دعم أولمرت في خطاب نشر أمس في موقع «ذا ديلي بيست» الإخباري الأميركي قبيل التصويت على الطلب الفلسطيني.

ويأتي رأي أولمرت متناقضا مع رأى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يزعم أن الخطوة تمثل انتهاكا للاتفاقيات الموقعة التي ترى أن كافة القضايا العالقة بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية يجب حلها من خلال المحادثات. وكتب أولمرت يقول إن: «منح مكانة دولة غير عضو للفلسطينيين يضع الأساس لحل الدولتين وبالتالي يتعين على إسرائيل إجراء مفاوضات مع الجانب الفلسطيني على هذا الأساس». وأضاف: «فور وضع الأمم المتحدة الأساس لهذه الفكرة، سيكون علينا في إسرائيل البدء في عملية مفاوضات جادة للتوصل إلى اتفاق حول الحدود وفقا لخطوط 1967 وغيرها من المسائل». وأشار إلى ضرورة دعم الرئيس الفلسطيني الذي وصفه بالمعتدل ورئيس وزرائه سلام فياض، وقال: إن «الرجلين بحاجة إلى مساعدتنا، وحان الوقت لنقدمها لهما».