سوزان رايس.. سفيرة غير تقليدية كثيرون ينتظرون تعيينها وزيرة

تعتبر مادلين أولبرايت ملهمتها.. وزملاؤها في الأمم المتحدة يلقبونها بـ«الناظرة» بسبب صرامتها

رايس أثناء حضورها جلسة التصويت على منح فلسطين وضعية عضو مراقب في الأمم المتحدة، في نيويورك الخميس (أ.ف.ب)
TT

تعرضت سوزان رايس إلى الاستفزاز، وكان خصمها الدائم سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي شوركين - وهو شخصية غريبة الأطوار قد تنفجر رايس صارخة في وجهه في لحظة من اللحظات ثم تضحك معه في اللحظة التالية مباشرة - السبب أيضا، وفي هذه المرة كان يسخر من مشروعها الأثير الذي يهدف إلى السماح للشباب من جميع أنحاء العالم بتوجيه أسئلة إلى مجلس الأمن عبر روابط فيديو إلكترونية على الإنترنت. وإذا كان شوركين يرغب في لعب دور الشخص المستفز الذي يستثير أعصاب السفيرة الأميركية لدى الولايات المتحدة، فإن رايس لم تسكت هي الأخرى، حيث قام أحد أفراد طاقمها بتركيب وجه شوركين على جسم شخصية كارتونية شهيرة تدعى «غرينش»، وقد راق ذلك لرايس إلى درجة أنها قررت عرض الصورة المعدلة على الشاشة الكبيرة الموجودة داخل قاعة المشاورات الخاصة بمجلس الأمن كي يراها الجميع.

لكن قبل ذلك كان لا بد من اللجوء إلى قليل من الدبلوماسية، فقامت أولا بعرضها على انفراد أمام شوركين، وكانت «ضحكة الدب الضخم» التي سمعها أفراد الطاقم من وراء الباب المغلق توحي بأن هذه الواقعة لن تتحول إلى صدام نووي، وفي النهاية تراجع الروس عن اعتراضاتهم. ولكن مع ذلك، فإن هذه المزحة التي قامت بها رايس في ديسمبر (كانون الأول) 2010 قد أزعجت البعض داخل هذا العالم الحذر على الدوام والسري في الغالب الذي يتسم بتهذيب مبهم لكنه يخفي وراءه إهانات مستترة. فهل كانت المرأة ذات الـ48 ربيعا تتصرف بطريقة غير لائقة تتعارض مع قواعد الدبلوماسية أم أنها كانت فاتنة على نحو غير مألوف؟

كل تفصيلة تتعلق برايس تكتسب أهمية الآن بعد أن صارت المرشحة الأولى المفترضة لخلافة هيلاري كلينتون على رأس وزارة الخارجية الأميركية، وكل سؤال كبيرا كان أم صغيرا يتطلب إجابة، حيث تجد ابنة واشنطن نفسها داخل كواليس العاصمة، في نقطة ضغط حساسة بين الكونغرس والبيت الأبيض، وقد وصلت إلى هنا عن طريق تقديمها يد العون إلى كلينتون صبيحة يوم من أيام الأحد المزدحمة بالمواعيد في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد 5 أيام من الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية، حيث ظلت تهرول ما بين 5 برامج حوارية من برامج العطلة الأسبوعية في ساعات معدودة لتردد الأقاويل التي يسوقها البيت الأبيض بأن ذلك الهجوم كان رد فعل عفويا لصدور فيلم مسيء للإسلام، مما دفع مجموعة من الجمهوريين من أعضاء مجلس الشيوخ والمعلقين المحافظين إلى اتهامها بتعمد تضليل الشعب من خلال إخفاء التقييمات الاستخباراتية التي تؤكد أنه كان هجوما إرهابيا. وتكالب أعضاء مجلس الشيوخ هؤلاء على الميكروفونات لاستنكار موقفها، مما جعل الرئيس باراك أوباما يرد بقوة على منتقديها قائلا إنهم ينبغي أن يلاحقوه هو وليس هي.

هذا هو مسقط رأس سوزان رايس الذي شهدت فيه أزهى أيام شبابها، وهي دراما متقلبة بالنسبة لامرأة سبق أن وصفت نفسها في حوار أجري معها يوم الخميس الماضي بأنها «فتاة مهيأة قلبا وقالبا لواشنطن العاصمة»، حيث نشأت وترعرعت على بعد دقائق من موقع الملاحم السياسية البطولية التي تخوضها اليوم واحدة تلو الأخرى، وبالتحديد في منطقة «شبرد بارك» بالمربع الشمالي الغربي من العاصمة واشنطن. كان والدها إيميت رايس خبيرا اقتصاديا أصبح في عام 1979 ثاني أميركي من أصل أفريقي يتم تعيينه في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أما والدتها لويس ديكسون رايس فكانت مسؤولة تنفيذية في بعض الشركات، كما شغلت لفترة طويلة عضوية «مجلس الكليات». انفصل الزوجان حينما كانت رايس في الـ10 من عمرها ليتنقلا بين دوائر النخبة في المدينة، فالتحقت رايس بمدارس راقية مثل «بوفوار» و«مدرسة الكاتدرائية الوطنية» حيث مارست رياضة البيسبول، وبلغ من حبها للرياضة أن أطلقت عليها عائلتها لقب «الرياضية»، وهو لقب ما زال بعض أفراد العائلة يستعملونه حتى اليوم (تقول رايس إنها لم تلعب كرة السلة مع الرئيس أوباما، حيث ذكرت في أحد الحوارات: اعلم أنه لا يمكنني أن أبدد الوقت معه). وقد كان من بين أصدقاء والديها مادلين أولبرايت، التي أصبحت فيما بعد وزيرة للخارجية، والتي سبق لها العمل في مجالس المدارس مع والدة رايس، كما كان زوجها السابق يلعب التنس مع والد رايس. وقد أصبحت أولبرايت مثلا أعلى لرايس، حيث ساعدتها على الارتقاء إلى منصب مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية وهي في سن 32 عاما، وذكرت أولبرايت في أحد الحوارات أنهما كانتا مقربتين جدا من بعضهما البعض إلى درجة أن الناس كانوا يزعمون أنها ابنتها الروحية، ولكنها لم تكن كذلك، إلا أن بيجي كوبر كافريتز - وهي ثرية من محبي الفنون في واشنطن العاصمة - كانت بشكل أو بآخر أما روحية بديلة بالنسبة لها، كما كانت إليانور هولمز نورتون - وهي نائبة عن واشنطن لا تتمتع بحق التصويت داخل مجلس النواب - تصاحب رايس عند تناول الغداء حينما كانت الأخيرة تدرس قرار الالتحاق بكلية الحقوق من عدمه.

وعند سؤال رايس عن دفعتها التي تخرجت معها في المدرسة العليا، أجابت بأن 10% فقط منها كانت من الأميركيين من أصل أفريقي، إلا أن الانتماء العرقي كان موضوعا لم يرد والداها أن تشغل نفسها به، حيث ذكرت يوم الخميس الماضي: «لقد علماني ألا استعمل الانتماء العرقي مطلقا كمبرر أو كعكاز أتكئ عليه». ويقول أصدقاؤها إن وفاة والدها العام الماضي أثر فيها بشدة، كما أنها تشعر بالقلق من اضطرارها إلى قضاء وقت طويل للغاية بعيدا عن أسرتها في واشنطن، وكذلك والدتها التي تعاني من مشكلات صحية. وقالت رايس: «أحدهم يمكن أن يأخذ مكانك في مجلس الأمن، لكن لا أحد يمكن أن يأخذ مكانك في غرفة المستشفى».

لم يكن هناك إطلاقا أي شك في أن رايس ستستقر في واشنطن، حيث تقول إنها «لم تفكر أبدا في الحياة خارج المدينة»، وهي تعيش في المربع الشمالي الغربي من العاصمة واشنطن مع زوجها إيان كاميرون، وهو منتج تلفزيوني التقت به أثناء دراستها في «جامعة ستانفورد». وهي تدرك أن البعض ربما ينظرون إليهما بارتياب لأن كاميرون أبيض وهي سوداء، وقد ذكرت في حوار أجرته معها صحيفة «واشنطن بوست» عام 1998: «لكن لماذا ينبغي أن تقيدني تحيزات مسبقة أختلف معها اختلافا تاما؟ إن ذلك لا يعني أنني لست أميركية أفريقية». وأثناء حفلات العشاء التي يستضيفها الزوجان في منزلهما، دائما ما يرتفع صوت الموسيقى وتنطلق رايس - التي ربما تكون شخصيتها العامة جادة إلى درجة فظيعة - في الضحك والرقص، وذلك بحسب ما ذكرته رئيسة طاقم العاملين معها بروك أندرسون. وتقول رايس عن الإيقاعات وأنغام الموسيقى الأفريقية التي تتعالى من مكبرات الصوت: «إنني أعشق أيام الدراسة».

وهذه المرأة الاجتماعية ذات الابتسامة العريضة هي ما يحب المقربون منها أن يتحدثوا عنه، إلا أن هناك انطباعا سائدا ظل يطارد رايس طوال معظم مراحل مشوار صعودها الحاد والسريع، وقد أطل هذا الانطباع برأسه أكثر من أي وقت مضى مع بروز اسمها كوزيرة خارجية محتملة، وهو أنها المرأة الفظة التي تزيح كل من يقف في طريقها والتي أقدمت على توجيه إشارة بذيئة بإصبعها إلى الدبلوماسي الشهير ريتشارد هولبروك، الذي يميل إلى استعمال ألفاظ خارجة. ويقول إيد لوك، وهو مستشار خاص سابق للأمين العام للأمم المتحدة: «إنها ليست دبلوماسية تقليدية. إنها لا تطيق الحمقى، ولست أرى سببا يجعلها تطيقهم». ولمح لوك إلى أنه كانت لديه شكوكه حينما تم تعيين رايس سفيرة لدى الأمم المتحدة قبل 4 أعوام، حيث كان يتساءل ما إذا كان أسلوبها سيكون مستفزا، إلا أنها فاجأته بعد ذلك مفاجأة سارة، بل وفي بعض الأحيان كان يشعر نحوها بالإعجاب، خاصة عندما أدلت رايس بتصريحات مثيرة وهي تحيي ذكرى وقائع القتل الجماعي التي شهدتها رواندا وتعترف بأن الولايات المتحدة لم تفعل ما يكفي لإيقاف هذه المذبحة. وعلق لوك على ذلك: «لا أظن أنني سمعت على الإطلاق مثل هذه الرواية الشخصية والعاطفية على لسان دبلوماسي داخل الأمم المتحدة».

راقبت رايس مأساة رواندا عن كثب حينما كانت موظفة شابة في «مجلس الأمن القومي» الأميركي، وهذه المأساة تلعب دورا معقدا في هويتها العامة، فكثيرا ما تستشهد برحلتها إلى رواندا - التي رأت فيها أدلة على مآس يعجز اللسان عن وصفها - باعتبارها عاملا كان له أكبر الأثر على موقفها من أنشطة التدخل الإنساني.

في الأمم المتحدة، يمكن أن تكون رايس مزعجة في بعض الأحيان بسبب ميلها إلى الاستعراض خلال الاجتماعات وهيمنتها على المحادثة، وتكون فظة وترتكب أخطاء أحيانا أخرى، كما تقوم بإلقاء محاضرات على أقرانها وتتسبب في غضب الدبلوماسيين الآخرين بسبب مبالغتها في تحديد المواعيد وجداول الأعمال، مما يجعل بعضهم يسخر منها ويطلق عليها اسم «الناظرة». وقال أحد الدبلوماسيين في مجلس الأمن عن رايس: «أنت لست مدرستنا ونحن لسنا تلامذتك». غالبا ما تتحدث رايس عن التزامها بحقوق الإنسان، وهي القضية التي يرى حلفاؤها أنها محورية في نظرتها للعالم. ومع ذلك، انتقدها أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، هو كينيث روث، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» والذي قال لمجلة «فورين بوليسي»: «إنها تميل إلى أن تكون أقوى عندما تنتهك حقوق الإنسان من قبل خصوم الولايات المتحدة، وتكون أقل قوة عندما تنتهك حقوق الإنسان من جانب الدول الصديقة للولايات المتحدة، مثل رواندا وإسرائيل، أو حكومات غير صديقة أو عدوة، مثل سريلانكا».

* ساهم في كتابة هذا التقرير كولوم لينش من الأمم المتحدة

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»