مشروع الدستور المصري الجديد يرفع إلى الرئيس مرسي اليوم

الفقيه الدستوري نور فرحات لـ«الشرق الأوسط»: المادة 76 جريمة عظمى تكفي وحدها لرفضه

المستشار حسام الغرياني رئيس الجمعية التاسيسية (يسار) يناقش مع محمد البلتاجي بنود الدستور الجديد أمس (إ.ب.أ)
TT

كل من حاول الدخول إلى موقع الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور المصري على شبكة الإنترنت أمس اصطدم بالرسالة التالية: «دستور مصر.. عفوا حدث خطأ غير متوقع».

لكن هذه المفارقة ربما تلخص الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد حاليا، بعد أن لهث الأعضاء الإسلاميون في الجمعية على مدى اليومين الماضيين للانتهاء من كتابة مشروع الدستور، قبل حكم متوقع ببطلان تشكيل الجمعية، فيما كان آلاف المتظاهرين يعتصمون في ميدان التحرير لرفض ما يخرج عن الجمعية التي انسحب منها ممثلو القوى الليبرالية والكنائس.

ويستعد أعضاء الجمعية اليوم (السبت) لإخراج مشهد كرنفالي بالذهاب إلى قصر الاتحادية لرفع مشروع الدستور إلى الرئيس الإسلامي محمد مرسي، لكن سيكون عليهم أولا تجنب الطرق التي تشهد مسيرات قوى ثورية أعلنت رفضها لهذا الدستور، وهددت بتصعيد تحركها في الميادين لإسقاطه، وسط مخاوف من صدام محتمل بين تلك القوى ومؤيدي مرسي من الإسلاميين الذين أعلنوا عن تنظيمهم مليونية «الشريعة والشرعية» اليوم.

وعلى وقع الأزمة المتصاعدة سياسيا، يتوقف فقهاء الدستور في مصر أمام ما يعتبرونه جريمة عظمى في حق البلاد. حسبما يقول الفقيه الدستوري الدكتور محمد نور فرحات لـ«الشرق الأوسط» إن «نص المادة 76 جريمة عظمى بكل ما للكلمة من معنى ويكفي وحده لرفض مشروع الدستور».

وتنص المادة 76 من الدستور الجديد على أن «العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون». ويرى نور فرحات وهو أستاذ في فلسفة القانون، أن هذا النص يعصف بمبدأ قانوني أصيل، حيث إن الفعل المجرم في قانون العقوبات محدد بمواصفات وأركان مادية ومعنوية.. يتابع: «الآن ووفقا لهذا النص يمكن للقاضي أن يخترع جريمة جديدة ويضع لها عقوبة من عنده وفقا لنصوص دستورية هي بطبيعتها مرنة ويمكن تأويلها». ويرى مراقبون أن الرئيس مرسي وفريقه السياسي وضعا استراتيجية لتمرير الدستور الجديد، بدأت بتحصين الجمعية عبر إعلان دستوري مثير للجدل، تحسبا لحكم متوقع للمحكمة الدستورية العليا ببطلانها.

وأثار الإعلان الدستوري غضب القوى الثورية، ولم تفلح إشارات مرسي بإعادة محاكمة قتلة الثوار في تمريره. واصطف القضاة والمحامون والصحافيون والقوى السياسية لمواجهته قائلين إنه «إعلان ديكتاتوري يصنع فرعونا جديدا للبلاد». ويتوقع مراقبون أن تصل نسبة تعليق العمل في المحاكم اليوم إلى 100%، فيما أعلنت نقابة الصحافيين احتجاب الصحف الثلاثاء القادم، ووقف بث برامج قنوات فضائية يوم الأربعاء القادم وتسويد الشاشات، اعتراضا على الدستور الجديد والإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي قبل أسبوع.

وبينما حاول المستشار حسام الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية تسويق المشروع بالتركيز على نقاط إيجابية به، بدا مشهد امتناع ستة من أعضاء الجمعية السلفيين عن الوقوف أثناء عزف السلام الجمهوري، معززا لتعليق الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور الذي قال أمس أثناء انعقاد جلسة إقرار الدستور إن مصير هذا المشروع إلى «مزبلة التاريخ».

ولا تزال القوى المعارضة التي توحدت داخل جبهة الإنقاذ الوطني فور صدور الإعلان الدستوري، تتناقش بشأن موقفها من الاستفتاء الشعبي الذي من المتوقع أن يدعو إليه الرئيس مرسي اليوم، أو غدا على الأكثر. وقال زياد العليمي القيادي في ائتلاف شباب الثورة إن «القرار (بشأن الموقف من الاستفتاء) ستتخذه القوى السياسية بشكل جماعي سواء بالمقاطعة أو التصويت بلا».

ويعتقد الفقيه الدستوري نور فرحات أن هناك ثلاثة مواطن للخطر في مشروع الدستور الجديد، أولها المادة 219 التي تفسر المقصود بمبادئ الشريعة، يقول فرحات: «هذه المادة تتحدث عن المصادر المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة وهو تعبير لا وجود له في الفقه الإسلامي، ويقصد بهم الآباء الفكريون للجماعات السلفية الذين أخذوا كل ما يقول به أهل السنة من المذاهب الأربعة سواء كانت أدلته قطعية أو ظنية، صالحة للعصر أو غير صالحة». وحذر فرحات من أن تدخل هذه المادة النظام القانوني في البلاد إلى ما وصفه بـ«دهليز» الفتوى الدينية مقطعة الصلة بالواقع المصري وحضارة المصريين، قائلا: «رأينا جانبا من هذا العبث في البرلمان الذي طالب فيه نواب سلفيون بتشريع قوانين عجيبة.. ونسمع الآن من الشيوخ من ينادي بتطبيق حد الحرابة على المعارضين لمرسي».

يعترض فرحات أيضا على باب نظام الحكم، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «أعطى باب نظام الحكم للرئيس اختصاصات كثيرة جدا بعضها مباشر والبعض الآخر يشاركه فيه رئيس مجلس الوزراء، لكن الخطر أنه لا يوجد أي مسؤولية سياسية أو جنائية باستثناء جريمة الخيانة العظمى وهي غير معرفة ولا محددة.. وهذه آفة الآفات». ويرى الفقيه الدستوري أن موطن الخطر الثالث في الدستور الجديد يتعلق بالعبارات الإنشائية المتعلقة بالحقوق العامة والحريات من دون ذكر آليات دستورية واضحة لحماية هذه الحقوق عندما تنتهك في الواقع، ما يجعل هذه النصوص مجرد تعبير عن نوايا المشرع».

وفي ميدان التحرير الذي احتضن للمرة الثانية خلال أسبوع مظاهرة مليونية، علق العضو المنسحب من الجمعية التأسيسية الدكتور جابر جاد نصار، وهو قانوني بارز على مشروع الدستور قائلا: «هذا مشروع مشوه.. ورأينا جميعا مهزلة إخراجه».

في المقابل، لا تزال جماعة الإخوان تلقي بثقلها خلف مشروع الدستور، وقبل يوم من الدفع بكوادرها وأنصارها إلى الميادين اعتبرت الجماعة مشروع الدستور ثمرة من ثمار ثورة 25 يناير، وقالت في بيان لها أمس إن «هذه الثمرة التي ارتوت بدماء وتضحيات شهدائنا الأبرار (...) لبنة صالحة في بناء مصر المستقبل، مصر الحرية والبناء، مصر التقدم والرخاء». وبينما لا يزال فرقاء المشهد السياسي يواصلون الضغط في ميادين البلاد، قالت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تريد أن ترى دستورا في مصر يفي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان ويوفر الحماية لجميع الفئات، وأن يضم مجموعة من الضمانات القضائية، كما يفي بالمعايير القضائية الدولية.