دستور مصر في سجل التاريخ

ارتبط إصداره وتعديله بالحركات الثورية والشعبية

TT

ارتبط تاريخ الدستور المصري بالحركات الشعبية والنضال الثوري، وتميز بكونه سببا دائما في نشوب أزمات بين سلطات الدولة الثلاث وإثارة الشعب ضد النظام الحاكم. وقد شهدت الفترة ما بين عامي 1805 و1882 نضالا طويلا للشعب المصري انتهى بإصدار أول دستور للبلاد في فبراير (شباط) 1882، حيث أجبرت الحركة الشعبية بقيادة أحمد عرابي، الخديو توفيق على السماح بوثيقة دستورية نظمت اختصاصات مجلس النواب ودور أعضائه وعلاقتهم بالملك، فأكدت على أن يكون أعضاء المجلس بالانتخاب، وأن يكونوا مستقلين ومحصنين من الملاحقة القضائية، إلا أن الاحتلال الإنجليزي قام بإلغاء هذا الدستور واتخذ عدة قرارات منها حل الجيش ومجلس النواب، وتم تغيير الدستور إلى ما عرف لاحقا بالقانون الأساسي، والذي اختفت منه أفكار الفصل بين السلطات، وقد أدى ذلك لإعادة تركيز كل السلطات في أيدي السلطة التنفيذية.

ونشأت بعد ذلك حركات ثورية أخرى أدت إلى اندلاع ثورة 1919، والتي مهدت لصدور دستور 1923. وقد شكل وقتها الملك فؤاد لجنة تتكون من 30 عضوا لصياغة دستور 1923، وشكلت القوى الوطنية آنذاك رقابة شعبية شديدة على أعمال هذه اللجنة، وقد مثل هذا الدستور تطورا هائلا في الحياة القانونية، حيث نص على استقلال مصر ومساواة المصريين أمام القانون في الحقوق والواجبات، كما كفل الحرية الشخصية لجميع المصريين، إلا أنه على الرغم من ذلك فقد وضع العديد من السلطات المطلقة بأيدي الملك وكان أخطر هذه السلطات هو حق حل مجلس النواب الذي كفلته المادة 38، وقد أورد الدستور هذا الحق خاليا من أي قيد أو شرط أو حد أقصى لمرات الحل، وهو ما فتح الباب أمام الملك لحل البرلمان كلما اقتضت مصلحته السياسية ذلك، فأدى الأمر إلى عدم اكتمال المدة الدستورية لجميع المجالس التي شكلت في ظل هذا الدستور، مما أدى إلى إلغاء دستور 1923، وصدور دستور 1930 في عهد وزارة إسماعيل صدقي، ولذا عرف باسم دستور صدقي باشا.

وقد سحب هذا الدستور العديد من الاختصاصات من مجلس النواب، وأهدر الصفة النيابية لمجلس الشيوخ، ورفع نسبة الأعضاء المعينين فيه إلى ما فوق الأغلبية، ونتيجة لذلك ازداد الضغط الشعبي لإلغاء دستور 1930، فصدر الأمر الملكي عام 1934 بإلغاء الدستور وحل مجلسي البرلمان اللذين قاما في ظله.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 1935 صدر الأمر الملكي الذي قضى بإعادة العمل بدستور عام 1923، وظل الحال على هذا المنوال حتى قيام ثورة يوليو (تموز) 1952، حين أعلن مجلس قيادة الثورة في 10 ديسمبر 1952 إلغاءه نهائيا، وحل جميع الأحزاب السياسية ومصادرة أموالها، وتم تشكيل لجنة مكونة من 50 شخصية سياسية وعسكرية وقضائية قامت بصياغة مسودة دستور 1954، الذي أكد على تحقيق التوازن بين سلطات الدولة ورفع مكانة السلطة القضائية والتأكيد على الحريات وحقوق الإنسان، إلا أن مجلس قيادة الثورة قام بتجاهل هذه المسودة، وقيل إن سبب تجاهلهم لها هو أنهم رأوا فيها سلبا لقوتهم والحد من سلطات السلطة التنفيذية.

وعند نهاية الفترة الانتقالية صدر في 16 يناير (كانون الثاني) 1956 دستور جديد، وأجري استفتاء عليه في 23 يونيو (حزيران) من العام نفسه، وعلى أساس هذا الدستور شكل أول مجلس نيابي بعد الثورة عرف باسم «مجلس الأمة». وبعد قيام الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت مصر وسوريا، صدر دستور الوحدة في مارس (آذار) 1958، وتم العمل به حتى عام 1964، وقد اتضح أن هذا الدستور انعكاس لإرادة الحكام وتكريس لعودة الحكم الفردي في الدول العربية، فتم إلغاؤه والعمل بدستور مؤقت، إلى أن تم وضع دستور جديد في 1971.

وقد أمر الرئيس الراحل أنور السادات في سبتمبر (أيلول) 1971 بتشكيل لجنة مكونة من 80 فردا عينها مجلس الشعب من بين أعضائه لوضع الدستور الدائم والذي استمر العمل به لمدة أربعين عاما بدأت بإقرار التعدد الحزبي وضمان حقوق وحريات الأفراد وتوازن سلطات الدولة، وانتهت بتعاظم دور مؤسسة الرئاسة في الحكم وانحصار الدور السياسي في البلاد على بعض الأحزاب والكيانات الموالية للأنظمة الحاكمة.

وقد أجريت على هذا الدستور ثلاثة تعديلات، اعتبرها الكثيرون محاولة من الحكام للانفراد بجميع السلطات، وكان أول هذه التعديلات في 30 أبريل (نيسان) 1980، حيث تم تعديل فترات الرئاسة، فبعد أن كانت مقيدة بفترتين أصبحت غير محددة، كما أضاف مادة تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، وهو ما اعتبره الكثيرون محاولة لجذب تأييد التيارات الإسلامية.