برنامج «سكايب».. الأداة الأكثر إفادة للثوار السوريين رغم خطورتها

ناشط من حمص: يمكنك من خلال البرنامج معرفة كيف يتحرك الجيش أو كيف يمكنك إيقافه

شاب سوري يهتف في مضخم للصوت بشعارات تطالب بسقوط نظام بشار الأسد في حلب أول من أمس (أ.ب)
TT

في محاولة لإثبات ما يتمتع به الثوار السوريون من تزايد على مستويي التطور والتنظيم، فقد ردوا على قطع الاتصال بالإنترنت على مستوى البلاد بالانتقال إلى تكنولوجيا الأقمار الصناعية من أجل التنسيق داخل البلاد والتواصل مع الناشطين في الخارج. وحينما اختفت خدمة الإنترنت من سوريا يوم الخميس الماضي، ألقى مسؤولو النظام باللوم في البداية على هجمات الثوار، في حين ألقت جماعات الناشطين باللوم على النظام واعتبرت هذا الإغلاق علامة على أن القوات سوف تضيق الخناق بعنف على الثوار.

إلا أن المعارضة التي نجحت في التعامل مع الانقطاعات المنتظمة في الكهرباء لما يزيد على العام، كانت تترقب الإقدام على خطوة إغلاق شركات الإنترنت السورية، وتأهبا لمثل هذه الخطوة قضت شهورا في تهريب معدات الاتصالات مثل أجهزة الهاتف الجوال، والهواتف الجوالة المتصلة بالأقمار الصناعية، إلى داخل البلاد. ويؤكد الناشط البراء عبد الرحمن (27 عاما) من بلدة سقبا، وهي ضاحية فقيرة تقع على مسافة 20 دقيقة خارج دمشق: «نحن مجهزون تجهيزا جيدا للغاية هنا». وأشار إلى أنه على اتصال بخبير في حمص ساعده على توصيل مكتبه و10 مكاتب أخرى مثله داخل دمشق وحولها. وباستخدام هذه الوصلة، يتحدث الناشطون في سقبا مع مقاتلي الثوار عبر برنامج «سكايب»، كما ينقلون إلى الناشطين في الخارج تفاصيل عن الصدامات التي تحدث مع قوات النظام. وقد أظهر تسجيل فيديو الغرفة البسيطة التي يحتمي بها الثوار، و4 بطاريات احتياطية يمكنها تشغيل جهاز كومبيوتر محمول لمدة 8 ساعات، ومولدا تم وضعه فوق شرفة مرتفعة.

ومنذ أشهر، بدأ الثوار الذين يقاتلون من أجل إسقاط الرئيس بشار الأسد في استخدام برنامج «سكايب»، وهو عبارة عن نظام تواصل فردي عبر الإنترنت، في التنظيم والتحدث مع المؤسسات الإخبارية في الخارج ومع الناشطين أيضا. ومنذ بضعة أيام، بعث الناشط جاد اليماني من حمص برسالة إلى المقاتلين الثوار ينبههم فيها إلى تحرك بعض الدبابات باتجاه إحدى نقاط التفتيش التابعة للنظام، كما أخبر المقاتلين الآخرين بذلك كي يتمكنوا من الذهاب ومراقبة نقطة التفتيش هذه. ويقول اليماني: «أنت تعرف من خلال برنامج (سكايب) كيف يتحرك الجيش أو كيف يمكنك إيقافه».

وفي يوم الجمعة الماضي نجح داود سليمان (39 عاما)، وهو عضو في «كتائب أحرار الشام» التابعة للجيش السوري الحر، في التواصل مع أعضاء آخرين بجماعة الثوار التي ينتمي إليها كانوا مرابطين في قاعدة «وادي الضيف» العسكرية التابعة للنظام في محافظة إدلب الواقعة على مقربة من الحدود التركية والتي شهدت معارك ضارية، حيث اتصل ببرنامج «سكايب» عبر خدمة الإنترنت المتصل بالأقمار الصناعية. وذكر سليمان، الذي يعيش في تركيا، أن الجيش السوري الحر توقف منذ أشهر عن استعمال شبكات الهواتف الجوالة والخطوط الأرضية وأصبح يعتمد بالكامل تقريبا على برنامج «سكايب» بدلا منها، مضيفا: «أفراد الكتائب يتواصلون عبر الأجهزة الجوالة». وهذا الأسبوع، أرسل الثوار إعلانا عن طريق برنامج «سكايب» يطالب بإلقاء القبض على رئيس الاستخبارات في إدلب المتهم بقتل 5 من الثوار، وذكرت الرسالة: «سوف تقدم مكافأة مالية كبيرة لأي شخص يحضر رأس ذلك الرجل، وهذا المبلغ تبرع به واحد من إخواننا في الخارج».

وإذا كانت الثورة في كل من تونس ومصر قد اعتبرت «ثورة تويتر»، فإن الثورة في سوريا في طريقها إلى أن تصبح «ثورة سكايب»، فمن أجل الالتفاف حول قطع الاتصال بالإنترنت في جميع أنحاء البلاد تقريبا، قام الثوار بتسليح أنفسهم بالهواتف الجوالة المتصلة بالأقمار الصناعية وأجهزة المودم الهاتفية. وفي كثير من الحالات، يقوم أقارب ومؤيدون يعيشون خارج سوريا بشراء المعدات وتدبير أمر تهريبها إلى الداخل، ويتم ذلك في الغالب عن طريق لبنان وتركيا. وقد سمحت تلك المعدات للثوار بالاستمرار في التواصل معتمدين بالكامل تقريبا على برنامج «سكايب» دون انقطاع يذكر، رغم قطع الاتصال بالإنترنت. ويقول عبد الرحمن: «تماما مثلما استخدم النظام أسلحته ضد الثورة، فإن الناشطين يستخدمون برنامج (سكايب)». وذكر ديفيد كلينش، وهو مدير تحرير في مؤسسة «ستوري فول» (Storyful)، وهي جماعة متخصصة في التحقق مما يتم إرساله على وسائل الإعلام الاجتماعي لحساب المؤسسات الإخبارية مثل صحيفة «نيويورك تايمز» (وقد عمل كلينش مستشارا لشركة «سكايب»): «لم نر أي انقطاع في الطريقة التي يتم بها استخدام برنامج (سكايب)».

وقد امتنع الأسد، الذي كان في الماضي يصور نفسه على أنه رائد الإصلاح وأبو الإنترنت في سوريا، بدرجة كبيرة عن التعرض لخدمة الإنترنت في البلاد طوال الصراع الدائر منذ 20 شهرا مع الثوار، ولكن يبدو أن النظام قد تخلى عن هذه الاستراتيجية يوم الخميس الماضي، حين فقد معظم المواطنين إمكانية الدخول على الإنترنت، وإن كان بعض السوريين ما زال في مقدورهم الاتصال بالإنترنت عن طريق الخدمة الآتية من تركيا. وفي يوم الجمعة الماضي، عزا المسؤولون السوريون هذا الانقطاع إلى مشكلات فنية، إلا أن هذا الانقطاع لا يعدو أن يكون أحدث تكتيك في حرب التكنولوجيا التي يحمى وطيسها أكثر فأكثر في بلدان الربيع العربي. غير أن العديد من خبراء التكنولوجيا حذروا من أن استخدام الثوار في سوريا للإنترنت، حتى أولئك الذين يعتمدون على برنامج «سكايب»، قد يجعلهم مكشوفين ومعرضين للمراقبة من قبل النظام.

وقد ظهر برنامج «سكايب» عام 2003، وهو يقوم بتشفير كل مكالمة عبر الإنترنت مما يجعل من المستحيل تماما تعقبها، وسرعان ما تحول إلى التكنولوجيا الأثيرة لدى المنظمين العالميين وأعضاء حركات المعارضة في البلدان الشمولية. ورغم أن أسرار التشفير الخاصة ببرنامج «سكايب» لا تزال غامضة، فقد نجح نظام الأسد خلال الأشهر الأخيرة، بمساعدة من إيران في الغالب، في تطوير أدوات لتثبيت برمجيات ضارة على أجهزة الكومبيوتر تسمح للمسؤولين برصد نشاط المستخدم. ويقول رونالد دايبرت، مدير مؤسسة «سيتيزن لاب»، وهي مؤسسة بحثية تابعة لـ«جامعة تورونتو» تتولى رصد قضايا حقوق الإنسان وأمن الإنترنت: «لقد تحول برنامج (سكايب) من كونه الأداة الأوسع استخداما وترويجا من جانب الناشطين الحقوقيين في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى الآن، حينما يسألني الناس فأقول لهم: (بالطبع لا تستعملوه)».

وتقول إيفا غالبيرين من «مؤسسة الحدود الإلكترونية»، وهي جماعة مدافعة عن الحريات المدنية يقع مقرها في سان فرانسيسكو، إن استعمال خدمة الهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية في الاتصال ربما يجعل برنامج «سكايب» أكثر خطورة، نظرا إلى أن هذا يزيد من سهولة تعقب موقع المستخدم. وأشارت غالبيرين إلى أن النظام السوري «انتقل من المراقبة السلبية إلى المراقبة الأكثر فعالية التي يقوم فيها بالدخول على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالمنشقين وأفراد المعارضة».

وقد قاد «الجيش الإلكتروني السوري» الموالي للنظام في المقام الأول الرد على هجمات الإنترنت الأولى التي شنها الثوار والمتعاطفون معهم في الخارج، ويقول العديد من الناشطين إنه عند نقاط التفتيش في المناطق التي يسيطر عليها النظام، تقوم قوات الأسد بفحص أجهزة الكومبيوتر المحمولة بحثا عن برامج تسمح للمستخدمين بتجنب برمجيات التجسس التي يطلقها النظام، وفي المقاهي التي يتوافر فيها اتصال بالإنترنت، يقوم مسؤولو النظام بالتحقق من هوية المستخدمين. وقد بدأ الشك يساور الثوار في أن الجهود التي يبذلها النظام قد بدأت تؤتي ثمارها، حيث ذكر ناشط إعلامي في إدلب يدعى محمد أنه تم إعدام مرشد من الثوار كان يتعامل مع النظام في دمشق منذ 6 أشهر بعد أن أرسل تحذيرات إلى الجيش السوري الحر عبر برنامج «سكايب». وقال محمد: «لقد رأيت هذه الواقعة وهي تحدث أمام عيني مباشرة. قمنا بوضع معلومات عنه على برنامج (سكايب) حتى يتم إلقاء القبض عليه وإعدامه». وفي شهر أغسطس (آب) الماضي، لقي ناشط يدعى براء البوشي مصرعه خلال القصف الذي تعرضت له مدينة دمشق.

وصرح متحدث باسم شركة «سكايب»، وهو شايم هاس، بأن المكالمات التي تتم عبر هذه الخدمة بين أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة المحمولة يتم تشفيرها أوتوماتيكيا، ولكن تماما كما يمكن أن يتعرض البريد الإلكتروني وخدمة الرسائل الفورية لتهديد برمجيات التجسس وفيروسات «تروجان هورس»، فإن الشيء نفسه يمكن أن يحدث مع برنامج «سكايب». وختم هاس حديثه قائلا: «إنهم يسمعون المحادثة قبل أن يتم تشفيرها. ذلك أمر لا دخل لبرنامج سكايب به على الإطلاق».

* خدمة «نيويورك تايمز»