المحكمة الدستورية تعلق عملها بعد حصار الإسلاميين لمقرها

قضاتها قالوا إنه يوم حالك السواد في سجل القضاء

متظاهرون من جماعة الإخوان وقوى إسلامية أخرى يحاصرون مقر المحكمة الدستورية العليا وتطويقه ومنع قضاة المحكمة من الدخول لنظر القضايا المجدولة أمامها أمس (إ.ب.أ)
TT

استمرارا لحالة الصدام بين السلطة التنفيذية في مصر وعلى رأسها الرئيس محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي من جهة، وبين القضاء من جهة أخرى، أعلنت المحكمة الدستورية العليا، أمس، تعليق العمل في جميع القضايا المنظورة أمامها، لأجل غير مسمى، وذلك ردا على قيام متظاهرين من جماعة الإخوان وقوى إسلامية أخرى بحصار مقر المحكمة وتطويقه ومنع قضاة المحكمة من الدخول لنظر القضايا المجدولة أمامها، وهو ما نفته الجماعة قائلة إنها لم تصدر تعليمات لكوادرها بحصار المحكمة.

وكان من المقرر أن تنظر المحكمة الدستورية العليا بجلسة الأمس دعويين تتعلقان بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان)، وعدم دستورية قانون معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد، غير أن أنصار جماعة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي، نظموا مظاهرة حاشدة تجاوز الحضور فيها أكثر من 5 آلاف شخص، قاموا بحصار مقر المحكمة، على نحو حال دون دخول القضاة لنظر أعمالهم.

وعلى الرغم من إصدار الرئيس مرسي إعلانا دستوريا تضمن تحصين أعمال الجمعية التأسيسية للدستور، ومجلس الشورى من الحل، غير أنه بدا جليا أن القلق ساور القوى الإسلامية الحاكمة وأنصارها، من أن تصدر المحكمة الدستورية حكما رغما عن الإعلان الدستوري، بعد أن اتفق معظم رجال القضاء والفقهاء الدستوريين على أن الإعلان الدستوري الصادر من الرئيس هو في حكم المنعدم، وأنه لا يعدو كونه قرارا إداريا، لكونه جاء مخالفا للإعلان الدستوري الذي تم الاستفتاء عليه في مارس (آذار) من العام الماضي، والذي أورد على سبيل الحصر سلطات الرئيس المنتخب، والتي لم يكن من بينها سلطة إصدار أي إعلانات دستورية.

وحمل المتظاهرون الذين تجاوز عددهم 5 آلاف شخص، لافتات وصورا للرئيس المصري محمد مرسي، تحمل عبارات مؤيدة له في قراراته الأخيرة، بإصدار إعلان دستوري مكمل، وطرح مشروع الدستور الجديد للاستفتاء على المصريين منتصف الشهر الجاري.

وأمضى المتظاهرون ليلتهم أول من أمس أمام مقر المحكمة الدستورية، وبدأت أعدادهم في التزايد صباح أمس (الأحد) حيث رددوا الهتافات المعادية للمحكمة الدستورية واصفين إياها بأنها «محكمة النظام السابق حيث عين قضاتها من جانب الرئيس السابق حسني مبارك»، كما رددوا أيضا هتافات: «عيش.. حرية.. حل الدستورية»، و«الشعب يريد حل المحكمة الدستورية»، و«يا قضاة الدستورية اتقوا شر المليونية»، كما قام المتظاهرون بترديد أسماء بعض قضاة المحكمة المعروفين، مصحوبة بسباب وشتائم واتهامات لهم بـ«العمالة للنظام السابق».

وقال عدد من قضاة المحكمة لـ«الشرق الأوسط»، وطلبوا عدم ذكر أسمائهم، إنهم عند اقترابهم من مقر المحكمة، منعتهم حشود المتظاهرين من الاقتراب، مشيرين إلى أنه كاد يتم الاعتداء عليهم والفتك بهم من قبل المتظاهرين، فآثروا الرجوع من حيث أتوا، كما قال مستشارون آخرون إنهم علموا من خلال اتصالات هاتفية بوجود «حشود ضخمة من المتظاهرين غير السلميين أمام مقر المحكمة، فقرروا عدم الذهاب»، بينما لم يحضر إلى مقر المحكمة سوى 3 مستشارين فقط، وتم إدخالهم إلى المحكمة على أنهم «من المحامين الحاضرين في قضايا ستنظرها المحكمة».

وأشار مصدر قضائي مسؤول لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك حالة من الحنق والغضب الشديد بين قضاة المحكمة تجاه ما جرى بالأمس، مشيرا إلى أن ما حدث يمثل سابقة خطيرة لم تحدث من قبل منذ إنشاء المحكمة الدستورية في مصر.

وأنحى المصدر باللائمة على قوات الأمن والشرطة في عدم تأمين المحكمة بصورة كافية تتمثل في إبعاد المتظاهرين عن مقر المحكمة بمسافة مقبولة يستطيع معها قضاة المحكمة تأدية دورهم ونظر القضايا المطروحة عليهم، لافتا إلى أن المتظاهرين كانوا على بعد أمتار قليلة من أبواب المحكمة، فضلا عن قيام أعداد كبيرة منهم بتسلق أسوارها دون تحرك أمني حقيقي يمنعهم من الإقدام على ذلك.

وكانت عناصر الشرطة قد فرضت منطقة عازلة في وقت سابق أمام مقر مجلس الشورى الذي عقدت به الجمعية التأسيسية للدستور جلساتها، وبنت جدارا عازلا يبعد نحو 200 متر عن مقر المجلس القريب من ميدان التحرير، وتصدت لمحاولات المتظاهرين الاقتراب من محيطه باستخدام القنابل المسيلة للدموع ورشق الحجارة.

وداخل قاعة المحكمة الدستورية، أعلن أمين السر (سكرتير الجلسة) عن تأجيل جميع القضايا التي كان من المقرر أن تنظرها المحكمة بذات الجلسة بالأمس، ومن بينها القضيتان المتعلقتان بمجلس الشورى والجمعية التأسيسية، إلى أجل غير مسمى، نظرا لعدم استطاعة أغلب قضاة المحكمة الحضور في ضوء المظاهرات الحاشدة.

في المقابل، قال عبد المنعم عبد المقصود محامي جماعة الإخوان المسلمين، إن «المتظاهرين أمام المحكمة الدستورية لم يمنعوا قضاة المحكمة من دخولها وكل ما يقال عن منع أو إعاقة القضاة محض افتراء»، مشيرا إلى أن أطراف الخصومة والنزاع ومتقاضين عاديين تم تمكينهم من الدخول، مضيفا أن «المحكمة اتخذت موقفا غريبا وغير مفهوم».

من جانبه، وجه الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، نداء إلى المتظاهرين حول مبنى المحكمة الدستورية بالالتزام بقواعد التظاهر السلمي التي يحددها القانون. وطالبهم بعدم تعطيل الأعمال أو التعرض للقضاة، معلنا عن رفض حزبه لأي استخدام للعنف في التعبير عن الرأي.

وأصدرت المحكمة من جانبها في أعقاب ذلك بساعات قليلة بيانا أعلنت فيه تعليق جلسات المحكمة في جميع القضايا المنظورة أمامها إلى أجل غير مسمى يرتبط بالمناخ والظروف الملائمة التي يقدرون فيها على مواصلة رسالتهم والفصل في الدعاوى المطروحة على المحكمة بغير أي ضغوط نفسية ومادية يتعرضون لها.

وذكر البيان أنه «وقع تاريخ الجلسة المحددة لنظر القضايا المنظورة أمام المحكمة الدستورية العليا في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) عام ألفين واثني عشر، والذي كان يوما حالك السواد في سجل القضاء المصري على امتداد عصوره، فعندما بدأ توافد قضاة المحكمة في الصباح الباكر لحضور جلستهم، ولدى اقترابهم من مبناها، تبين لهم أن حشدا من البشر يطوقون المحكمة من كل جانب، ويوصدون مداخل الطرق إلى أبوابها، ويتسلقون أسوارها، ويرددون الهتافات والشعارات التي تندد بقضاتها، وتحرض الشعب ضدهم، مما حال دون دخول من وصل من القضاة نظرا لما تهددهم من أذى وخطر على سلامتهم، في ظل حالة أمنية لا تبعث على الارتياح».

وقال البيان إن «المحكمة إذ تسجل ببالغ الأسى والألم أن أساليب الاغتيال المعنوي لقضاتها الذي سبق ممارسته الفترة الماضية من هذا الحشد وغيره ممن ينتمون إليه والذي يتظاهر اليوم ضد المحكمة، هي التي قادت إلى هذا المشهد البغيض المفعم بالخزي والعار بما حمله من تشهير وتضليل وتزييف للحقائق».

واختتمت المحكمة بيانها مؤكدة أنه «إزاء ما تقدم فإن قضاة المحكمة الدستورية العليا لم يعد أمامهم اختيار إلا أن يعلنوا لشعب مصر العظيم أنهم لا يستطيعون مباشرة مهمتهم المقدسة في ظل هذه الأجواء المشحونة بالغل والحقد والرغبة في الانتقام واصطناع الخصومات الوهمية، ومن ثم فإنهم يعلنون تعليق جلسات المحكمة إلى أجل يقدرون فيه على مواصلة رسالتهم والفصل في الدعاوى المطروحة على المحكمة بغير أي ضغوط نفسية ومادية يتعرضون لها».