فاروق الباز لـ «الشرق الأوسط»: على مرسي التراجع عن الإعلان الدستوري

العالم المصري دعا لـ«الهدوء والنقاش بين كل الأطراف»

TT

اعتبر العالم المصري الدكتور فاروق الباز أنه لا يمكن الخروج من المأزق السياسي الذي تشهده الساحة السياسية المصرية حاليا إلا بالهدوء والنقاش بين كل الأطراف. وقال إن الغوغاء الحالية تزيد الاحتقان وتهز الاقتصاد وتقضي على السياحة قضاء كاملا وفي ذلك ضرر جسيم.

وقال الباز، الذي يشغل منصب مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن الأميركية، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أنه على الرئيس محمد مرسي أن يتراجع عن موقفه الخاص بالإعلان الدستوري الأخير، حتى يؤهل ذلك بداية للنقاش بين شريحة واسعة من ممثلي الفكر في الوطن. وأضاف العالم المصري الذي يطلق عليه علماء وكالة ناسا الأميركية لقب «الملك»: «ما زلت مقتنعا بأن الديمقراطية تزدهر في الحكم المدني، ولا بد أن يسمح هذا الحكم بحرية التعبير مهما كانت اللغة أو الظروف، فالحرية هي أول مبادئ الديمقراطية».

وطالب الباز، الذي عمل لمدة أربع سنوات مستشارا علميا للرئيس الأسبق أنور السادات، أنه على التيارات المناهضة لـ«الإخوان المسلمين» والقوى الإسلامية أن تبدأ العمل من الآن لخوض الانتخابات القادمة، وقال «إذا كان أمل هذه التيارات عدم السماح بأخونة الدولة فعليها إذن العمل الدؤوب لإقناع الناس بأن في ذلك خيرا للوطن استعدادا لحسم الأمر في صناديق الاقتراع في المرة القادمة».

وأعرب الباز عن اعتقاده أن التعامل الأمني والعسكري مع سيناء منذ ثورة 1952 كان «خطأ كبيرا»، وقال إن سيناء تزخر بالثروات الطبيعية وكان أهلها على اتصال دائم بباقي أهل مصر منذ عهد قدماء المصريين، لذلك فعلينا أن نزيد الاهتمام بسيناء وأرضها الطيبة وتربتها القابلة للزراعة والتي تعلو صخورا بها مياه جوفية». وكشف عن دراسة أعدها زميل مصري له كشفت عن وجود مياه جوفية وتربة صالحة للزراعة في سيناء، مشيرا إلى أن هذه الأبحاث ستنشر قريبا لكي تستخدم في دعم التنمية الدائمة في شمال سيناء.

وقال الباز، الذي ولد عام 1938 بمحافظة الدقهلية في دلتا مصر، إنه بحث مؤخرا مع وزيرة البحث العلمي المصرية الدكتورة نادية زخاري التعاون بين أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر مع علماء من جامعة المستقبل لبدء بعض مشاريع التعاون في البحث العلمي على مستوى أعلى بين مصر والسودان وإثيوبيا. وفي ما يلي نص أهم ما جاء في الحوار..

* كيف ترى سبل الخروج من المشهد الحالي المعقد للساحة السياسية في مصر؟

- لقد تفاقم الوضع في مصر كثيرا، ونتج عن ذلك الاحتقان الحالي، وفي حقيقة الأمر لا يمكن الخروج من المأزق إلا بالهدوء والنقاش بين كل الأطراف، لأن الغوغاء الحالية تزيد الاحتقان وتهز الاقتصاد وتقضي على السياحة قضاء كاملا وفي ذلك ضرر جسيم. وللخروج من هذا المشهد هناك عدة خطوات.. أولا، على الرئيس محمد مرسي أن يتراجع عن موقفه (الخاص بالإعلان الدستوري الأخير) حتى يؤهل ذلك بداية للنقاش بين شريحة واسعة من ممثلي الفكر في الوطن. ثانيا، علينا أن ننظر في أمر مسودة الدستور الحالية، وأن نقبل بأن يتم التصويت عليها، لأن الديمقراطية تستلزم أخذ رأي الناس ثم قبول ما تختاره الغالبية العظمى في صناديق الاقتراع. ثالثا، لقد حصلت التيارات الإخوانية والإسلامية الأخرى على غالبية الأصوات، ولا بد أن نحترم ذلك، وعلينا أن نقبل هذا الوضع وأن نبين للناس ما هو الصواب وما هو الخطأ، وعلى التيارات المناهضة لـ«الإخوان المسلمين» والقوى الإسلامية أن تبدأ العمل من الآن لخوض الانتخابات القادمة، وإذا كان أمل هذه التيارات «عدم السماح بأخونة الدولة» فعليها إذن العمل الدؤوب لإقناع الناس بأن في ذلك خيرا للوطن استعدادا لحسم الأمر في صناديق الاقتراع في المرة القادمة، والمهم في كل ذلك أن نضع مصر فوق الجميع، وأن نعمل ما بوسعنا لتمهيد الطريق للجيل الصاعد. لقد أثبتنا أن جيلنا قد فشل في كل شيء، والآن لا بد أن نفسح المجال للجيل الجديد للعمل لرفعة مصر إلى مكانة تليق بها.

* سبق أن قلت إنه لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر إلا تحت الحكم المدني، فهل هناك ما يؤشر على ذلك في المرحلة الحالية؟

- ما زلت مقتنعا بأن الديمقراطية تزدهر في الحكم المدني، ولا بد أن يسمح هذا الحكم بحرية التعبير مهما كانت اللغة أو الظروف، فالحرية هي أول مبادئ الديمقراطية.

* تعاني سيناء وضعا أمنيا صعبا، ويرى البعض أن الحل في سيناء هو التنمية الشاملة وليس الحل العسكري.. كيف ترى أزمة التنمية في سيناء؟

- منذ قيام ثورة 1952 وسيناء تعتبر موقعا للأمن العسكري، وكان هذا خطأ كبيرا لأن سيناء تزخر بالثروات الطبيعية، وكان أهلها على اتصال دائم بباقي أهل مصر منذ عهد قدماء المصريين، لذلك فعلينا أن نزيد الاهتمام بسيناء وأرضها الطيبة وتربتها القابلة للزراعة والتي تعلو صخورا بها مياه جوفية، كما أثبت زميل لي يحضر دكتوراه معي، فقد أثبت الباحث مصطفى عبد الكريم أن وادي العريش كان يسير في طريق غير مساره الحالي وكان يصب في موقع لبحيرة قديمة، وهذا يعني وجود مياه جوفية وتربة صالحة للزراعة، وسوف يتم نشر نتائج أبحاثه قريبا لكي تستخدم في دعم التنمية الدائمة في شمال سيناء.

* التقيت مؤخرا وزيرة البحث العلمي المصرية، ماذا بحثتما في هذا اللقاء، وهل هناك ثمة تعاون من أجل الارتقاء بالبحث العلمي في مصر؟

- لقد سعدت باللقاء مع الدكتورة نادية زخاري مؤخرا، وقد ناقشنا العمل على تجديد المشاركة البحثية بين علماء مصر وزملائهم في السودان. في سنوات الخمول العلمي أثناء عهد الرئيس السابق حسني مبارك انقطع التواصل العلمي بيننا وبين زملائنا في السودان وإثيوبيا، ومثل ذلك خطرا عظيما حيث إن جنوب مصر هو أمان نهر النيل ومياهه. لذلك فقد بدأ النقاش بين أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر مع علماء من جامعة المستقبل لبدء بعض مشاريع التعاون في البحث العلمي لتكون بداية للتعاون العلمي على مستوى أعلى بين مصر والسودان وإثيوبيا مستقبلا.

* تتبنى منذ فترة تنفيذ مشروع «ممر التنمية».. فما مصيره الآن؟

- تقول الأرقام الرسمية إن مصر تحتاج إلى توسيع مساحة المعيشة في كل أرجاء الوطن، أول رقم مهم هو أن الأراضي الخصبة في وادي النيل والدلتا يتم التعدي عليها بالبناء بمعدل 30 ألف فدان سنويا، ولأن هذه الأراضي مساحتها 5.5 مليون فدان فإنه ما لم يتوقف هذا التعدي فسوف تختفي هذه الأراضي الخصبة في 183 سنة تحت العمران، معنى هذا أنه يجب التوقف عن التعدي لكن ذلك يستلزم أن تكون هناك أراض أخرى قريبة أماكن المعيشة بها تسمح بالتوسع العمراني والزراعي والصناعي والتجاري وكل ما تحتاجه التنمية الشاملة. الرقم الآخر الذي لا يقل أهمية هو أن تعداد مصر سوف يصل إلى 140 مليون نسمة في عام 2050، ولا بد أن نخطط للمكان الذي يسمح بإضافة 60 مليون نسمة، وهذا يستلزم أن تكون هناك مخططات لممرات التنمية أولها ممر التنمية غرب النيل والدلتا. وأعتبر ممر التنمية في الصحراء الغربية أول الممرات أهمية، لأنه يوفر أكبر قسط من الأراضي الصالحة للحياة بالقرب من أماكن التكدس الحالية. هذا الممر يمكننا من استخدام 10.5 مليون فدان بالقرب من غرب وادي النيل والدلتا. ويمكن التوسع في هذه المساحة بالمحاور العرضية أولا، ويتم ذلك رويدا رويدا قبل إنشاء الممر الطولي الذي يربطها جميعا. ليس عندي من شك في أن ممر التنمية مشروع يناسب التوسع في التنمية في مصر المستقبل، وقد تم مؤخرا إطلاق المؤسسة المصرية لمحاور التنمية بشكل رسمي، التي بدأت بنشاط مجموعة من شباب المستثمرين المصريين إيمانا منهم بأن مستقبل البلد يعتمد على وسائل جديدة للإنماء الاقتصادي في كل مجال، والمؤسسة تعمل على محاولة تنفيذ المشروع بجهود ذاتية مصرية.