«البنتاغون» ينافس «سي آي إيه» في التجسس وسط انتقادات داخلية

وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية توسع نشاطها بالخارج بإرسال 1600 عميل لمطاردة «الإرهابيين»

مبنى وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» في واشنطن («واشنطن بوست»)
TT

كشف مسؤولون أميركيون عن نية البنتاغون زيادة أعداد عملائه السريين بالخارج، في إطار خطة طموحة لإقامة منظومة جاسوسية تنافس «وكالة الاستخبارات المركزية» من حيث الحجم. ويهدف هذا المشروع إلى تحويل «وكالة استخبارات الدفاع»، التي غرقت خلال العقد الماضي في متطلبات حربين خاضتهما الولايات المتحدة، إلى جهاز جاسوسية يركز على التهديدات الناشئة ويتعاون بشكل أوثق مع «وكالة الاستخبارات المركزية» وكبرى وحدات الكوماندوز العسكرية.

وعند اكتمال هذه التوسعات، يتوقع أن يكون لدى وكالة استخبارات الدفاع ما يصل إلى 1600 «جامع للمعلومات» في مواقع مختلفة من العالم، وهو عدد إجمالي غير مسبوق بالنسبة لجهاز كان حجم وجوده في الخارج خلال السنوات الأخيرة لا يتجاوز الأرقام الثلاثة، وهذا العدد يشمل الملحقين العسكريين وغيرهم ممن لا يعملون تحت ستار السرية. إلا أن المسؤولين الأميركيين يشيرون إلى أن هذه الزيادة تتوقف على إعداد جيل جديد من العناصر السرية على مدار 5 سنوات، وسوف يتم تدريب هذه العناصر داخل «وكالة الاستخبارات المركزية»، وسوف تتعاون في الغالب مع «قيادة العمليات الخاصة المشتركة»، إلا أنها ستتلقى تكليفات المهام الخاصة بها من وزارة الدفاع.

ويقول المسؤولون إن من بين أهم الأولويات الاستخباراتية لدى «البنتاغون» الجماعات الإسلامية المسلحة في أفريقيا، وعمليات نقل الأسلحة من كوريا الجنوبية وإيران، والتحديث العسكري الجاري في الصين. وقد ذكر مدير الوكالة الجنرال مايكل فلين في مؤتمر عقد مؤخرا وتحدث فيه عن الخطوط العريضة لهذه التغييرات لكنه لم يتطرق إلى التفاصيل: «هذا ليس تعديلا هامشيا في وكالة استخبارات الدفاع. إنه تعديل جوهري في الأمن القومي».

وتعتبر هذه الزيادة الكبيرة في أعداد العملاء السريين التابعين لـ«وكالة استخبارات الدفاع» جزءا من اتجاه بعيد المدى، يتمثل في وجود تقارب بين الوكالتين العسكرية والاستخباراتية كان يتسبب في عدم وضوح الرؤية بالنسبة للمهام والقدرات بل وحتى صفوف القيادة لدى كل منهما، التي كانت في السابق واضحة المعالم. ومن خلال برنامج الطائرات من دون طيار الذي وضعته وكالة الاستخبارات المركزية، فإنها تتولى حاليا أغلب العمليات القتالية الأميركية التي تتم خارج منطقة الحرب الأفغانية. وفي الوقت ذاته، فإن خطة «البنتاغون» لإنشاء ما يسميه «الجهاز الدفاعي السري» تعكس أحدث وأكبر حالة اقتحام من جانب العسكريين لمجال العمل الاستخباراتي السري.

وسوف تؤدي عملية إعادة هيكلة وكالة استخبارات الدفاع - مقترنة بالنمو الذي شهدته وكالة الاستخبارات المركزية منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001 - إلى إقامة شبكة تجسس غير مسبوقة من حيث الحجم، وهذه الخطة تعكس تفضيل إدارة الرئيس أوباما للجاسوسية والعمل السري على القوة التقليدية، وهي أيضا تنسجم مع الجهود التي تبذلها الإدارة لتقنين سياساتها في مجال محاربة الإرهاب من أجل خوض صراع متواصل وتجميع العناصر الموجودة بالخارج واللازمة لتنفيذ هذه السياسات. وعلى عكس وكالة الاستخبارات المركزية، فإن وكالة الجاسوسية التابعة لـ«البنتاغون» غير مخولة بتنفيذ عمليات سرية خارج نطاق جمع المعلومات الاستخباراتية، مثل ضربات الطائرات من دون طيار أو التخريب السياسي أو تسليح العناصر المقاتلة.

إلا أن وكالة استخبارات الدفاع لطالما لعبت دورا رئيسيا في تقييم وتحديد الأهداف لصالح الجيش الأميركي، الذي جمع في السنوات الأخيرة كوكبة من قواعد الطائرات من دون طيار تمتد من أفغانستان حتى شرق أفريقيا. ومن المرجح أن يؤدي هذا التوسع في الدور السري الذي تلعبه الوكالة إلى تزايد المخاوف من أن يصحب ذلك تصاعد في شن الهجمات القتالية وغيرها من العمليات، بعيدا عن نظر الرأي العام، فنظرا للاختلافات القائمة في السلطات القانونية، فإن الجيش لا يخضع لنفس اشتراطات إخطار الكونغرس التي تخضع لها وكالة الاستخبارات المركزية، مما يؤدي إلى احتمال حدوث فجوات في الرقابة والإشراف.

ويؤكد المسؤولون الأميركيون أن إعادة توظيف وكالة استخبارات الدفاع لن تعيق عمليات التدقيق من جانب الكونغرس، حيث صرح فلين في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: «علينا أن نبقي خبراء وأعضاء الكونغرس داخل الدائرة»، مضيفا أنه يرى أن هذه التغييرات سوف تساعد الولايات المتحدة على استباق التهديدات وتجنب جرها بصورة أكثر مباشرة إلى ما يتوقع أن يكون «عصر الصراعات المتواصلة».

وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن ما خلق إمكانية إجراء التغييرات المزمعة على وكالة استخبارات الدفاع هو حدوث تلاقٍ نادر في الشخصيات والمصالح بين كبار المسؤولين في كل من «البنتاغون» ووكالة الاستخبارات المركزية، حيث تم تبادل كثير منها فيما بين المنظمتين، كي تقوم بمهامها الحالية. ويقول مسؤول سابق من كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين شارك في التخطيط لعملية تطوير وكالة استخبارات الدفاع: «إن العمل في هذا المحور يسير قدما منذ فترة». ومثل معظم الآخرين الذين تم إجراء حوارات معهم من أجل هذه المقالة، فقد رفض هذا المسؤول السابق الإفصاح عن هويته بسبب الطبيعة السرية لذلك البرنامج.

وقد تولى قيادة مشروع «وكالة استخبارات الدفاع» مايكل فيكرز، المسؤول الاستخباراتي الأول في البنتاغون والموظف القديم في وكالة الاستخبارات المركزية. وقد لاقت الاتفاقات المتعلقة بالتنسيق استحسان كل من وزير الدفاع ليون بانيتا، وهو مدير سابق لوكالة الاستخبارات المركزية، والجنرال العسكري المتقاعد ديفيد بترايوس، الذي استقال فجأة من منصب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، الشهر الماضي، على خلفية تورطه في علاقة عاطفية خارج نطاق الزواج.

وقد أعلن البنتاغون خطة تطوير وكالة استخبارات الدفاع هذه في شهر أبريل (نيسان) الماضي، غير أن التفاصيل ظلت في طي الكتمان. وصرح مسؤولون كبار سابقون في وزارة الدفاع بأن وكالة استخبارات الدفاع لديها حاليا ما يقرب من 500 «ضابط حالة»، وهو المصطلح الذي يطلق على العملاء السريين في كل من البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية - وأن هذا العدد من المتوقع أن يصل إلى ما بين 800 وألف عنصر سري بحلول عام 2018.

وقد امتنع مسؤولو البنتاغون ووكالة استخبارات الدفاع عن تناول التفاصيل، وذكر مسؤول أميركي كبير سابق في مجال الدفاع أن هذه التغييرات سوف تؤثر على آلاف العاملين في وكالة استخبارات الدفاع، حيث سيتم تكليف المحللين واختصاصيي الدعم اللوجيستي وغيرهم بتكليفات مختلفة من أجل دعم العملاء الجدد. وما زالت هناك بعض العقبات التي تواجه هذه الخطة، ومن بينها تحدي اتخاذ ترتيبات «التغطية» لمئات العملاء الجدد، حيث إن السفارات الأميركية عادة ما يكون لديها عدد محدد من الوظائف كي يعين فيها عملاء الاستخبارات المتخفون في صورة دبلوماسيين، ومعظم هذه الوظائف تستحوذ عليها وكالة الاستخبارات المركزية.

كما واجه هذا المشروع معارضة من صناع السياسات داخل الكونغرس، الذين يرون أن الشروط الخاصة بهذا الترتيب الجديد كريمة بأكثر مما ينبغي مع وكالة الاستخبارات المركزية. فقد ذكر مسؤول كبير في الكونغرس تمت إحاطته بالخطة أن عملاء وكالة استخبارات الدفاع «سوف يكون معظم عملهم لحساب رؤساء مكاتب وكالة الاستخبارات المركزية»، حيث سيحتاجون إلى موافقتهم من أجل دخول بلد معين، كما سيضطرون إلى الحصول على تفويض منهم فيما يتعلق بمصادر المعلومات التي ينوون تجنيدها. وتابع قائلا: «إذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية في حاجة إلى المزيد من الأفراد للعمل لحسابها، فينبغي أن تتحمل هي الفاتورة».

إلا أن مسؤولي البنتاغون يؤكدون أن إرسال المزيد من عملاء وكالة استخبارات الدفاع إلى الخارج سوف يعزز من المعلومات الاستخباراتية بخصوص مواضيع لا توجد لدى وكالة الاستخبارات الأميركية القدرة على التعاطي معها أو الاستعداد لمتابعتها. وأوضح المسؤول الكبير في وزارة الدفاع: «نحن مؤهلون للإسهام في الأولويات الدفاعية التي لا تعتبر وكالة الاستخبارات المركزية مؤهلة للإسهام فيها»

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»