مصادر فرنسية رسمية: لا نفهم الغياب الأميركي عن مشكلات الشرق الأوسط الساخنة

قالت لـ«الشرق الأوسط»: أبو مازن أعطانا وعودا بشأن المحكمة الدولية والمفاوضات من غير شروط

TT

أعربت مصادر فرنسية رسمية عن «دهشتها» للطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع المسائل الساخنة في منطقة الشرق الأوسط؛ سواء كان ذلك في سوريا أو في فلسطين، وتساءلت عن الأسباب التي تفسر الغياب الأميركي، وعن «التضارب» الذي يطفو أحيانا على السطح بين مراكز القرار في واشنطن بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي، فضلا عن الكونغرس.

وتعزو باريس الغياب الأميركي إلى ثلاثة عوامل متداخلة، أولها الانتخابات الرئاسية التي «حرفت» انتباه الإدارة عن الشؤون الخارجية، وشلت حركتها، مخافة إغضاب هذه الفئة أو تلك من الناخبين أو مجموعات الضغط خصوص العاملة لحساب الإسرائيليين. ويتمثل العامل الثاني في المرحلة «الانتقالية» في واشنطن بين إدارة منتهية وأخرى لم تبدأ، على الرغم من أن ساكن البيت الأبيض لن يتغير. وفي هذا السياق، يمثل عزم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ترك منصبها مصدر شلل يمنع الإدارة الأميركية من اتخاذ أي مبادرة مكتفية بإدارة المرحلة المتبقية لها على رأس الوزارة.

أما فيما يخص الملف الفلسطيني، فإن واشنطن «لن تقدم على أي مبادرة»، وفق ما تقوله المصادر الفرنسية قبل الانتخابات العامة الإسرائيلية المقررة أواخر الشهر المقبل.

ويوفر انسحاب الولايات المتحدة من الموقع الأمامي في الشرق الأوسط فرصة للدول الأوروبية من أجل التحرك. غير أن انقسام العواصم الأوروبية، كما بدا واضحا إزاء الاقتراع على قرار الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في منظمة الأمم المتحدة، يضعف الموقف الأوروبي.

وتعزو المصادر الفرنسية «المراوحة» التي يعاني منها الملف السوري إلى «عدم الحسم» الأميركي، وإلى بقاء واشنطن في إطار «إدارة الأزمة» وليس في السعي الحثيث من أجل إحداث تغيير في موازين القوى ميدانيا، الأمر الذي يفتح الباب لطرح مقترحات سياسية أو إنهاء النزاع عسكريا. ولعل أفضل دليل على ذلك، برأيها، تردد واشنطن في موضوع توفير الدعم العسكري للمعارضة السورية، حيث إن مبعوثيها يصرون على عرقلة إيصال أسلحة حديثة خصوا المضادات الجوية إلى المعارضة، بحجة أنهم «لا يعرفون» الكثير عن المجموعات التي يسلم السلاح إليها.

وسياسيا، يبدو موقف واشنطن «متراجعا» إزاء الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة. وبعد أن «نسفت» وزيرة الخارجية المجلس الوطني السوري في تصريح شهير، ما زالت حتى الآن تتردد في الاعتراف بشرعية الائتلاف الجديد، بانتظار أن «يثبت وجوده وجديته».

وواضح أن موقف واشنطن سيكون له تأثير كبير على مواقف الدول الأخرى، بما فيها عدد من الدول العربية نفسها.

وفي الموضوع الفلسطيني، تبدي باريس بعض الخيبة بسبب عدم تجاوب واشنطن مع مساع فرنسية وأوروبية لدفع الإدارة الأميركية إلى قبول صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يتضمن أمرين أساسيين: الأول «محددات» السلام التي يمكن على أساسها دعوة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، والثاني جدولا زمنيا للمفاوضات. وبرأي الفرنسيين وبعض الأوروبيين، فإن قرارا كهذا كان يمكن «تسويقه» لدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لثنيه عن الذهاب إلى الأمم المتحدة، وبالتالي تحاشي التصعيد الإسرائيلي. غير أن المشروع أجهض، من جهة، لأن واشنطن تنصّلت. ومن جهة أخرى، لأن عباس رفض التراجع، إذ كان سيعني نهايته السياسية، خصوصا أن المفاوضات تجري منذ 20 عاما من غير نتائج تُذكر، ولأنه لا ضمانات لأن يكون مصيرها مختلفا عن المحاولات السابقة.

وكشفت مصادر فرنسية أن أبو مازن قدم، مقابل التصويت لصالح فلسطين في الجمعية العامة، وعدا ضمنيا مزدوجا للأوروبيين الذين أصروا على ذلك، بعدم التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة إسرائيل «ليس لحماية القادة الإسرائيليين بل للمحافظة على فرصة لاستئناف المفاوضات» وقبول التفاوض من غير شروط مسبقة. لكن الإجراءات العقابية الإسرائيلية - الأميركية التي بدأت تتبدى تبدو كفيلة بقطع الطريق على كل المحاولات، وبإحراج الرئيس الفلسطيني إزاء ما أغدقه من وعود.

وفي سياق آخر، ترى باريس أن النجاح الدبلوماسي، الذي حققته السلطة وأبو مازن، يمكن وضعه مقابل النجاح العسكري لحماس في غزة، وبالتالي قد يكون من شأن ذلك تسهيل المصالحة الفلسطينية والدفع نحو انتخابات جديدة. وفي هذه الحال، تستبعد باريس تكرار سيناريو انتخابات عام 2006، التي فازت بها حماس وأفضت إلى مقاطعة دولية لحكومتها.

وترى المصادر الفرنسية أن الأسرة الدولية، في حال فوز حماس بها، ستكون «محرجة» في حال عادت إلى نغمة مقاطعتها، إذ إن «الربيع العربي» مر من هناك، وسيكون من الصعب عليها تبرير تعاملها مع حكومات الإخوان المسلمين في دول الربيع العربي، ورفضها التعامل مع حماس في فلسطين، التي هي أيضا انبثاق عن الإخوان المسلمين.