أزمة الرغيف تتفاقم في سوريا وناشطون يحذرون من مجاعة في حلب

القصف يستهدف الأفران.. و«الجيش الحر» يحاول مساعدة السكان

TT

حذر ناشطون من تفاقم أزمة توفر الخبز في البلاد بعد أن تجاوز سعر ربطة الخبز (ثمانية أرغفة) في بعض المناطق - لا سيما حلب - 200 ليرة سوريا (ما يعادل نحو 2.5 دولار)، أي ارتفاع بنحو عشرة أضعاف للسعر المحدد من قبل الحكومة، وهو 15 ليرة سورية.. وذلك في وقت تعرض فيه مخبز بحي بستان القصر لقصف راح ضحيته أكثر من عشرين شخصا. ولم يستبعد الناشطون حصول مجاعة في حلب، لا سيما في الأحياء والمناطق الفقيرة المنكوبة التي تعرضت للقصف الشديد، وبث ناشطون مقاطع فيديو تظهر طوابير من الأطفال يحملون أطباق الطعام وينتظرون دورهم للحصول على طعام يعده عناصر الجيش الحر، الذين يشكون من شح المواد الغذائية والخبز.

وبحسب الناشطين، فإن أزمة الخبز تفاقمت في حلب بسبب القصف الذي تتعرض له الأفران في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، بالإضافة إلى «عدم توفر مادة المازوت اللازمة لتشغيل الأفران وعدم توفر الطحين بالكميات الكافية»، واتهموا النظام بـ«إحراق محاصيل القمح في ريف حلب لدى انسحاب قواته من هناك»، كما أشاروا إلى «قيام عصابات سرقة بنهب صوامع الحبوب في عندان بريف حلب بهدف بيعها في السوق السوداء».

من جانب آخر، دعا نواب في مجلس الشعب في جلسة عقدت بداية الأسبوع إلى «تشكيل لجان شعبية وأهلية لمراقبة الأفران ومحطات توزيع الوقود والأسواق ومنحها صلاحيات الضبطية العدلية»، متسائلين عن دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في إيجاد حلول إسعافية سريعة للاختناقات الحاصلة في توزيع مادة المازوت والخبز. وقدم نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قدري جميل إجاباته على أسئلة الأعضاء، وأشار إلى «وجود فساد في بعض المؤسسات بخصوص المحروقات، الأمر الذي أدى إلى زيادة الخلل بين العرض والطلب».. مؤكدا أن «أزمة المازوت إلى انفراج تدريجي في حدود منتصف الشهر الحالي، وإلى زوال بعد شهرين أو ثلاثة أشهر على أبعد تقدير».

وأقر جميل أن توقف العمل في «بعض المطاحن بحلب أدى إلى حدوث خلل في تأمين مادة الطحين لبعض المناطق، إضافة إلى عدم وجود مطاحن في المناطق الشرقية المنتجة للأقماح».

تصريحات جميل جاءت بعد أيام قليلة من تأكيد مدير عام «شركة المخابز الآلية» عثمان حامد عدم وجود أزمة خبز؛ وإنما «الطلب زاد عليه بنسبة تراوحت بين 20 و30%». وقال: إن «معظم المخابز تعمل بطاقتها القصوى وعلى مدار 24 ساعة، ولا يوجد أي نقص في مادة الخبز، إذ إن المواد الأولية من الدقيق والمازوت والعمال متوفرة».

ونقل موقع (الاقتصادي) عن حامد قوله إن «المخابز تعمل اليوم ضمن إمكاناتها المتاحة وبكامل طاقاتها، إلا أن عملية إنتاج الرغيف في المناطق الساخنة تواجه صعوبات، أهمها صعوبة وصول العاملين إلى مناطق عملهم، وإخراج ما أُنتج من الخبز لخارج المخبز لكي يوزّع على المناطق». مشيرا إلى «صعوبة وصول المواد الأولية من مازوت ودقيق إلى المخابز»، ومنبها إلى أن «الكثير من عمال المخابز تعرضوا لعمليات قتل أثناء أداء واجبهم».

وتشمل أزمة الخبز كافة المناطق في البلاد، لا سيما تلك التي تتعرض لقصف متواصل وسط اشتباكات دائمة بين القوات النظامية والجيش الحر، وبخاصة في البوكمال ودير الزور وحلب وحمص ودمشق وريفها. ففي البوكمال قال أحد السكان هناك لـ«الشرق الأوسط» إن «معظم مناطق دير الزور والبوكمال يعتمدون على الأفران المنزلية، وكانوا يهربون الطحين من العراق.. ولكن مؤخرا منعت الحكومة العراقية التهريب، ما أدى لتفاقم أزمة الرغيف في مناطق شرق سوريا بالإضافة لعدم توفر الكهرباء والمازوت للأزمة لتشغيل الأفران الكبيرة».

وبينما تصطف الطوابير بالمئات أمام الأفران التي ما تزال تعمل في المناطق الهادئة في دمشق وريفها لعدة ساعات للحصول على الخبز، تتوقف الأفران عن العمل نهائيا في مناطق أخرى كما تفتقد مادة الطحين من الأسواق.. وهو ما وصل بسعر ربطة الخبز إلى 75 ليرة في العاصمة. وتقول أم محمد، وهي أرملة وأم لأربعة أطفال تعمل في تنظيف المنازل: «أضطر للوقف ثماني ساعات لأحصل على ربطة خبز لأطفالي بسعر الدولة، واليوم الذي أشتري فيه الخبز لا أعمل». وتضطر أم محمد لأن تقطع مسافة 30 كيلومترا من ريف دمشق إلى حي ركن الدين للحصول على الخبز. وتقول: سابقا كان «الوقوف في طابور النساء أسهل لأن العدد يكون أقل.. الآن طوابير النساء أكبر بكثير من طوابير الرجال».

وعند أفران المزة ثمة معاناة أخرى، إذ يحكي أحمد الدمشقي أن «الوقوف على أبواب تلك الأفران مذلة، فهو قريب من حاجز للشبيحة، الذين لا يقفون بالدور. وأي أحد منهم يأتي ويتجاوز الدور ويحصل على عشر ربطات دفعة واحدة أمام أنظار الجميع».

في ظل هذه الظروف نشأت مهنة جديدة تعتاش على الأزمة، حيث يقوم أطفال وفتيان يقال لهم «الشئيعة» بالانتظار لساعات طويلة أمام الأفران ليحصلوا على الخبز بثمن 15 ليرة، ليبيعونها على بعد أمتار من الفرن بأسعار تتراوح بين 60 إلى 80 ليرة، حسب حاجة المشتري واستعجاله.

وحول أسباب أزمة الخبز وتواصل ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، يقول الدمشقي إن «معظم الأفران الحكومية توقفت عن العمل في المناطق الساخنة بسبب عدم توفر المازوت.. أما الأفران الخاصة والتي تلجأ لشرائه من السوق السوداء بسعر يتجاوز 100 ليرة للتر الواحد (علما بأن السعر النظامي 30 ليرة) فبعضها خفض إنتاجه من الخبز، وراح يبيع مخصصاته من الوقود والطحين المدعوم بالسوق السوداء بأسعار مضاعفة بهدف الربح. ويأتي ذلك بالإضافة إلى صعوبة نقل القمح والطحين بين المحافظات».