المشروع الاستيطاني قد يضع الحكومة الإسرائيلية في قفص الاتهام بلاهاي

عاصفة احتجاج أوروبية وغضب أميركي والفلسطينيون قد يتوجهون إلى مجلس الأمن

TT

مارست عواصم أوروبية عدة، أمس، ضغوطا دبلوماسية غير مسبوقة، على الحكومة الإسرائيلية، لحملها على إلغاء مشروعها الاستيطاني الجديد في القدس والضفة الغربية، الذي أقرته يومي الجمعة والأحد الماضيين، عقابا للفلسطينيين على نجاح السلطة الفلسطينية في رفع مكانتها في الأمم المتحدة إلى دولة غير عضو. واستدعت لندن، أمس، سفير إسرائيل لديها. وشجبت وزارة الخارجية البريطانية قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير بشأن بناء 3 آلاف وحدة سكنية جديدة، واعتبرته «تهديدا لإمكانية تطبيق حل الدولتين». وقال المتحدث باسم الخارجية البريطانية: «لقد ناشدنا الحكومة الإسرائيلية من أجل إلغاء هذا القرار، حيث قام اليستر بيرت، وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، باستدعاء دانيال تاوب، السفير الإسرائيلي في لندن، بصورة رسمية إلى الوزارة هذا الصباح (أمس) ليشرح له المخاوف العميقة التي تشعر بها المملكة المتحدة». وأضاف الناطق: «سوف يعتمد أي قرار بشأن أي تدابير أخرى قد تتخذها المملكة المتحدة على نتيجة مباحثاتنا مع الحكومة الإسرائيلية والشركاء الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي».

وبينما نفت باريس، على لسان خارجيتها، نبأ استدعاء سفيرها الذي نقلته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فإن الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، استبعد لجوء بلاده إلى فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، إذ إنها «لا تريد الدخول في هذا المنطق.. بل تفضل منطق الإقناع». وأضاف هولاند الذي استضاف في الأول من الشهر الجاري رئيس الوزراء الإسرائيلي في باريس، إن «الهم الأكبر هو بناء المستوطنات الجديدة مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج على مسار السلام». وأعرب الرئيس الفرنسي عن أمله بأن تمتنع إسرائيل عن تنفيذ المشروع المذكور الذي من شأنه «نسف الموقف الأساسي للأسرة الدولية القائم على حل الدولتين» الإسرائيلية والفلسطينية. وبدلا من العقوبات واستدعاء السفير في تل أبيب، فضلت باريس استدعاء السفير الإسرائيلي إلى مقر الخارجية، حيث استقبله دوني بييتون، مدير مكتب الوزير فابيوس. وقالت الخارجية، في المؤتمر الصحافي الإلكتروني أمس، إن بييتون نقل إلى السفير الإسرائيلي «قلق فرنسا الكبير»، مذكرا إياه بالموقف الفرنسي الذي «يدين الاستيطان بكل أشكاله» ويعتبره «غير شرعي في نظر القانون الدولي»، كما أنه «ينسف الثقة الضرورية لمعاودة الحوار ويشكل عائقا أمام التوصل إلى سلام قائم على إقامة دولتين».

إلى ذلك، قال متحدث باسم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إن الخطط الإسرائيلية تقوض الثقة في مدى «استعداد (إسرائيل) للتفاوض» في إطار عملية السلام. وإن الحكومة الألمانية، تشعر بقلق شديد للإعلان الإسرائيلي، الذي يرسل «إشارة سيئة»، معتبرة أن «إسرائيل تنسف بذلك الثقة في رغبتها في التفاوض».

في سياق مماثل، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن وزير الخارجية السويدي، كارل بيلت، قوله أمس، إنه استدعى سفير إسرائيل في ستوكهولم للاحتجاج على مشروع بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة في القدس والضفة الغربية.

ووصف بيلت المشروع، على مدونته أمس، بأنه «ثأري»، معتبرا أن هذه المستوطنات الجديدة يمكن أن «تزيد من تأزم الوضع».

وسائل الإعلام الإسرائيلية، توقعت أمس، زيادة الضغوطات الأوروبية على إسرائيل، وأشارت إلى أنها سبقت الموقفين البريطاني والفرنسي الأخيرين، وترافقت مع تسرب معلومات عن غضب شديد في البيت الأبيض على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. ومعلومات أخرى عن تذمر حتى في صفوف الطواقم المهنية في وزارة الخارجية الإسرائيلية نفسها. وقالت إن الغضب هذا، يتركز بشكل خاص، على المشروع «اي 1» الاستيطاني، الذي يقطع الضفة الغربية إلى قسمين منفصلين في النقطة الواقعة شرقي القدس، والذي يحمل أبعادا استراتيجية لإجهاض إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي. فهذا المشروع يعتبر في الغرب، خطا أحمر لا يجوز تجاوزه. وقد عارضته الولايات المتحدة بشدة طيلة السنوات الماضية ومنعت إسرائيل من تنفيذه.

وقد نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، تقريرا لها أمس، كشفت فيه مدى الغضب الأميركي من قرار الحكومة الجديد وما سبقه من ضربات للرئيس الأميركي، باراك أوباما. فقالت إن الإدارة الأميركية لا تزال غاضبة على نتنياهو بسبب موقفه خلال الانتخابات الأميركية وتأييده لمرشح الجمهوريين ميت رومني، وانتقاداته الشديدة والعلنية لإدارة الرئيس باراك أوباما، وإن القرار الاستيطاني جاء بمثابة صدمة كبيرة زادت الطين بلة. وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن رئيس طاقم البيت الأبيض سابقا، رام عمانويل، أحد أقرب الأشخاص للرئيس أوباما، حمل في نهاية الأسبوع، بشدة على نتنياهو، معتبرا أن «هذا الرجل راهن على الشخص الخطأ وخسر الرهان». وأضافت إن عمانويل، الذي يشغل الآن منصب رئيس بلدية شيكاغو، أعلن في جلسات مغلقة، أن تعامل إسرائيل مع الإدارة الأميركية، على الرغم من المساعدة التي قدمتها إدارة أوباما لإسرائيل، هو نكران للجميل. وانتقد قرار الحكومة الإسرائيلية الاستيطاني، فقال إن البيت الأبيض أعرب عن غضب كبير من قيام إسرائيل بهذه الخطوة التي تعتبر عقابية ضد الفلسطينيين، وستحول دون توفر تواصل جغرافي للدولة الفلسطينية.

وخرجت الصحافة الإسرائيلية جميعها أمس، تتحدث عن أن بريطانيا وفرنسا تدرسان إمكانية إعادة سفيريهما من إسرائيل، احتجاجا على قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالدفع بالبناء الاستيطاني في المنطقة التي تربط مستوطنة «معاليه أدوميم» بالقدس المحتلة. وأضافت الصحيفة، نقلا عن ثلاثة دبلوماسيين كبار من دول مختلفة في الاتحاد الأوروبي، أن ذلك يأتي في إطار تنسيق الخطوات بين بريطانيا وفرنسا، حيث من المتوقع أن تقوما بخطوات احتجاجية في الأيام القريبة.

وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أن خمسة سفراء أوروبيين رفيعي المستوى، قدموا منذ الجمعة الماضي، ستة احتجاجات شديدة اللهجة لوزرة الخارجية ومكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية. وطالبت دول الاتحاد الأوروبي عبر هذه الاحتجاجات الحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن نيتها البناء في المنطقة المذكورة.

فلسطينيا، نقلت وكالة أنباء رويترز عن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، تحذيره أمس، من أن قرار الحكومة الإسرائيلية ببناء وحدات استيطانية جديدة، يعجل بلجوء الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقال عبد ربه «حكومة إسرائيل هي المسؤولة عن تسريع ذهابنا إلى المحكمة الجنائية الدولية، لأن هذا القرار الأخير (توسيع مستوطنة معاليه ادوميم)، الذي يقضي على حل الدولتين في عرف القانون الدولي جريمة حرب». وأضاف: «ولا يسمح القانون الدولي بإحلال سكان من الدولة المحتلة في أراضي دولة أخرى خاضعة للاحتلال الذي يتحمل، الآن، تبعات كل خطوة سوف نقدم عليها في المستقبل إذا لم تتوقف جرائمه عند حدها». ولمح عبد ربه، إلى إمكانية توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن الدولي وقال: «ولهذا العالم سوف يفهم اليوم عندما نتوجه إلى مجلس الأمن الدولي للمطالبة بقرار ملزم ضد هذه السياسة الإسرائيلية».

من جانبها، رفضت الحكومة الإسرائيلية الضغوط الأوروبية بمجملها. وقال مصدر في مكتب رئيس حكومتها، إن «إسرائيل ما زالت تصر على مصالحها الحيوية حتى تحت ضغوط دولية، ولن يكون هناك أي تغيير في القرار الذي تم اتخاذه»، في إشارة إلى قرار بناء 3 آلاف وحدة سكنية استيطانية في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية. واعتبر التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة «خرقا صارخا وأساسيا للاتفاقيات التي ضمنتها الأسرة الدولية».